نواب 'التغيير' يحسمون تموضعهم... المعارضة 'خسرت' الرهان؟!

نواب 'التغيير' يحسمون تموضعهم... المعارضة 'خسرت' الرهان؟!
الثلاثاء ٠٤ أكتوبر ٢٠٢٢ - ١١:٠٨ بتوقيت غرينتش

منذ انتهاء أولى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب، والتي قد لا تعقبها جلسة أخرى في المدى المنظور، بفعل "لعبة النصاب"، التي يتقاسمها أطراف النزاع، كُتِب الكثير عن "الرسائل" التي حملتها وانطوت عليها على أكثر من مستوى، ولا سيما بعدما اتفق معظم المراقبين على توصيفها بجلسة "جسّ النبض" لا أكثر ولا أقلّ، حتى قيل إنّ الأسماء التي طُرِحت فيها لم تكن جدّية، أو أريد "حرقها" بكلّ بساطة.

العالم - لبنان

ورغم أنّ هذه الجلسة وُصِفت بـ"الشكلية"، باعتبار أنّ "السيناريو" الذي طبعها كان مكتوبًا سلفًا، من تأمين النصاب لدورة أولى لا تفضي لحصول أيّ مرشح على ثلثي الأصوات، وفق ما ينصّ الدستور، وصولاً إلى "تطيير" النصاب بعد ذلك، تفاديًا لأيّ مفاجأة غير محسوبة، إلا أنّها استرعت الكثير من الانتباه، للعديد من الاعتبارات، من بينها غياب الأسماء "الجدية" للمرشحين، لدى كلا المعسكرين، أو حتى من يجلسون في "الوسط".

لكنّ ما أثار اهتمام شريحة واسعة من المتابعين قبل وأثناء وبعد الجلسة، تمثّل في مدى قدرة المعارضة على الحشد، خصوصًا بعدما ذهبت قواها الأساسيّة بمرشح قيل إنه "موحّد" هو النائب ميشال معوض، ما وضعها مرّة أخرى تحت "الاختبار"، فضلاً عن موقف نواب "التغيير" الذين شكّلوا "مفاجأة الجلسة"، ليس فقط بظهورهم "موحّدين" في مفارقة قلّ نظيرها، ولكن أيضًا بإصرارهم على "التمايز" بشكلٍ أو بآخر.

وإذا كان تصويت نواب "التغيير" للمرشح سليم إده، أثار الاستغراب في الكثير من الأوساط السياسية، خصوصًا أنّ هناك من قال إنّ الرجل لم يكن موافقًا على تسميته، ولا راغبًا أصلاً بالترشح، فإنّه طرح في الوقت نفسه العديد من علامات الاستفهام، فأيّ رسائل أراد نواب "التغيير" أن يوجّهوها لباقي الأفرقاء من خلال تصويتهم هذا؟ وهل حسموا بذلك تموضعهم "الرئاسي"، معلنين سلفًا خسارة المعارضة لكلّ "رهاناتها"؟!.

بالنسبة إلى قوى المعارضة، فإنّ عدم تصويت نواب "التغيير" لصالح مرشحها ميشال معوض في هذه المرحلة لم يكن مفاجئًا ولا مستغربًا، فالحوار مع هؤلاء لا يزال في مرحلته الأولى، وهو لم يصل بعد إلى خواتيمه، وبالتالي فكان متوقَّعًا أن يسعى "التغييريون" إلى "التمايز" في الجلسة الانتخابية الأولى، انسجامًا بالحدّ الأدنى مع "مبادرة الإنقاذ" التي أطلقوها، ولا سيما أنّ هناك بينهم من لا يزال مصرًّا على رفض أيّ "تقاطع" مع قوى المعارضة التقليدية.

لكن، بعيدًا عن "إشكالية" نواب "التغيير" وتموضعهم، يصرّ المحسوبون على أحزاب المعارضة على أنّ الجلسة الانتخابية الأولى شكّلت مكسبًا لهذه القوى، وليس العكس، كما روّج كثيرون، فهذه الأحزاب استطاعت "توحيد" كلمتها بالحدّ الأدنى، وقفزت فوق كل خلافاتها وتبايناتها، لتذهب بمرشح واحد موحّد يمتلك كلّ المواصفات المطلوبة برأيها، رغم أنّ هناك من كان يراهن على "تضعضعها" بسبب كثرة "الطامحين" في صفوفها.

