عدّ عكسي... هل يدعو بري لجلسة انتخاب رئيس لبناني  مطلع تشرين الأول؟

عدّ عكسي... هل يدعو بري لجلسة انتخاب رئيس لبناني  مطلع تشرين الأول؟
الإثنين ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٢ - ٠٨:٠٠ بتوقيت غرينتش

يكاد الشهر الأول من "المهلة الدستورية" الممنوحة للبرلمان لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يخلف الرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 تشرين الأول المقبل، يمضي من دون أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري لأيّ جلسة مخصّصة لهذا الغرض، رغم أنّ محسوبين عليه كانوا يروّجون أنّه "لن يتأخّر" في توجيه مثل هذه الدعوة عملاً بالدستور، بمعزل عن كلّ الأجواء السياسية المحيطة، وهو ما لم يحصل خلال شهر أيلول.

العالم - لبنان

وتتنوّع "الحجج والذرائع" التي يلجأ إليها المحسوبون على بري، لتبرير هذا "التأخير"، ولو أنّه لا يُعَدّ مخالفة دستوريّة بأيّ شكل من الأشكال، وعلى رأسها رغبة رئيس المجلس في إنجاز المشاريع والقوانين الإصلاحية أولاً، قبل أن يتحوّل المجلس إلى "هيئة انتخابية" لا شغل لها سوى انتخاب رئيس الجمهورية، ولكن أيضًا رهانه على "توافق" يبدو "مستحيلاً" يهيئ لجلسة انتخابية مريحة وآمنة، ومكتملة المواصفات.

رغم ذلك، يرجّح كثيرون أن يسلّم بري بالأمر الواقع، ويوجّه هذه الدعوة خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد الانتهاء من مناقشة وإقرار مشروع الموازنة، على أن يحدّد موعد الجلسة في الأيام الأولى من شهر تشرين الأول، ليرمي بذلك الكرة في ملعب النواب، ومن خلفهم القوى السياسية، التي لم يحسم الكثير من "المزايدين" في صفوفها موقفهم من الاستحقاق، بل لم يختاروا بعد مرشحهم "الأمثل" لخوض المعركة الانتخابية.

وإذا كان صحيحًا أنّ من حق بري "الاستنساب" في تحديد موعد الجلسة، وبالتالي تأخيرها إذا وجد أنّ المصلحة العامة تتطلب ذلك، خصوصًا أنّ الدستور يفرض على البرلمان الاجتماع حكمًا في اليوم العاشر قبل انتهاء الولاية الرئاسية، يصبح السؤال أكثر من مشروع: ماذا لو دعا بري اليوم إلى جلسة انتخاب الرئيس مطلع تشرين الأول؟ هل يكتمل نصاب مثل هذه الجلسة؟ وهل يمكن أن تفضي فعلاً إلى انتخاب رئيس؟

بالنسبة إلى المحسوبين على بري والمقرّبين منه، فإنّ عدم حصول الدعوة حتى الآن مردّه "واقعية سياسية" يتمتّع بها رئيس المجلس، فهو يدرك سلفًا أنّ أيّ دعوة في هذا الوقت لن تؤدي سوى إلى تعميق الشرخ والانقسام وشلّ البلد، وقطع الطريق على إنجاز مجلس النواب للمهام الكثيرة والحسّاسة، الملقاة على عاتقه، في عزّ الأزمات المتفاقمة، بانتظار انتخاب الرئيس، أو بالحدّ الأدنى، انتهاء الولاية الرئاسية وفقًا لبعض الاجتهادات الدستورية والقانونية.

يقول هؤلاء إنّ بري كان يستطيع أن يدعو لجلسة انتخاب الرئيس في اليوم الأول من شهر أيلول، بل كان عازمًا على ذلك، لإرسال إشارة إيجابية للجميع، لكنّ كلّ المؤشّرات السياسية كانت تدلّ على أنّ مثل هذه الدعوة لن تغيّر شيئًا في المعادلة، فالحراك السياسي لا يزال حتى اليوم "خجولاً ومتواضعًا"، وبالتالي فإنّ أيّ جلسة تتمّ الدعوة إليها لم تكن لتُعقَد، وإن عُقِدت، فهي لن تفضي بطبيعة الحال إلى انتخاب رئيس، بالنظر إلى "الخريطة النيابية" المنقسمة على نفسها.

