العالم - فلسطين
وقالت الكاتبة إن الحديث حول القانون الدولي أثير منذ بدء الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، واشتعل الجدل بشكل خاص بعد طلب جنوب أفريقيا اتخاذ "تدابير مؤقتة" من قِبَل محكمة العدل الدولية لوضع حدّ للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل. ومع الحكم المؤقّت الذي أصدرته المحكمة في 26 كانون الثاني/ يناير، الذي تضمن أمرًا بأن تمنع "إسرائيل" أعمال الإبادة الجماعية دون الدعوة صراحة إلى وقف إطلاق النار، أصبح النقاش حول القانون الدولي أكثر استقطابًا، حتى بين أولئك الذين ينتمون إلى الجانب الفلسطيني".
وتساءلت الكاتبة عما يمكن أن يفعله القانون الدولي في خدمة تحرير الأراضي الفلسطينية. وهو سؤال لطالما ناقشه الفلسطينيون وغيرهم على نطاق واسع. منذ أن ادعت بريطانيا العظمى حقها في حكم فلسطين تحت رعاية عُصبة الأمم، ناضل الفلسطينيون والمدافعون عنهم من أجل المطالبة بحقوقهم وحرياتهم الفردية والجماعية، من خلال أطر موضوعة داخل النظام القانوني الدولي وضده.
بالنسبة للبعض، يظل القانون الدولي الأمل ومصدرا لتعزيز الإيمان بمستقبل يمكن أن يكون أفضل بالنسبة للإنسانية والعدالة. يؤكد ميثاق الأمم المتحدة، الذي تشكل محكمة العدل الدولية جزءا لا يتجزأ منه، "الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره". وبالنسبة للبعض الآخر، يمثل القانون الدولي مصدرا للوعود الكاذبة والإلهاء عما هو مطلوب حقًا لخوض المعارك من أجل العدالة. بالنسبة لبعض أولئك الذين يتبنون هذا الموقف الثاني - ويعتبرون أكثر تشاؤمًا أو واقعية - فإن الإيمان بالأمل الذي يقدمه القانون الدولي يعتبر خيانةً للقضية الفلسطينية.
من بين الانتقادات الشائعة أن القانون الدولي هو أداة بيد المهيمنين، وقد أفسدته السياسة الواقعية للقوى العظمى، والعنصرية، والرأسمالية، والموروثات الإمبريالية، بحيث لا يمكنه تقديم أكثر من عدالة المنتصر أو تحقيق عدالة حقيقية. والقليل من المعرفة التاريخية والملاحظة السياسية يؤكد هذه الانتقادات.
إن سنوات من التقارير التي تتبعت انتهاكات "إسرائيل" بحق الفلسطينيين، والتي قدمتها لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة منذ تأسيسها في سنة 1969، توفّر أرشيفًا دامغًا. وقد وُثّقت عقود الإفلات من العقاب التي تتمتع بها "إسرائيل" في انتهاكها للقوانين الدولية للمضي قدمًا في استيلاء الاستعمار الاستيطاني على فلسطين التاريخية، بشكل جيد من قبل الباحثين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وأشارت الكاتبة إلى أن هناك تاريخا طويلا من العجز القانوني الدولي والنفاق الذي يغذي تغريدات الغضب بعد امتناع حكم محكمة العدل الدولية عن الدعوة بشكل مباشر إلى وقف إطلاق النار. وقد اعترف بعض الفلسطينيين بأن القانون الدولي "موجود فقط لحماية القتلة" وأن أمر محكمة العدل الدولية ليس سوى "ضوء أخضر" لغزو بقية قطاع غزة. ويثبت حكم المحكمة كذلك عجز الطبقة الحاكمة العالمية عن الاعتراف بالإنسانية الفلسطينية. وهذا دليل إضافي على أن الفلسطينيين يجب أن يتخلوا عن المؤسسات الدولية الليبرالية القانونية.
