نقلا عن جنرال إسرائيلي..

عطوان: 'نتنياهو' بدأ 'يقرع طبول الحرب' ضد ايران

عطوان: 'نتنياهو' بدأ 'يقرع طبول الحرب' ضد ايران
الثلاثاء ٠٨ نوفمبر ٢٠٢٢ - ٠٢:٥٨ بتوقيت غرينتش

بعد أقل من أسبوع من فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة للكنسيت وعودته إلى رئاسة الوزراء، بدأ بنيامين نتنياهو في قرع طبول الحرب لتدمير المفاعلات النووية الإيرانية، بشن حملة تحشيد نفسي، وعسكري، ودعائي.

العالم - مقالات وتحليلات

وذلك من أجل التمهيد لتحقيق حلمه الأزلي بدخول التاريخ كقائد يهودي قصف إيران وأنهى خطرها الوجودي النووي، وثأر من قضائها (أي إيران) على الشعب اليهودي حسب الرواية التوراتية التأريخية.

الجنرال المتقاعد تساحي هنبعي وزير الاستيطان الإسرائيلي السابق، وأحد المقربين من نتنياهو، يحتل هذه الأيام العناوين الرئيسة في الصحف وأجهزة الإعلام الإسرائيلية وبات ضيفا "مزمنا" على البرامج الحوارية في محطات التلفزة الإسرائيلية، لأنه خرج بنظرية قديمة متجددة تقول: إن نتنياهو سيقوم حتما بشن هجوم على إيران أثناء فترة رئاسته الحالية، لتدمير برامجها النووية كافة، لأنه يؤمن بأن على قائد الشعب اليهودي أن يختار أحد خيارين: إما الاستسلام أو الردع، والردع يعني استخدام كل ما لدى [إسرائيل] من وسائل لتدمير "الشيطان" أي إيران، ونتنياهو سيتبنى الخيار الثاني.

نتنياهو وصل إلى السلطة ست مرات خلال 20 عاما، كانت الأخيرة يوم الاثنين الماضي، وركز على هذا الهدف، أي تدمير البرنامج النووي الإيراني ومنع إنتاج أسلحة نووية، طوال تلك الفترة، وهو الذي أقنع دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، وحرضه على فرض عقوبات مكبلة على إيران لتركيعها، وإجبارها على تفكيك هذا البرنامج وكل برامجها الصاروخية، وقبلها ذهب إلى الكونغرس من وراء ظهر الرئيس باراك أوباما، مهندس هذا الاتفاق وتفضيله خيار الاحتواء على الهجوم، رهانا على تأييد النواب الجمهوريين لدعم توجيه ضربة لإيران.

وحظي بالتصفيق وقوفا لأكثر من أربعين مرة، ولكن ما حدث هو العكس تماما، فلا ترامب بقي في السلطة، ولا إيران استسلمت، بل تجاوزت الحصار وأفشلت العقوبات، ووظفتها في تطوير صناعتها العسكرية، وتعزيز خطط اكتفائها الذاتي على الصعد كافة، وباتت تملك 60 كيلوغراما من اليورانيوم بنسب تخصيب عالية بأكثر من 60% تؤهلها من تصنيع قنبلة نووية، ولا نستبعد أنها باتت تملكها وتخفيها في مكان آمن، وجاهزة للرد على أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي.

***

كتاب جديد بعنوان "شفرة نتنياهو بيوغرافيا" للصحافية الإسرائيلية مزال معلم صدر في تزامن مع فوز نتنياهو في الانتخابات (يا لها من صدفة!) يكشف أن نتنياهو حاول الهجوم على إيران ثلاث مرات في أعوام 2010، و2011، و2012، وبصحبته الجنرال إيهود باراك وزير حربه، حاولا إقناع المؤسستين العسكرية والأمنية والحكومة المصغرة بشن هجوم على إيران ولكنهما فشلا ولم يؤيد هذا الهجوم غيرهما إلا إفيغدور ليبرمان.

وفشلت كل المحاولات للحصول على دعم عوفاديا يوسف حاخام اليهود الشرقيين، وحزبه "شاس" عندما زاره نتنياهو في بيته في خريف عام 2010، ولكن الحاخام تمنع وطالبه بالحصول على موافقة أمريكا ومشاركتها أولا قبل أي إقدام على هذه الخطوة، وكان تعقيب نتنياهو "لن أضع مصيرنا في أيدي أحد في العالم.

