واشنطن وبكين على الساحة التايوانية.. إستدراج متبادل

واشنطن وبكين على الساحة التايوانية.. إستدراج متبادل
الأربعاء ٠٣ أغسطس ٢٠٢٢ - ٠٥:٢١ بتوقيت غرينتش

فجأة إستيقظت مشاعر الديمقراطية لدى رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي وقررت زيارة تايوان لدعم الديمقراطية هناك. وكانت الزيارة التي أثارت جدلا قبل حصولها وستثير جدلا أكبر بعد انتهائها

العالم - كشكول

فلندخل في السؤال الأهم والأكثر تداولا، لماذا هددت الصين ورفعت سقف رد فعلها المحتمل في حال زارت بيلوسي تايوان، بينما تقول المستجدات إنها قد لا تفعل ما يرقى إلى مستوى هذه التهديدات؟
من الطبيعي ان تايوان تعتبر قضية مصيرية بالنسبة لبكين. ومصيرية هذه القضية تمنح الولايات المتحدة ورقة ضغط استخدمتها واشنطن من خلال زيارة بيلوسي رغم التهديدات الصينية والتحذيرات داخل الولايات المتحدة. لكن لماذا تريد الإدارة الأميركية إستفزاز الصين وجرها إلى مواجهة قد تتطور إلى حرب؟
إضافة إلى طبيعة السياسة الأميركية القائمة على ضرورة السيطرة على العالم من خلال الصراعات والتوترات،

هناك عوامل تدفع بواشنطن إلى جر الصين إلى مواجهة
= تعتبر الولايات المتحدة الصين الخطر الأكبر عليها، لاسيما من منظور التهديد التكنولوجي الذي تمثله بكين. إضافة إلى التهديد الإقتصادي الذي يمنح بكين ورقة قوية على الساحة الدولية.
= موقف الصين من الحرب في أوكرانيا وتقاطعه مع الموقف الروسي بالرغم من عدم إظهار الصينيين أي انخراط في الحرب. وأيضا رفض بكين الإنضمام إلى واشنطن والأوروبيين في حرب العقوبات التي شنوها على موسكو.
= الهاجس الأميركي من التمدد الصيني باتجاه مناطق نفوذه، لاسيما في الشرق الأوسط حيث النفط والغاز الذي يحتاج الأميركيون والاوروبيون للحد من التأثيرات الكارثية للحرب التي أشعلوها في أوكرانيا (الرئيس الأميركي جو بايدن قالها صريحة في قمة جدة السعودية بأن بلاده لن تترك فراغا في المنطقة تملؤه الصين وقوى أخرى)
= الخوف الأكبر لدى الأميركيين هو من إمكانية فقدان تايوان التي تحتكر وتستأثر بصناعة الرقائق الذكية في العالم، والتي تدخل في الصناعات الإلكترونية عالية الدقة وتشمل الرقائق التي تشغل طائرات (إف 35) الأميركية.

= الطفرة الواسعة في إنتاج الأسلحة لدى الشركات الأميركية وبالتالي لا بد من صراع يستهلك هذه الأسلحة، ويبدو أن الصراعات المنتشرة في العالم من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية والشرق الأوسط لم تعد كافية لاستهلاك السلاح الأميركي، ما يعني أن صراعا مع الصين سيؤمن مشتريات هائلة للأسلحة الأميركية من قبل حلفاء واشنطن

هنا يطرح السؤال، ما الذي ستفعله الصين؟
هناك أكثر من خيار أمام الصينيين للرد على زيارة بيلوسي لتايوان والتي تهدف فقط إلى استفزاز بكين
= شن عملية عسكرية خاطفة محدودة تفرض تغيرا في العلاقة بين بكين وتايبيه، قد تكون نوعا من فرض إجراءات جديدة ومختلفة في مضيق تايوان

= شن عملية عسكرية شاملة تنتهي بضم تايوان وإعلانها نهائيا جزءا من الصين. خاصة وأن الرئيس الصيني شين جين بينغ قال بصراحة أن توحيد الصين وتايوان حتمية تاريخية لا بد أن تحدث

= اللجوء إلى سلاح الإقتصاد، ولدى الصين أكثر من ورقة تلعبها في هذا الساق، منها الديون الأميركية لدى بكين، حيث يحضر خيار بيع سندات الخزينة الأميركية التي تمتلكها بكين والمقدرة بنحو تريليون دولار، وهو ما سيضع الولايات المتحدة في وضع الدولة العاجزة عن تسديد ديونها ويلحق بها ضررا سياسيا ملحوقا بتبعات إقتصادية كبيرة

قد يكون من غير المنطقي حاليا الحديث عن مواجهة شاملة بين الصين والولايات المتحدة، فواشنطن تعاني من مشاكل إقتصادية كبيرة جدا، والحرب الأوكرانية زادت من مشاكل إدارة بايدن، والدخول في حرب جديدة سيقضي على شعبية الحزب الديمقراطي في الإنتخابات النصفية والرئاسية.
في المقابل ما تزال الصين تبني قدراتها العسكرية والإقتصادية، وهي عملية تريد إنهاءها بشكل تام خلال 15 عاما بحسب التقديرات. لذلك لا تحتاج بكين إلى مواجهة عسكرية تؤخر هذه العملية.
لكن، سيناريو مواجهة شبيهة بما يحصل في أوكرانيا يبدو متاحا، وقد يكون خيارا صينيا بهدف استغلال فرصة ما متاحة لضم تايوان بدون أي تبعات خطرة، وعليه قد يكون ما جرى في الأيام الأخيرة استدراجا صينيا للأميركيين للدخول في مواجهة سياسية وكلامية وربما عسكرية محدودة تنتهي بتحقيق أهداف بكين.. بأقل خسائر ممكنة