العالم _ مقالات
اللافت انه لم يكن في الاجواء العامة ما يستدعي اثارة هذا الموقف من بايدن، لا سيما وان محاولتي اغتيال ترامب السابقتين، قد اصبحتا بعيدتين. فلماذا يثير بايدن هذا الموقف الان؟ خصوصا وانه ليس هناك من تهمة موثقة بالادلة ضد ايران في عمليتي الاغتيال.
هناك عدة سيناريوهات يمكن مناقشتها لهذه الاثارة، لكن في هذ المقال سنثير سيناريو واحدا، وهو هل ان الدولة العميقة (الاستخبارات) في الولايات المتحدة قررت التخلص من ترامب؟ ولماذا؟
بالعودة الى ادعاء محاولتي الاغتيال الاخيرتين لترامب، كان واضحا للخبراء والمتابعين، انهما ان صحتها، فانهما ليستا من صنع اجهزة استخبارتية محترفة.. أي ليستا من صنع ايران، باعتبار ان التنفيذ بسيط جدا وغير معقد وغير محكم. ولو كان من صنع اجهزة ايران الاستخباراتية، لما نجا ترامب من واحدة منهما.
واذا ما عدنا الى شهود محاولة الاغتيال الاولى لترامب.. نجد ان الشهود قالوا انهم رأوا شخصا ممدا على سطح مقابل ترامب، ويصوب سلاحه نحوه، وانهم ابلغوا الشرطة، الا انها لم تقم باي ردة فعل. وتم التعتيم بعد التحقيقات على الاسباب.
من المتهم ؟
السيناريو المحتمل، هو ان الدولة العميقة في الولايات المتحدة، تخشى ان 'يغتال ترامب البلاد' ويجرها الى مهاو خطرة جدا، سواء فاز بالانتخابات ام لم يفز. فلجأت الى محاولة اغتيال، تظهر وكأنها عرضية قام بها شخص 'متطرف' ضد ترامب. لكن المرجح ان تعيدها بضمان النجاح.
اسباب مخاوف الدولة العميقة من ترامب:
اعلن ترامب اثناء حملاته الانتخابية ان البلاد ستغرق في 'حمام دم' ان لم يفز في الانتخابات الرئاسية المقرر في الخامس من نوفمبر 2024. وهذا ما يهدد بحرب اهلية بحسب ما يرى الكثير من الخبراء والمتابعين الامريكيين .
ولمن لا يعرف، فان لدى ترامب عشرات الاف المسلحين جاهزون للنزول الى الشارع وسفك الدماء.. وخير دليل على ذلك الهجوم على الكابيتول عام 2020 حيث سقط قتلى وجرحى بعد الانتخابات الرئاسية نتيجة اعلان رفضه لنتائج الانتخابات واتهامه بتزويرها.
وهذا يعني ان ترامب في حال فشله في الانتخابات قد يجر البلاد الى مخاطر كبرى بينها الحرب الاهلية التي ستودي تلقائيا الى تفكك الولايات ووضع البلاد على كف عفريت. وهذا ما تخشاه الدولة العميقة
اما ان نجح ترامب في الانتخابات.. فهذا سيشكل خطرا على ما بنته الولايات المتحدة الامريكية من علاقات خارجية، لان ترامب معروف بتمرده على قرارات الدولة العميقة، وله منها موقف سلبي جدا. وبالتالي هذه الدولة تخشى من هذا التمرد الذي سيحدث صداما بين الطرفين حول القضايا الاساسية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، هدد ترامب اثناء ولايته الاولى بانسحاب أمريكا من حلف الناتو ان لم ترفع الدول الاوروبية الاعضاء نسبة المساهمة المالية، وعبرت دول اوروبية من ان يعاود ترامب نفس النهج وبشكل اكثر حدة وان يقلص الالتزامات الامريكية تجاه الناتو، ان فاز في الانتخابات مرة ثانية.
ووفق تحليل لمجلة 'فورين افيرز' فإن استراتيجية ترامب قد تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات مع حلف شمال الأطلسي، وتحديات أمنية جديدة بالنسبة لأوروبا.