وأوضحت الكاتبة أن العواقب السياسية الناجمة عما طالبت به محكمة العدل الدولية "إسرائيل"، حتى مع الاعتراف بتشابك القانون الدولي مع السلطة، ليست واضحة. وليس "بالأمر الهين" أن محكمة العدل الدولية "تبنّت الخطاب الفلسطيني عمليا في وصف ما تفعله إسرائيل"، وذلك حسب المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عزمي بشارة. وقد يعني أمر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة عامة أن إسرائيل تقف الآن "متهمة بشكل شرعي بارتكاب إبادة جماعية"، وذلك حسب تحليل المحلل معين رباني لحكم المحكمة، الذي كشف أنه دليل على وجود تصدعات في درع إرث المحرقة الذي تستخدمه "إسرائيل".
من جهته، أشاد كريغ مخيبر، المدير السابق لمكتب نيويورك لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، بالحكم ووصفه بأنه "نصر تاريخي" لأنه يمثل "صدعًا في 75 عامًا من الإفلات الإسرائيلي من العقاب". وحسب الباحثة القانونية نورا عريقات، هذا يمكن أن يكون أداة لإجبار الدول الأخرى على التدخل ووقف الإبادة الجماعية.
وتساءلت الكاتبة عن الردود التي كانت ستتدفق لو أن أغلبية محكمة العدل الدولية انحازت إلى صف القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي. كان سينظر إلى إسقاط القضية أو التصويت على نطاق أوسع ضد أوامر الطوارئ لحماية الفلسطينيين على أنه صفعة حقيرة أخرى في وجه العدالة، وضربة أخرى للحركة من أجل حقوق الفلسطينيين، ومزيد من التجاهل لحياة الفلسطينيين.
ونوهت الكاتبة بأن سعي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسبع دول أخرى إلى صرف الانتباه عن حكم محكمة العدل الدولية من خلال المسارعة إلى وقف دعمها للأونروا، الوكالة الإنسانية الرئيسية في غزة، هو مؤشّر مهم. كان القانون الدولي، بكل مظاهره، بمثابة اختبار على الدوام. وفي هذا المزيج من التفسيرات المتضاربة التي ظهرت بعد حكم محكمة العدل الدولية، نرى التنوع المذهل في الفكر والمشاعر السياسية.
وأشارت الكاتبة إلى أن المعدل الذي تقصف به "إسرائيل" غزة ويدمر حياة الفلسطينيين مروع. وهو ينتج الظروف الأكثر وحشية وصعوبة بالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، مما يزيد من الحاجة الملحة إلى التدخلات اللازمة لإنقاذ الأرواح ووقف الدمار. كما ورد في الطلب الذي قدمته جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، فإن الفلسطينيين في قطاع غزة معرّضون "لخطر الموت المباشر بسبب الجوع والجفاف والمرض نتيجة للحصار المستمر الذي تفرضه إسرائيل، وتدمير المدن الفلسطينية، وعدم السماح بدخول المساعدات الكافية إلى غزة" واستحالة توزيع هذه المساعدات المحدودة أثناء سقوط القنابل.
وقد أقرّ حكم محكمة العدل الدولية بالحاجة الملحة للخدمات والمساعدات الإنسانية. وأكدت المحكمة "أن هناك حاجة ملحة، بمعنى أن هناك خطراً حقيقياً ووشيكاً من حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه للحقوق التي وجدت المحكمة أنها معقولة". ودعا القاضي بهانداري جميع المشاركين في النزاع إلى "ضمان أن تتوقف جميع أعمال القتال والأعمال العدائية على الفور". وفي الواقع، إن لغة الإلحاح و"العواقب التي لا يمكن إصلاحها" والفورية التي تملأ صفحات القضية تؤكد الإنسانية الفلسطينية، وهي مسألة ينبغي ألا تحتاج إلى تأكيد، ولكن في هذا العالم، تحتاج إلى تأكيد بشكل متكرر.
هناك أمل في أن يدفع هذا الحكم المزيد من اليهود، خاصة اليهود الأمريكيين الذين نشأوا وقد أعمتهم الدعاية الصهيونية حول ازدهار الصحارى الاشتراكية، إلى رؤية الحقيقة. ربما يجبرهم هذا الحكم على الاعتراف بالواقع المؤلم لما هي عليه "إسرائيل": نظام فصل عنصري استعماري استيطاني، ذو ميول فاشية نحو ممارسة عنف الإبادة الجماعية ضد أولئك الذين يعتبرونهم مختلفين عنهم.