العالم – مقالات وتحليلات
هذا التصريح، لم يكن يتيما للرجل، ولا قيل في ظروف استثنائية، بل هو كلام كرره ويكرره سيموتريتش في العديد من المناسبات، وقبل فترة قام بعرض خارطة “أرض إسرائيل الكبرى” والتي تشمل كل فلسطين التاريخية وشرق الأردن واراض من دول عربية عديدة. كما كرره وبشكل واضح وصريح خلال المحاضرة التي ألقاها في باريس قبل فترة، أنكر فيها وجود شعب فلسطيني واعتبره “بدعة تم اختراعها قبل مئة عام لمحاربة المشروع الصهيوني في أرض إسرائيل".
يرى اغلب المراقبين للشأن الفلسطيني، ان سموتريتش وتيار الصهيونية الدينية، لا يعترفون حتى بالاتفاقيات التي وقع عليها الكيان الاسرائيلي مع بعض الدول العربية التي طبعت معه مثل الاردن ومصر، فمرجعيتهم "الفتاوى الشرعية اليهودية من غلاة عقيدة أرض اسرائيل الكبرى". كما ان من الخطأ التعامل مع هذا التيار على انه "متطرف" ولا يمثل سياسة الكيان الاسرائيلي، فكل من حكم الكيان منذ 1948 وحتى اليوم يشاطرون سيموتريتش نفس الافكار الا انه يختلفون في طريقة تنفيذها على ارض الواقع، بل ان جانبا كبيرا من الدولة العميقة التي تحكم امريكا، تتفق مع هذا التيار الصهيوني العام في الكيان الاسرائيلي، وكان المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الامريكية القادمة دونالد ترامب، اقل الاخرين نفاقا، عندما اعلن صراحة ان "ارض اسرائيل صغيرة ولابد من توسيعها"!!.
ان ما يجري اليوم في غزة في ابادة جماعية وتطهير عرقي، هو تطبيق عملاني لافكار رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسموتريتش ووزير الامن بن غفير، واللافت ان هذا الثلاثي الذي يوصف بالتطرف، ينفذ كل هذه الفظاعات من اجل ترحيل او ابادة اهالي غزة، يتلقى اكبر دعم يمكن ان تتلقاه حكومة صهيونية على مدى تاريخ الكيان الاسرائيلي، رغم الشعارات المنافقة للحزب الديمقراطي، الذي يحكم امريكا اليوم، عن حقوق الشعب الفلسطيني، التي انحصرت اليوم، بحقوق محاولة الابقاء عليهم على قيد الحياة.
لا نحتاج لدليل اضافي لنؤكد على ان التيار الصهيوني الذي يحكم الكيان الاسرائيلي اليوم، هو تيار يطبق نوايا امريكا بحذافيرها، فلم ير العالم اي ضغوط امريكية على نتنياهو من اجل اقالة سيموتريتش وبن غفير، او على الاقل فرض عقوبات على الحكومة الصهيونية، كما تفرض امريكا الالاف من العقوبات على دول في جميع انحاء العالم، لأتفه الاسباب. فلم يشهد العالم الوجه الحقيقي لامريكا كما شهد خلال العام الماضي، فقد فتحت خزائن اموالها، وابواب مصانعها العسكرية، لحكومة الثلاثي نتنياهو سيموتريتش بن غفير، وارسلت كل ما في جعبتها من حاملات طائرات وبوارج حربية وغواصات نووية وقاذفات بي 52 واسراب من الطائرات المتطورة والالاف من الجنود، رغم وجود عشرات القواعد الامريكية المنتشرة كالسرطان في الجسد العربي. كما شلت كل المحافل الدولية ومنعتها من اتخاذ اي اجراء ضد الكيان الاسرائيلي، من اجل ان ينفذ الثلاثي الارهابي، عمليات الابادة والتطهير العربي، براحة بال وبدون منغصات.
قد نبالغ ان قلنا، اننا ننتظر من الاطراف العربية التي طبعت مع هذا الكيان، الطامع بكل ارض العرب والمسلمين، وكذلك الاطراف العربية الاخرى التي تفكر بالتطبيع معه، ان تقف امام الشهية المفتوحة للكيان الاسرائيلي، وكذلك امام امريكا التي تمنح هذا الكيان "مُشهيات" من اجل ابتلاعهم، ولا يكرروا مقولة ان تصريحات سيموتريتش، لا تمثل "اسرائيل" و "امريكا"، بقائلها "شخص متطرف"، بعد كل الذي جرى ويجري في غزة ولبنان، وان يبلوروا استراتيجية موحدة، قبل فوات الاوان، رغم اننا فقدنا الامل بأن نشهد اي تحرك من هذه الاطراف، كطرد سفراء الكيان لديها او سحب سفرائهم، ناهيك عن بلورة استراتيجية موحدة، قبل ان تبتلع "اسرائيل" ارضهم، بعد ان ابتلعت روح التضامن العربي منذ سنوات طويلة.