ورأت مجلة 'فورين بوليسي' في احدى مقالاتها، ان 'شبح ترامب يطارد أوروبا في كافة أرجائها ويخيم جو من الذعر المستتر من احتمال عودته'.
كذلك فان مواقف ترامب من "حل الازمة الاوكرانية في يوم واحد" كما قال عبر ابقاء روسيا في الاراضي التي سيطرت عليها، يتضمن تهديدا ايضا لمصالح الولايات المتحدة واوروبا خصوصا فيما يتعلق بالالتزام الأميركي بالدفاع عن القارة الاوربية العجوز من "خطر" روسيا.
وكان ترامب هدد غير مرة بقطع المساعدات الامريكية لأوكرانيا للضغط عليها لتقديم "تنازلات" لصالح روسيا.
واستعرضت مجلة 'فورين بوليسي' تاريخ وكالة الاستخبارات الأمريكية 'سي آي إيه' ودورها في تعزيز نظريات المؤامرة حول 'الدولة العميقة' في الولايات المتحدة، خاصة في ظل رئاسة ترامب. وقالت المجلة،' إن احتمالية عودة ترامب للرئاسة مرة أخرى أثار قلقا كبيرا في مجتمع الاستخبارات الأمريكية، وخاصة 'سي آي إيه. فقد تعهد ترامب أيضا بتدمير ما يسميه هو وأنصاره (الدولة العميقة)، وهي مجموعة مزعومة من المسؤولين غير المنتخبين - معظمهم في أجهزة الاستخبارات - الذين يريدون إبعاده عن البيت الأبيض وبالتالي إحباط الإرادة الديمقراطية للشعب'.
وواضح ان ترامب المتهم بعشرات والمدان بعشرات الجرائم والمجرجر الى المحاكم، سيحاول الانتقام من كل من شارك في مصائبه هذه، دون الالتفات الى النتائج. كونه مرتدا على كل الواقع، ولا يقبل الا بما يراه مناسبا، وقد تعلم ذلك من عمله في 'المصارعة الحرة'.. اذ يؤمن بــ'الاعتماد على القوة لا العقل'.
ويعرف ترامب والمحيطون به ان 'الدولة العميقة' متهمة بفضيحة ' ووترغيت' التي سقط فيها الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون بعد ان نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية لتشويهه. والجدير بالذكر ان 'روجر ستون' صديق نيكسون وفي تغريدات وفيديوهات حديثة، ربط فيها بين محاولة اغتيال ترامب في تموز/ يوليو وفضيحة ووترغيت.
كذلك فان سياسيات ترامب الخارجية سواء العسكرية او الاقتصادية او الامنية، تهدد الولايات المتحدة.. وترامب 'المتمرد' وصف الاستخبارات الامريكية بالساذجة والمخطئة للغاية، عندما يتعلق الأمر بـ"التهديد الإيراني". وهذا ينسحب على نظرته الى فكر الاستخبارات الامريكية بشكل عام، سواء كانت تجاه ايران او غيرها. وهو لا يرى مبررا للاخذ بنصائحها، لان رأيه الصواب. وهذه الساذجة يرها ترامب ايضا في نظرة الدولة العميقة الى حل الازمة الاوكرانية.
من هذا المنطلق فان لاغتيال ترامب من قبل الدولة الامريكية العميقة عبر 'انقلاب صامت' سيجنب البلاد المخاطر المتأتية عن فوزه او عدم فوزه.. وله في سلفه جون كيندي الذي اغتالته الاستخبارات الامريكية عبرة.
بالعودة الى ما قاله بايدن.. عن ان "اي محاولة من ايران لاغتيال ترامب ستعتبر بمثابة اعلان حرب.."
التقدير هو ضرب الدولة الامريكية العميقة، عصفورين بحجر واحد.. وهما التخلص من ترامب، ووضع ايران 'بعد الاغتيال' موضع الاتهام، والاحراج امام المجتمع الدولي الذي سيصدق السردية والاتهام الامريكي، وفقا للمصلحة الامريكية الغربية المشتركة.. وهذا ما 'سيبرر' اي عمل عدواني 'امريكي اوروبي اسرائيلي' مشترك، يتخذ ذريعة ضد ايران.
بقلم حکم امهز