ويعتبر هؤلاء أنّه يجب أن يُسجَّل لأحزاب المعارضة، وتحديدًا حزبي "القوات" و"الكتائب"، اتحادهما على شخص النائب ميشال معوض، خلافًا لما فعلته أحزاب السلطة مثلاً، التي فضّلت الهروب من "الإحراج" عبر "الورقة البيضاء"، علمًا أنّ الرصيد الذي حقّقه النائب معوض، والذي لم يتجاوز 36 صوتًا، أكثر من جيّد كبداية، وينبغي أن يُبنى عليه في جولات التشاور المقبلة، مع النواب المستقلين والمعارضين على حدّ سواء.

أما القوى التي تُحسَب على السلطة، فلا تتشارك مع المعارضة في مقاربتها للجلسة، إذ تعتبر أنّ "البروفا" لم تأتِ أبدًا لصالح اتجاهات هذه الأحزاب، إذ بدا واضحًا أنّ "الأكثرية" التي تتلطى خلفها هذه القوى هي "وهمية" في أحسن الأحوال، كما أنّها أثبتت "زيف" الادّعاء بقدرة هذه القوى على إيصال رئيس "مواجهة"، حيث ثبُت أنّ الكثير من النواب المصنَّفين ضمن هذه الأكثرية ينشدون التوافق والتفاهم، وليس أيّ شيء آخر.

من هنا، ترى هذه القوى أنّ المطلوب من أحزاب المعارضة الأساسيّة أن تنزل عن الشجرة في القادم من الأيام، وتتواضع في مطالبها، إلا إذا كانت راغبة بتكرار "سيناريو" الاستحقاق الرئاسي الماضي، حين بقي رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع مرشحًا إلى ما بعد بعد الفراغ الرئاسي، قبل أن يقتنع في نهاية المطاف بأنّ لا حلّ سوى بالاتفاق مع سائر القوى، فكان "تفاهم معراب"، وإن تبرّأ منه طرفاه فيما بعد.

وبين هؤلاء وأولئك، يعتبر "التغييريون" أنّ تكتّلهم كان "الرابح الأكبر" في جلسة الانتخاب الأولى، رغم كلّ الانتقادات التي تعرّضوا لها على جري العادة من طرفي الصراع، إذ يشير المؤيدون لوجهة نظرهم، إلى أنّهم سجّلوا أكثر من نقطة في مرمى الجانبين، فهم أثبتوا مرّة أخرى أنّهم لا يزالون "أوفياء" لشعار "كلن يعني كلن" الذي انطلقوا من وحيه، رغم كلّ التباينات التي أضحت جليّة بين بعضهم البعض، والتي لم ينكروها أصلاً.

يقول هؤلاء إنّ نواب "التغيير" حين رموا باسم سليم إدة، غير المتداول، ضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد، فهم "أنعشوا" بشكل أو بآخر المبادرة الرئاسية التي أطلقوها قبل فترة، بل أسّسوا للجولة الثانية منها، من خلال دعوة الجميع إلى التفكير قليلاً "خارج الصندوق" كما يقال، للبحث عن نقاط مشتركة، علمًا أنّ العارفين يؤكدون أن اسم إدة هو واحد من سلسلة أسماء اتفق عليها نواب "التغيير"، على أن يطرحوها للنقاش "الجدّي" في القادم من الأيام.

ثمّة بين نواب "التغيير" من يقول إنّهم كانوا ليسيروا بمعوّض، لو أنّ صوتهم كان فعلاً "مرجّحًا"، ولو أنّه قادر على الحصول على 65 صوتًا بالحدّ الأدنى للفوز من دورة ثانية، حتى لو أنّ النصاب قد لا يتأمّن في هذه الحال لانتخابه، لكنّ الأكيد وفق ما يقولون أنّ المطلوب مقاربة من نوع آخر، استنادًا لجلسة "جسّ النبض" الأولى، مقاربة يعتقدون أنّهم أسّسوا لها حين حسموا تموضعهم، لتصبح الكرة بدءًا من الآن في ملعب الآخرين!.

مراسل العالم