وتقارير المخابرات تؤكد أن إيران تقترب من امتلاك أسلحة نووية، وطائراتنا جاهزة للانطلاق، لإنجاز المهمة"، وتؤكد مؤلفة الكتاب الذي نشر فصلا منه موقع "واللا" الإسرائيلي الاستخباري، أن شمعون بيريز الرئيس في ذلك الوقت، ورئيس هيئة أركان الجيش غابي أشكنازي، ووزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعالون، ورئيس الموساد مائير دوغان، وممثل حزب شاس في الحكومة المصغرة جميعهم عارضوا خطط نتنياهو وباراك.

اللافت أن هذه التسريبات تأتي بعد أيام من تهديد الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ"تحرير إيران"!!!، وتحذير مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان من هجوم إيراني وشيك على السعودية وآبارها النفطية وبناها التحتية، وتصاعد الاحتجاجات في معظم المدن الإيرانية بدعم أمريكي، وتكثيف حدة الضجة حول بيع إيران طائرات مسيرة متطورة لروسيا جرى استخدامها في الحرب الأوكرانية.

***

لا نعرف مدى جدية هذه التهديدات بشن حرب على إيران من قبل نتنياهو سابقا، وبايدن لاحقا، وهما على طرفي نقيض، وما يفرق بينهما أكثر بكثير مما يجمعهما، ليس لأننا سمعناها وتابعنا فصولها طوال العشرين عاما الماضية، وإنما أيضا لأننا نعلم جيدا أن إيران اليوم أقوى أضعاف المرات منذ أن جعل نتنياهو من تدمير برامجها النووية حلم يقظته الأول، ولا نعتقد أن بايدن شبه المهزوم في حرب أوكرانيا يريد العودة إلى دفاتره القديمة، وشن حرب ثانية موازية في منطقة الشرق الأوسط.

فإذا كانت ايران لم تركع للتهديدات الأمريكية، و"مرمطت" إدارة بايدن وأذلتها في المفاوضات النووية طوال 18 شهرا في فيينا، ولم تقدم تنازلا واحدا، وكانت استراتيجيتها التقدم بمطالب تعجيزية مذلة أدت إلى انهيارها في نهاية المطاف، فهل سترعبها التهديدات الإسرائيلية؟ وتنطلي عليها أكاذيب بايدن بهجوم إيراني وشيك على السعودية التي تتآمر حاليا لتغيير النظام فيها؟

المفاعلات النووية الإيرانية لا تفتح ذراعيها لنتنياهو وطائراته الحربية لضربها، فهذه المفاعلات مدفونة تحت الأرض وفي قعر جبال شاهقة، وفي أماكن متفرقة، ويصعب تدميرها حتى بالقنابل العملاقة “أم القنابل”.

وتملك إيران مئات الآلاف من الصواريخ الدقيقة والمسيرات المتطورة جدا، استعانت بها الدولة الروسية العظمى، وغيرت قواعد الاشتباك في أوكرانيا، وأزاحت (أي إيران) الستار يوم الأحد عن صاروخ "صياد B4" الذي يصل مداه إلى أكثر من 450 كيلومترا ويزيد ارتفاع اشتباكه إلى 32 كيلومترا.

ختاما نقول إن نتنياهو، وفي محاولة إقناعه للحاخام عوفاديا يوسف في بيت الأخير وبعد منتصف الليل في خريف عام 2010 لإقناعه بمباركة الهجوم على إيران ومخاطبته بالقول "يا سيدي لن نضع مصيرنا في يد العالم، وقريبا سيصبح الهجوم متأخرا"، وهذه هي المرة الأولى التي نتفق فيها معه ويقول الصدق وهو الكذوب المحترف، فبالفعل بات الهجوم على إيران متأخرا، بل متأخرا جدا.

فإيران اليوم غير إيران قبل 12 عاما، والشيء نفسه يقال عن [إسرائيل] أيضا، وإذا قرر نتنياهو الهجوم فإنها ستكون غلطة العمر، وسيعيد التاريخ التوراتي نفسه إن لم يكن بصورة أخطر.. والأيام بيننا.

عبد الباري عطوان..رأي اليوم