أكثر ما يستغربه المؤيدون لوجهة نظر بري في "استنساب" التأخير في الدعوة، هو أن تأتيه "المزايدات" من قبل قوى سياسية تجاهر صراحةً بأنّها لم تأخذ قرارها في كيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي بعد، بل من قبل فريق معارض محدّد كان زعيمه يعلن قبل أيام أنّه يحتاج إلى "أسابيع" من أجل الاتفاق مع حلفائه المفترضين على اسم مرشح موحّد لخوض الاستحقاق، ما يعني أنّ أيّ جلسة قبل هذا الاتفاق ستكون "لزوم ما لا يلزم".

ويسري الأمر نفسه على نواب آخرين، كالنائب بولا يعقوبيان مثلاً التي أثارت الموضوع في جلسة مجلس النواب الأخيرة، قبل أن تكتمل "المبادرة" التي أطلقها نواب ما يسمى التغيير"، ويعقوبيان في مقدّمتهم، خصوصًا أنّ هؤلاء في جولاتهم على مختلف القوى السياسية والكتل النيابية، تركوا مسألة البحث في الأسماء إلى "وقت لاحق"، ما يعني أنّهم أيضًا "غير جاهزين" للذهاب إلى جلسة انتخاب الرئيس في الظروف الحاليّة.

وإذا كان المحسوبون على بري يصرّون على أنّ "الواقعية" التي استند إليها في التعامل مع الاستحقاق أتت "متناغمة مع الدستور"، الذي يمنحه الحقّ بتحديد الموعد الذي يجده مناسبًا، يعتبر المعارضون لهذا الرأي أنّ الأوْلى ببري كان أن يدعو إلى جلسة منذ الأيام الأولى، بغضّ النظر عن أيّ حسابات سياسية، بل إنّ الأجواء السياسية التي تَشي بالفراغ وكأنّه "المرشح الأوفر حظًا"، كان ينبغي أن تشكّل "حافزًا" له للإسراع في الدعوة، لا العكس.

ويشير هؤلاء إلى أنّه إذا كان صحيحًا أنّ هناك "مماطلة متعمّدة" من قبل الكتل النيابية في حسم موقفها من الاستحقاق، فإنّ دعوة بري إلى الجلسة كان يمكن أن تشكّل "ضغطًا" على هذه القوى لتسريع وتيرة نقاشاتها، بل إنّ "التوافق" الذي ينشده بري، قد لا يصبح "مُتاحًا" سوى بعد توجيه مثل هذه الدعوة، التي قد تحفّز كثيرين لفتح قنوات التواصل، علمًا أنّ استحقاقات عدّة أظهرت أنّ الاتصالات لا تبدأ إلا بعد تحديد المواعيد، كما حصل مثلاً في ملف تسمية رئيس الحكومة.

يبقى الحديث عن "السيناريوهات" الذي يتقاطع المؤيدون والمعارضون لتأخير الدعوة في "التشاؤم" حياله، إذ إنّ أغلب الظنّ أنّ أيّ جلسة يُدعى إليها من دون توافر الشروط السياسية، لن يُكتَب لها أن تُعقَد، خصوصًا أن الفريقين المتنازعين يتمسّكان بسلاح "تعطيل النصاب"، الذي أضحى "وسيلة ديمقراطية مشروعة"، حتى من قبل القوى المعارضة التي رفضت قبل ستّ سنوات، تشريع "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" لمثل هذا "العرف"، كما كانوا يقولون.

بالنسبة إلى كثيرين، قد تكون الدعوة إلى الجلسة مجرد تفصيل لا يقدّم ولا يؤخّر، فلا جلسة ولا من يحزنون ستفضي إلى نتيجة طالما أنّ الحراك السياسي، الداخلي والإقليمي، لم يكتمل بعد، ولو أنّ "نشاطًا" بدأ يُرصَد على خطه على أكثر من مستوى في الأيام القليلة الماضية، لتبقى الخشية أن يكون كل ما سبق ممهّدًا للخيار الذي يرفضه الجميع ويريدونه في آن واحد، ألا وهو الفراغ، من دون أي اعتبار لتداعياته التي قد تكون "مدمّرة" بأتمّ معنى الكلمة!.

المصدر: النشرة