العالم - الجزائر
وعلى رغم أن هذه الخطوة، إذا ما تحققت، ستشكل امتدادا لمواقف الجزائر التاريخية في "عدم الانحياز"، إلا أنها لن تكون خالية من الدلالات السياسية والاستراتيجية، في ظل التَحولات المتسارعة على مستوى العالم، والتي تتيح لدول الجنوب هامشا أكبر لناحية تنويع شراكاتها.
تحدث الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في مقابلة مع التلفزيون الرسمي أخيرا، عن إمكانية انضمام بلاده إلى مجموعة "البريكس"، معلنا أنه ستكون هناك أخبار سارة بهذا الشأن. ولفت تبون إلى أن "عضوية البريكس تتطلب شروطا اقتصادية، أظن أن نسبة كبيرة منها تتوفر في الجزائر"، مضيفا إن "هذه المجموعة تهمنا لأنها ذات قوة اقتصادية وسياسية". ووضع تبون ذلك الاهتمام في إطار سعي الجزائر للابتعاد عن جاذبية القطبين، وأيضا لكون بلاده "دولة رائدة في حركة عدم الانحياز". والواقع أن الانضمام إلى "البريكس" (تضم: البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا)، في حال تَحققه، سيشكل امتدادا طبيعيا لمواقف الجزائر التاريخية والسياسية، وتساوقا مع اشتغالها أخيرا على الدفع نحو إحداث نهضة اقتصادية. ولعل تبون عبر عما تقدم بوضوح عندما اعتبر، خلال مشاركته في منتدى المجموعة التي فتحت أبوابها أمام دول غير أعضاء فيها كالجزائر ومصر في نهاية حزيران الماضي، أن "ما عايشناه من تجارب سابقة يثبت أن انعدام التوازن على الساحة الدولية، واستمرار تهميش الدول النامية ضمن مختلف مؤسسات الحوكمة العالمية، يشكل مصدرا مؤكدا لعدم الاستقرار وغياب التكافؤ والتنمية"، وأن تلك التجاذبات تعيد "إلى الواجهة الطرح الذي تقدمت به الجزائر منذ ما يقرب من 50 عاما، حول ضرورة السعي نحو إقامة نظام اقتصادي جديد يضمن التكافؤ والمساواة بين مختلف الدول".
وعلى رغم تطلع الجزائر إلى دخول مجموعة "البريكس"، إلا أن الواقع أن اقتصادها لا يزال ريعيا ومعتمدا بنسبة كبيرة على إيرادات النفط والغاز، يطرح تساؤلات حول إمكانية تَحقق ذلك المطلب. وفي هذا الإطار، يلفت المستشار في التنمية الاقتصادية ورئيس الديوان السابق لوزارة الرقمنة والاقتصاد والإحصائيات، عبد الرحمن هادف، إلى أن "الدول المشكلة للبريكس انضمت سابقا إلى المجموعة، وكان اقتصادها أيضا مبنيا على الريع. ومع ذلك، نجحت في إحداث نهوض اقتصادي". ويعتقد هادف، في حديث إلى جريدة "الأخبار"، أن "الجزائر قادرة على أن تسير وفق نموذج تنموي فعال ومستدام من أجل اللحاق بركب الدول النامية اقتصاديا، في فترة تتوافر فيها إرادة سياسية بحسب تصريح تبون، الذي تحدث عن ضرورة استقطاب الاستثمارات والشركاء الاقتصاديين المؤهلين".
ويرى هادف أن "التشابه في الأهداف والمكونات الاقتصادية مع دول البريكس، يجعل من الجزائر مؤهلة للانتماء إلى هذا التكتل"، فضلا عن عوامل أخرى؛ من بينها "الاستقرار السياسي، والعلاقات المتميزة التي تملكها الجزائر مع الدول المشكلة للمجموعة، وكذلك المقومات الاقتصادية والعلمية التي تمكنها من التسريع في وتيرة النمو". وإذ يلفت إلى أنه "لا يمكن للجزائر الانضمام إلى مجموعة السبع التي تفرض شروطا توصف بالتعجيزية"، فهو يرى أنه "ليس من العدل أن تهيمن هذه المجموعة التي تمثل 10 بالمئة فقط من سكان العالم على المنظومة الاقتصادية، فعاملا الجغرافيا والديموغرافيا صارا مهمين في التأثير على النظام الاقتصادي، وخاصة أن فرص النمو متوفرة أيضا في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية"، بحسب هادف.
وحول ما إذا كانت هذه العضوية ستحدد موقف الجزائر من الصراعات العالمية الراهنة، لناحية الاصطفاف مع طرف على حساب آخر، يشير إلى أن "العالم يسير نحو منظومة متوازنة ومضادة لهيمنة القطب الواحد المتمثل في الولايات المتحدة، من خلال استحداث قطب آخر يمثل أهم الدول المحركة للنمو في العالم". ومع ذلك، يعتقد هادف أن "البريكس هو امتداد لحركة دول عدم الانحياز التي كانت الجزائر سابقا عضوا فاعلا فيها، فهو لا يفرض على أعضائه أي موقف سياسي، وخاصة في ما يتعلق بالسياسات الخارجية والعلاقات الدولية، والدليل أن الهند عضو فيه وتتعامل مع الغرب، وأن بين الهند والصين اضطرابات على الحدود، على عكس مجموعة السبع التي تفرض على الأعضاء توجهات سياسية معينة".
أصيل منصور - جريدة الأخبار