نظرية الرمال واستراتيجية اوراق الخريف!

نظرية الرمال واستراتيجية اوراق الخريف!
الأحد ٢٤ فبراير ٢٠١٣ - ٠٩:٠٩ بتوقيت غرينتش

يحكى ان راكب دراجة هوائية كان يحمل مع كل نهاية اسبوع كيسين من الرمل يعبر بهما الى حدود دولة مجاورة الامر الذي كان يثير الشكوك والريبة لدى حرس حدود تلك الدولة لكنهم كلما كانوا يستوقفونه للتفتيش او حتى يحبسونه احيانا ليوم او ليلة لا يجدون داخل أكياس الرمل شيئا!

وقد استمر الحال مع ذلك الرجل سنوات طويلة وهو يعبر تلك الحدود ومعه اكياس الرمل الخالية من أي مواد اضافية دون ان يتمكن احد من حرس الحدود ان يكتشف سر تلك الحركة المداومة لذلك الرجل المثير للريبة والشبهة !
وفي يوم من الايام وبعد انقضاء مدة سنوات التحدي تلك يصادف ان احد حراس الحدود يلتقي الرجل بالمصادفة في مكان ما فيوقفه بدافع الفضول ليسأله عن حقيقة مهمته من وراء حمل اكياس الرمل تلك وهو الذي لا يزال يشك بها رغم عدم تمكنه من اثبات أي تهمة ضده فيصارحه الرجل انه كان يهرب الدراجات الهوائية التي يركبها وليس اكياس الرمل!
ولما كانت الامثال تضرب ولا تقاس فانني اكاد اتهم الولايات المتحدة الامريكية والغرب بان ما يقومون به من جولات تفاوضية منذ سنوات طويلة تحت عنوان " الملف النووي الايراني" بداية عبر ما كان يعرف بالثلاثي الاوروبي واليوم عبر ما بات يعرف بمجموعة الخمسة زائد واحد انما هو "تهريب الامن الاسرائيلي" اكثر مما هو التحقق من حقيقة الملف النووي الايراني !
انقل لكم دليلين طازجين قد يساعدان في فك هذا اللغز المحير بالنسبة للرأي العام العالمي :
الاول وهو مايقوله جورج فريدمان وهو رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية الامريكي ستراتفور :
" ان مشكلتنا مع ايران والتحدي الذي نواجهه تجاهها لا يكمن في نشاطاتها النووية ' بل لان هذا البلد اثبت بانه ليس فقط من دون مساندة امريكا بل وهو في حالة مواجهة وتخاصم معها استطاع ان يتحول الى اكبر قوة تقنية وعسكرية في المنطقة ، ما جعله ان يتحول الى ظاهرة وانموذج تحتذي به سائر دول المنطقة وهو ما افرز مؤخرا نشوء ظاهرة الربيع العربي الاخيرة "
الثاني وهو ما كتبه ديفيد فروم وهو احد المنظرين الامريكيين المشهورين اوائل ديسمبر ٢٠١٢ م في مقالة له في موقع تابع للسي ان ان تعقيبا على احتمال حصول توافق مع ايران بان تقوم هي بتجميد التخصيب بنسبة العشرين بالمائة كتعبير عن حسن نوايا مقابل الغاء الغرب لعقوباته عليها او التخفيف منها بما مضمونه  :
" ان مثل هذا التوافق خطير ويمكن ان يحطم استراتيجيتنا تجاه هذا البلد الذي انما قمنا بكل ما قمنا به تجاهه من عقوبات كانت فلسفتها واهدافها اما اجباره على تغيير سلوكه العام او تغيير هيكلية النظام السياسي الحاكم فيه ' وفي مثل هذه الحالة فاننا سنجبر على مغادرة هذا المربع والانتقال الى تقديم تنازلات مؤلمة لايران بما يفضي الى تقويض كل اهدافنا من ابقاء الملف النووي على الطاولة دوما " !
نكتفي بهذين التعليقين لنضيف ان ما من احد من الموفدين او الوسطاء او المتحمسين لحل هذا الاشكال الدولي بين الغرب وطهران سواء غربيون كانوا او عرب الا وانتهى به المقام ليقول كلمة السر النهائية للايرانيين :
" اخرجوا فلسطين من سياستكم الخارجية وخذوا من الغرب قنبلة نووية وليس نشاطا نوويا سلميا فحسب " !
بالمقابل فان كل متابع لحركة التفاوض الديبلوماسية الايرانية بخصوص هذا الملف لابد له ان يكتشف في النهاية الى ان القيادة الايرانية العليا التي تمسك بهذا الملف باحكام تعرف بالمقابل كيف تتصدى لهذه النظرية الاستنزافية باستراتيجية يصفها الراسخون بعلم ديبلوماسية حياكة السجاد بـ" استراتيجية اوراق الخريف " وهي الاستراتيجية التي تقوم على ما يلي :
اولا : نحن نعرف جيدا ان مشكلتكم مع ايران هي ليس بسبب ملفها النووي بل لانها دولة مستقلة تاخذ قرارها بناء على مصالح شعبها ولن ترضخ لديبلوماسية التفاوض تحت النار مهما كلفها ذلك من اثمان لان تلك الاثمان ستكون اقل تكلفة من ثمن التفاوض من اجل التفاوض وبالتالي لا تفاوض مع واشنطن الا بعد الانتصار ولو طال الزمن الف عام !
ثانيا : نحن مصممون على تصدر ناصية العلوم كل العلوم ومنها علوم الذرة ولم يعد بامكان احد اي احد ايقاف حركة تقدمنا في هذا المجال والزمن يلعب لصالحنا والدليل هو ما وصلنا اليه من تقدم علمي يفوق التصور وهو ما سيجبركم انتظار تطاير اوراق خريفكم في المنطقة وليس في ايران التي انتهى ربيعكم فيها والى الابد !
ثالثا : اخيرا وليس آخرا نحن اوعى من اي وقت مضى بانكم انما تشددون الحصار علينا لاجل تهريب الامن الاسرائيلي ليفلت من القصاص لكن ذلك لن يحصل والدليل قدرتنا على محاربتكم في عقر داركم واذا كانت معركة غزة الثماني ايام لم تقنعكم بعد فعليكم انتظار معركة المنازلة الكبرى والتي لن تقووا على تحملها اكثر من ثمان ساعات قبل ان تطلبوا وقف اطلاق النار وتعضوا اصابعكم ندما على تضييعكم فرص الافلات من العقاب !
*بقلم: محمد صادق الحسيني