العالم- لبنان
لكن المشهد الحقيقي، الذي لم يره أحد، بل فقط صنعه المقاومون، هو عند الحدود. حيث فشل الجيش الإسرائيلي (الأسطورة!) في تحقيق أي خرق نوعي يمكن أن يقدمه كإنجاز للرأي العام الإسرائيلي.. فهذا الجيش المحتشد على الحدود مع لبنان بعشرات آلاف الأفراد، والمدجج بأحدث أنواع الأسلحة والتقنيات المتطورة، والمواكب بالأقمار الصناعية الأمريكية والغربية وستارلينك ايلون ماسك، والمرافق بطيران بريطاني متحرك بحث عن البصمات الصوتية، عجز عن احتلال شمع أو الخيام أو كفركلا أو بلدة جنوبية أخرى بفضل هؤلاء المقاومين الأسطوريين حقا. وحتما سيشكل الكيان الصهيوني لجنة فينوغراد ثانية لمحاكمة نتنياهو وعصابته، لإعلان الفشل ومحاسبة قادة الاحتلال المجرمين...
كلام ليس فيه دعاية وإعلان لمحور المقاومة، بل مواقف أعلن عنها الإسرائيليون أنفسهم، فرؤساء المستوطنات الشمالية المعنيون بالقضية مباشرة، قالوا إنهم باتفاق وقف النار هذا، هم من رفعوا الراية البيضاء وليس حزب الله.
وقال رئيس المعارضة يائير لابيد، إن في عهد نتنياهو حدثت الكارثة الأكبر في تاريخ "إسرائيل"، مضيفا أن الحكومة الإسرائيلية انجرت إلى وقف إطلاق النار وأن "بلدات الشمال مدمرة وحياة السكان انهارت والجيش منهك".
وقال زعيم حزب يسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان، إن نتنياهو قال إن الحرب ستستمر حتى النصر المطلق، لكن لم يحدد من الذي سينتصر.
وحتى مع وقف النار لن يتجرأ مستوطنو على العودة. لكن صورة النصر المفقود عند الإسرائيليين، دائما يصنعها أهل المقاومة، فالنازحون اللبنانيون، وفور إعلان سريان وقف إطلاق النار، بدءوا بالعودة إلى مناطقهم وقراهم في البقاع والجنوب والضاحية. ليسجلوا مشهد نصر آخر في تاريخ لبنان، متحدين كل الأضرار التي لحقت بمنازلهم، ليؤكدوا أنهم مستعدون أن يقيموا على أنقاض بيوتهم .
لكن ماذا بعد اتفاق وقف النار؟
اسرائيليا، سيتم تشكيل لجنة تحقيق في اخفاقات الحرب، والفشل في تحقيق الاهداف التي وضعت لها، وتحميل المسؤوليات.. ونتنياهو سيذهب الى المحاكمة في قضايا فساد اولا، قبل ان تبدأ محاكمته في فشل الحرب، وسيكون احد اهداف المحاكمة، ازاحته من المشهد السياسي، لسببين الاول، فشله في الحرب سواء في غزة او لبنان ووضع عاصمة الكيان تل ابيب ومدن الشمال جميعها تحت نيران وصواريخ حزب الله وتهجير اهلها وزج الملايين منهم في الملاجئ، والثاني، ان دوره انتهى، باعتبار انه اصبح ملاحق كمجرم حرب من قبل محكمة الجنايات الدولية.
وبالتالي اصبح عبئا على الكيان وعلى الولايات المتحدة الامريكية التي لا يعتقد انها قادرة على تغطيته اكثر مما غطته. فليس من المنطقي ان يكون هناك رئيس وزراء اسرائيلي، غير قادر على السفر الى اكثر من 150 دولة ابدت التزامها بقرار الجنائية الدولية واعتقاله في حال دخل اراضيها.
فلذلك، وباعلانه وقف اطلاق النار في لبنان يكون قد كتب نعي حياته السياسية بيده، وقصر عمره في السلطة. فالرئيس الامريكي الحالي جو بايدن على خلاف معه، والرئيس المقبل ترامب، قد لا يتحمله.
يقول كاتب مقال الرأي الاسرائيلي في صحيفة هارتس إران ياشيف إن ترامب لن يهدر أي فرصة في محاولة إزاحة نتنياهو الذي يحتاج إلى "صيانة عالية".
ورأى الكاتب ان مصلحة ترامب إزاحة نتنياهو من السلطة لأنه شخص يحتاج إلى اهتمام ورعاية ودعم مستمر.
لبنانيا، سيكون هناك اعادة تقييم لما جرى، وسيبدأ العمل على البحث في اعادة الاعمار وانتخاب رئيس للبلاد.. وبطيبعة الحال المخاض ذاته سيعاد سياسيا على مستوى الافرقاء.
لكن المشهد التاريخ المؤلم والاكثر وجعا، سيكون في تشييع القائد الاغلى والاسمى والاعز السيد الشهيد حسن نصر الله.
امريكيا، ستحاول ادارة الحالية البحث عن حل للعدوان على غزة، لتسجيل انجاز قبل الرحيل، كذلك سيتفرغ الرئيس جو بايدن للتخطيط للفخ الذي يزرعه لخليفته دونالد ترامب في اوكرانيا، فلربما يوفق الى جر روسيا لاستخدام اسلحة غير تقليدية في الحرب، تدفع نحو حرب ضد الاوروبيين الداعمين لاوكرانيا، وبهذا يكون قد سلم ترامب كرة ملتهبة جدا.
بقلم: د حكم امهز