العالم - الإحتلال
تسعى الأحزاب الحريدية الرئيسية "شاس" و"يهودية التوراة"، الممثلة بـ18 مقعدا في الكنيست، إلى توظيف قوتها السياسية للتوغل بمفاصل الحكم. الأمر الذي يمكّنها من التأثير على هوية الكيان الاسرائيلي المحتل برمته، وتحويله من كيان "يهودي ديمقراطي" كما يعرّف نفسه، إلى كيان يتطلع إلى الحاكمية لهذا الكيان بموجب التوراة والشريعة الدينية اليهودية.
ويضيء تنامي التيار الحريدي المتطرف دينيا على الصراعات العميقة داخل المجتمع الاستيطاني خاصة مع عدم حسم مسألة الهوية اليهودية للكيان وبسبب غياب هوية موحدة ومتجانسة لليهود في فلسطين، الذين انقسموا بين علمانيين ويهود تقليديين، ومتدينين يعبر عنهم الحريديم وما يسمون أنفسهم بالقوميين.
ويظهر هذا الخليط المجتمعي تناقضات بين مركبات الهوية الإسرائيلية التي تضم الديانة اليهودية، والقومية، والصهيونية، والديمقراطية. وهو مزيج يرفضه التيار الحريدي الذي يتمسك بالديانة اليهودية والتوراة كهوية واحدة لكيان الاحتلال.
من اليهود الحريديم؟
واليهود الحريديم هم تيار ديني متطرف جدا، وتعني كلمة الحريدي (التقيّ)، ويتنكر هؤلاء اليهود للصهيونية، ويعيش غالبيتهم في فلسطين التاريخية والولايات المتحدة. ومنهم من يعيش في الدول الأوروبية ويتنقل بينها. وينتمون في معتقداتهم إلى التوراة والأصول الفكرية اليهودية القديمة.
ويتكون هذا التيار من عدة طوائف وأحزاب ينتمون إلى حاخامات (رجال دين) يوجهونهم لعيش حياتهم اليومية حسب الطقوس والتشريعات التوراتية.
ويتمسك الحريديم بالنصوص التي وردت في التوراة والتلمود وبتعاليم الحاخامات، ويجمعون أن كيان "اسرائيل" والحكومة وحياة اليهود فيها يجب أن تحكمها الشريعة اليهودية والتعاليم التوراتية، وليس مبادئ الديمقراطية وقيم الصهيونية والقوانين التي شرعها الإنسان. وعليه، يوظفون نفوذهم السياسي من أجل فرض هذه التعاليم على الحياة اليومية للإسرائيليين.
ما حجم المستوطنين الحريديم؟ وما مدى توسعهم ديموغرافيا؟
يبلغ عدد "الحريديم" حاليا 1.28 مليون، وعام 2009 كان عددهم 750 ألفا. وتبلغ نسبة النمو السكاني بينهم 4%، بينما النسبة العامة للإسرائيليين 2.3%. وبذلك، يكون المجتمع الحريدي الأسرع نموا في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وسيشكل اليهود المتدينون "الحريديم" 16% من إجمالي مستوطني "إسرائيل" بحلول 2030. وتقدّر دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن تعدادهم السكاني سيبلغ مليوني نسمة عام 2033.
ويستوطن أكثر من 40% من اليهود الحريديم في مدينة القدس المحتلة وفي منطقة "بني براك" قرب تل أبيب، بينما يستوطن 7% منهم في مجمع مستوطنات بيت شيمش قرب القدس، و53% يستوطنون في تجمعات استيطانية ذات أغلبية حريدية مثل "موديعين عيليت" و"بيتار عيليت" و"إلعاد" المقامة على أراضي الفلسطينيين بالضفة الغربية، أو في أحياء سكنية داخل مجمعات استيطانية كبيرة، مثل صفد وطبريا وأسدود وملبّس (بيتاح تكفا) وحيفا وصرفند، وأم خالد (نتانيا).
ما الوضع الاجتماعي والاقتصادي للحريديم؟
تُظهر بيانات مركز الأبحاث التابع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن معدل الفقر بين الحريديم ضعف ما هو عليه بين عامة المستوطنين في كيان "إسرائيل" الذي يصل إلى 25%، في حين يعيش ما يزيد على 50% من الحريديم تحت خط الفقر. ويمثل هذا تحسنا طفيفا مقارنة بالسنوات السابقة، إذ وصلت نسبة الفقر بينهم 58% عام 2005.
وعام 2022، سُجلت معدلات بطالة مرتفعة بين الذكور في المجتمع الحريدي، إذ بلغت 46.5%، وهي نسبة أعلى بـ3 أضعاف تقريبا من البطالة بين الذكور اليهود غير الحريديين.
ويعود ذلك إلى إقدام الذكور الحريديم على تعلم التوراة في المدارس الدينية اليهودية لمدة 3 سنوات على الأقل، كبديل عن الخدمة العسكرية، إذ يحصل كل طالب حريدي على معاش شهري بقدر 1200 دولار.
ما أبرز الطوائف والتيارات الحريدية؟
اليهود الحريديم الحسيديم (الغربيون): هي حركة تصوّف روحانية اجتذبت آلاف الأتباع منذ أوائل القرن الـ19 بين أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا الشرقية. ونشأت الحركة حول مجموعة من الحاخامات المؤثرين، وتُعرف بنظامها الداخلي الصارم والتشديد على سلوكيات أفرادها وانضباطهم سياسيا واجتماعيا.
