'رسائل' باسيل إلى 'حزب الله'... هل ترقى من الامتعاض إلى التحدّي؟!

'رسائل' باسيل إلى 'حزب الله'... هل ترقى من الامتعاض إلى التحدّي؟!
الإثنين ٢١ نوفمبر ٢٠٢٢ - ١٠:١٦ بتوقيت غرينتش

صحيح أنّ جولة الانتخاب الرئاسي السادسة في مجلس النواب بدت "استعراضية" كسابقاتها، ولم تحمل أيّ جديد يُذكَر، بعيدًا عن السجالات "الدونكيشوتية" حول النصاب التي أضحت "موضة الموسم"، أو ربما من "ضرورياته"، والتي دخل على خطّها "طق الحنك" بقوة، وفق توصيف النائب نديم الجميل، مع استحضار "موقعة" انتخاب الرئيس الأسبق بشير الجميل، وما يولّده ذلك في كلّ مرّة من خطاب يطغى عليه رفع السقف والتحريض والطائفية.

العالم - لبنان

مع ذلك، فإن الجلسة حملت بعض "المفارقات" التي توقّف البعض عند دلالاتها أيضًا، من بينها تراجع رصيد مرشح المعارضة النائب ميشال معوض، بعدما كان يَعِد بالعكس، لدرجة "نومه على حرير" تخطّي حاجز الخمسين صوتًا، ما ترك "الورقة البيضاء" متقدّمة عليه، ولكن أيضًا "ظهور" اسم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية للمرة الأولى في صندوق الاقتراع، ما طرح العديد من علامات الاستفهام حول خلفيّات وأهداف هذا الصوت "اليتيم".

إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ ما أعقب هذه الجولة الانتخابية طغى عليها من حيث الاهتمام، خصوصًا لجهة المواقف التي أطلقها رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، أو التي نُسِبت إليه من خلال تسريبات تمّ تداولها بكثافة، وقيل إنّ باسيل نفسه من "تعمّد" تسريبها "لغاية في نفس يعقوب"، قد تكون بنظر كثيرين، إيصال "الرسالة" إلى "حزب الله" تحديدًا، في ظلّ أجواء "امتعاض عوني" غير مُعلَن من أداء الحزب الرئاسي، ولو بقي "مضبوطًا".

فما حقيقة هذا "الامتعاض"، رغم أنّ الوقائع تشي بأنّ الحزب "يراعي" باسيل، بدليل عدم إفصاحه حتى الآن عن "تفضيله" أيّ مرشح للرئاسة، وعدم تبنّيه، صراحة على الأقل، ترشيح رئيس تيار "المردة"؟ وهل وصلت "رسائل" باسيل إلى "حزب الله"، وهل من شأنها تغيير شيء ما في المعادلات المرسومة؟ وكيف سينعكس ذلك، لا على الاستحقاق الرئاسي فحسب، ولكن أيضًا على العلاقات الثنائية بين "الحزب" و"التيار"؟!.

صحيح أنّ التسريبات المنسوبة إلى باسيل لم تحمل أيّ "قنبلة سياسية" بالمعنى الحرفي، حتى إنّه لا يمكن مقارنتها بتسريب "البلطجي" الشهير الذي فجّر العلاقة بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري في وقت من الأوقات، إلا أنّ الأكيد أيضًا، وفق ما يقول العارفون، أنّ باسيل "تعمّد" أن يقول في التسريبات ما لا يقوله "بالجرأة نفسها" في العلن، إن جاز التعبير، لعلّ رسائله تصل بوضوح أكبر إلى من يجب أن تصل إليه.

فإذا كان معروفًا أن باسيل يرفض مثلاً دعم فرنجية في سباقه نحو قصر بعبدا، فإنّ "الجديد" في التسريبات كان ما وصفه البعض بـ"محاولة تقزيمه"، من خلال القول إنّ حجمه "يصغر أكثر" بعدما بات تمثيله محصورًا في زغرتا إلى حدّ بعيد، وصولاً لحديثه عن رفضه انتخاب "حدا متل سليمان فرنجية"، ولاستخدام تعبير "حدا متل" مدلولاته هو الآخر، نظرًا للبعد "السلبي" الذي يحمله مثل هذا المصطلح، وتقليله من شأن الشخص المعنيّ.

ومع أنّ باسيل لا يفوّت فرصة من دون "التصويب" على كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ولو أنّه يسعى لفتح "صفحة جديدة" مع الأخير وفق بعض المعطيات، إلا أنّ "إقحامهما" في هجومه على فرنجية بدا لافتًا أيضًا، خصوصًا لجهة حديثه عن "ترويكا" جديدة قوامها "ميقاتي-بري-فرنجية" توازي تلك التي كانت عُرِفت سابقًا بـ"حريري-بري-هراوي"، وحكمت البلاد لسنوات طويلة.

