هذه القنابل كانت الأكثر حضوراً في ساحات القتال، والأكثر تدميراً وإزهاقاً للأرواح خلال العدوان الأخير على أهل غزة، حيث ارتبط ذكرها بالمجازر المروعة والمشاهد الدامية التي هزت العالم.
ويُذكر من بين تلك المآسي المجزرة التي وقعت في مستشفى المعمداني، والتي راح ضحيتها نحو 500 شهيد فلسطيني، واتهم حينها الاحتلال الإسرائيلي حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بالمسؤولية عنها. إلا أن الحقائق لاحقاً قلبت الرواية رأساً على عقب؛ إذ تبين عبر الإعلام الإسرائيلي نفسه، من خلال القناة الثانية العبرية، إضافة إلى تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أن من نفّذ عملية القصف لم يكن طياراً إسرائيلياً، بل ضابطاً أمريكياً في سلاح الجو الأمريكي، استخدم قنبلة من طراز "مارك 84" من طائرته لتنفيذ الضربة القاتلة، وهو ما يكشف حجم التورط الأمريكي المباشر في عمليات الاستهداف داخل قطاع غزة.
القنبلة "مارك 84" تُعرف أيضاً باسم "القنبلة المطرقة"، نظراً لقدرتها التدميرية الهائلة، ولأنها تحتوي على مادة شديدة الانفجار تُعرف باسم HMX، وهي من المواد التي تُحدث ضغطاً يفوق العادة وتسبب أضراراً بشرية جسيمة حتى على مسافات بعيدة من نقطة التفجير. فقد وثّق الخبراء حالات لأشخاص على بعد مئات الأمتار من موقع الانفجار تمزقت رئاتهم بفعل موجة الضغط الناتجة عنه، وهو دليل صادم على قوة وتأثير هذه القنبلة.
وتملك هذه القنبلة قدرة كارثية على تسوية الأبنية بالكامل بالأرض، حيث يخلّف انفجارها حفرة بعمق 11 متراً وعرض 20 متراً، مما يجعل استخدامها في مناطق مأهولة كارثة إنسانية بكل المقاييس. وتشير البيانات إلى أن مئات القنابل من هذا النوع استخدمت في غزة ما بين عامي 2023 و2025، وأن نصفها على الأقل كان من نوع "مارك 84"، الأمر الذي فسّر حجم الدمار الشامل في القطاع خلال تلك الفترة.
كما كشف التقرير أن نحو 1800 قنبلة "مارك 84" كانت موجودة في المستودعات الأمريكية قبل أن يُفرج عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قرر إرسالها إلى إسرائيل بعد أن كان هناك قرار سابق في إدارة جو بايدن بحظر تصدير هذا النوع من القنابل الثقيلة لإسرائيل، بسبب وزنها الهائل الذي يبلغ 2000 رطل، وخطورتها البالغة على المدنيين. لكن ترامب ألغى قرار الحظر وأذن بتصديرها، لتُستخدم لاحقاً في العدوان الأخير على غزة، مخلفة وراءها آلاف القتلى ومشاهد مأساوية من الدمار الجماعي.
تاريخياً، تم تصنيع قنبلة "مارك 84" بعد الحرب العالمية الثانية، ودخلت الخدمة الفعلية في الجيش الأمريكي عام 1970، واستخدمها في حرب فيتنام، ثم في حرب الخليج الثانية ضد العراق، مما جعلها إحدى القنابل الأكثر فعالية في ترسانة سلاح الجو الأمريكي. وعلى الرغم من امتلاك كيان الاحتلال الإسرائيلي لتقنيات تصنيع هذه القنبلة، إلا أنه يستورد 70% منها مباشرة من الولايات المتحدة، في دلالة على الارتباط الوثيق بين جيشه والسلاح الأمريكي في تنفيذ عملياته العسكرية.
ويؤكد الخبراء العسكريون أن "مارك 84" تُعد من أثقل القنابل في الترسانة الأمريكية، وعند انفجارها تُحدث موجة ضغط تفوق سرعة الصوت، تجعلها قادرة على تدمير المباني بالكامل، إضافة إلى تمزيق الرئتين والأطراف وقتل جميع من يقع في دائرة شعاع انفجارها الذي يمتد إلى نحو 300 متر من موقع السقوط.
ورغم قدرتها التدميرية العالية، إلا أن القنبلة تصنف ضمن ما يُعرف بـ "القنابل الغبية" أو غير الموجهة، لأنها لا تعتمد على تحديد هدف دقيق قبل الإسقاط، بل تسقط بشكل عشوائي، مما يجعل استخدامها في مناطق مكتظة بالسكان انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. فإسقاط مثل هذه القنبلة في بيئة مأهولة يعد دليلاً دامغاً على القتل الممنهج للفلسطينيين، وقد استطاع كيان الاحتلال من خلال استخدامها أن يقتل آلاف الفلسطينيين ويُحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية والمنازل والمستشفيات، ضمن أسلوب حرب يُوصف من قبل الخبراء بأنه إبادة جماعية بأسلحة ثقيلة محرّمة إنسانياً.