اليهود الحريديم الليتوانيون (الغربيون): يخصص الحريديم الليتوانيون جل وقتهم للدراسة المنهجية للتلمود وتفاسيره، ويعتبرون دراسة التوراة قيمة عليا، على الرغم من أن قسما كبيرا من الرجال يذهبون إلى سوق العمل، بدلا من تعلم التوراة.
اليهود الحريديم السفراديم (الشرقيون): هم يهود تم استقدام عائلاتهم إلى فلسطين المحتلة من دول عربية مختلفة، وتبنوا في البداية طقوس اليهود الحريديم الليتوانيين، ذات الطابع الحريدي الأوروبي، لكنهم بعد ذلك تأثروا بالحاخامات اليهود من أصول إسبانية الذين تنقلوا وسكنوا في بلدان المغرب العربي.
طائفة (ناطوري كارتا): تناهض علنا الحركة الصهيونية وترى بمشروعها الاستيطاني سبب الشرور التي تحل بالشعب اليهودي. ويقطن غالبية أبناء هذه الطائفة في القدس المحتلة، ولا يعترفون بكيان "إسرائيل"، ويعارضون الخدمة العسكرية، ويرفضون الحصول على مخصصات وميزانيات من حكومة الاحتلال، ولا يشاركون بانتخابات الكنيست، ويعترفون بحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال.
كيف ينظر الحريديم إلى الديمقراطية؟
تتقوقع جميع الطوائف في المجتمع الحريدي وتنغلق على ذاتها منعا للذوبان في الطوائف والمجتمعات الأخرى غير الحريدية، وتتميز بالتشدد والتعصب للقيم التقليدية التوراتية اليهودية، وترفض تغلغل الثقافة الأوروبية والغربية وقيم العلمانية والديمقراطية إلى صفوفها.
وتعترف الطوائف الحريدية بالنظام الديمقراطي على أنه "وضع جيد مؤقتا"، بيد أنها تعارض وبشدة اعتماده أساسا للحياة السياسية والاجتماعية، لأنه يأخذ مكان الشريعة اليهودية كمصدر وحيد للتشريع وإدارة الحياة العامة للشعب اليهودي.
ويلتزم الحريديم بنصوص توراتية تخص الفصل بين الجنسين وتمنع الاختلاط والعلاقات بين الرجال والنساء، ويحرص هؤلاء على شراء منتجات "حلال" (مصادق عليها من الحاخامية الرئيسة)، ويمتنعون عن تدنيس "حرمة يوم السبت"، ولا يعملون فيه ويخصصونه لزيارة الكنس وقراءة التوراة فقط.
كيف يتعامل الحريديم مع التجنيد في الجيش الإسرائيلي؟
امتنع الشبان في الطوائف الحريدية دائما عن التجنيد تحت ذريعة انشغالهم بدراسة تعاليم اليهودية والشرائع التوراتية "التي هي الضمان للحفاظ على بقاء كيان "إسرائيل". وأيضا بسبب صعوبة الحفاظ على التدين والتعاليم اليهودية بسبب الاختلاط في الجيش.
ويعتبرون أن دراسة التوراة "سلاح روحاني" لحماية "شعب إسرائيل"، وأن التفرغ لدراستها لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية.
ورغم معارضتهم، بدأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في مطلع التسعينيات حملة تجنيد بأوساط الشبان الحريديم، حيث أسست وحدة عسكرية خاصة بهم، سُميت كتيبة "هناحل هحريدي" أو "نيتساح يهودا" وهي كتيبة تنشط بالأساس في الضفة الغربية المحتلة.
وأقامت أطرا عسكرية أخرى لاستيعاب الحريديم في سلاحي الجو والبحرية وجهاز المخابرات. ومع ذلك، يخدم بضعة آلاف فقط من الحريديم في جيش الاحتلال على الرغم من أن تعداد الشبان الحريديم يبلغ قرابة 300 ألف.
ما أحزاب الحريديم في الحكومة الإسرائيلية الحالية؟
تشارك جميع الطوائف الحريدية، باستثناء حركة "ناطوري كارتا"، في انتخابات الكنيست ضمن أحزاب تحالفية للحريديم الغربيين والشرقيين. ولدى حركة "شاس" برئاسة أرييه درعي (الحريديم الشرقيون) 11 مقعدا تمثلها في الكنيست.
أما حزب "يهودية التوراة الموحدة" بقيادية موشيه غافني (الحريديم الغربيون)، فلديه قائمة برلمانية مكونة من طائفتين "الحسيديم" و"اللتوانيين"، وتضم تحالف حزبي "ديجيل هتوراة" و"أغودات يسرائيل"، إذ حصل الحزب على 7 مقاعد في انتخابات الكنيست الأخيرة.
وعززت الأحزاب الحريدية حضورها في المشهد السياسي الإسرائيلي، وتعد اليوم حجر الأساس في حكومة نتنياهو الجديدة، وكذلك الحليف الإستراتيجي لحزب الليكود، وباتت المركّب الأكثر تأثيرا على صنع القرار في مواجهة معسكر الوسط والتيار الليبرالي العلماني.