إلا أنّ "الرسالة الأهمّ" التي سعى باسيل لإيصالها إلى المعنيّين، وفي مقدّمهم "حزب الله"، فيختصرها قوله "بلاهم ما فيهم يجيبو رئيس جمهورية"، الذي أراد من خلاله "تأكيد المؤكّد"، وفق ما يقول "العونيون"، وهو استحالة تجاوز "التيار" في الاستحقاق الرئاسي، وهو أوحى بأنّ انتخاب فرنجية، ولو جاء بالأكثرية المطلقة من الأصوات، على طريقة "سيناريو" انتخاب رئيس مجلس النواب، لن يكون واردًا، كونه سيفتقد "الميثاقية المسيحية" بالمُطلَق.

خلف كلام باسيل ورفعه الأسقف إلى هذا المستوى، يظهر بوضوح "الامتعاض" من أداء "حزب الله"، فكلّ الرسائل موجّهة إليه بصورة أو بأخرى، وفقًا للعارفين، وهو ما لا يخفيه بعض المحسوبين على "التيار"، ممّن يشيرون إلى أنّ الحزب، ولو حافظ على "تريّثه" في الإعلان صراحةً عن اسم مرشحه، يتصرّف على أنّ فرنجية هو مرشحه بوضوح، حتى إنّ أمينه العام السيد حسن نصر الله كاد يقول "الحرف الأول من اسمه" في خطابه الأخير.

ويرفض "العونيون" ربط امتعاضهم بأنّ "الحزب" يرفض تبنّي ترشيح باسيل في الوقت الحاضر، باعتبار أنّ حظوظ الأخير "منعدمة"، مشيرين إلى أن باسيل أصلاً غير مرشح، أقلّه حتى الآن، لينتظر دعمًا من هذا الفريق أو ذاك، إلا أنّهم يرون أنّ الإصرار على دعم فرنجية، ومحاولة "جرّ" باسيل إلى هذا تبنّي ترشيحه، ليس مفهومًا، علمًا أنّ باسيل دعا رئيس تيار "المردة" إلى الاتفاق على اسم ثالث، وكان يفترض بالحزب أن "يبارك" مثل هذه المبادرة.

وفيما يقول "العونيون" إنّ المشكلة مع فرنجية ليست لشخصه، وإنما لكون المواصفات المطلوبة من الرئيس "القوي"، وأولها حيازته على "حيثية داعمة" لا تنطبق عليه، فإنّ الأكيد أنّ "الرسالة وصلت" إلى "حزب الله"، ولو أنّ الأخير لن يعلّق عليها من قريب أو من بعيد، وهو كما يقول بعض العارفين بأدبيّاته، لا يزال "يراهن" على قدرته على "التأثير" على باسيل في مرحلة متقدّمة، وإقناعه بالأسباب "الموجبة" لدعم فرنجية، كونه "الأوفر حظًا".

إلا أنّ الحزب لن يقدم في الوقت الحاضر، على أيّ تصرّف قد يعتبره باسيل "مستفزًا"، بحسب ما يقول المتابعون، وهو بذلك لن يعلن تبنّي ترشيح فرنجية، وسيفضّل الالتزام بـ"تكتيك" الورقة البيضاء، السلاح الأمثل لتفادي "الإحراج"، على أن يصطدم مع رئيس "التيار الوطني الحر"، علمًا أنّ ما يخشاه وفق ما يقوله البعض، فهو أن يؤدي دعمه الصريح لفرنجية إلى "كسر" تحالفه مع "التيار"، فضلاً عن احتمال "انقلاب" الأخير عليه، وهو ما لا يريده أبدًا.

هكذا إذًا، وبالتسريبات، قرّر باسيل أن يواجه "التسريبات" التي تؤكد أنّ مرشح "حزب الله" للرئاسة، الأوحد والوحيد، هو سليمان فرنجية، وربما تقصّد أن تأتي هذه "المواجهة" بعد سقوط اسم فرنجية في صندوق الاقتراع، والذي فُسّر في بعض الأوساط على أنّه بمثابة "جسّ نبض"، لكنّ النتيجة أنه أكد أنّ باب الاستحقاق الرئاسي لا يزال "مقفلاً"، وأنّ أيّ "انفراجة مأمولة" تبدو أبعد مما يتصوّر الكثيرون!.

مراسل العالم .