"اوروبا رامسفيلد".. قراركم "بِلّوه واشربوا ميّتو"

السبت ٢٧ يوليو ٢٠١٣ - ١١:٥٤ بتوقيت غرينتش

يبدو ان اهانة وتعنيف وزير الدفاع الامريكي الاسبق دونالد رامسفيلد لبعض قادة اوروبا ، من الذين كانوا يمنون النفس بالتمرد علي السيد الامريكي ابان غزو العراق، تحولت الي درس قاس لباقي قادة هذه القارة، كي لايتجاوزوا المدي المسموح لهم، امريكيا واسرائيليا ، بالتحرك ، حتي لو كان هذا التحرك علي حساب مصالح شعوبهم.

رامسفيلد وصف قادة اوروبا، من الذين كانوا يسايرون التحالف الالماني الفرنسي المناهض للحرب الامريكية علي العراق ، بانهم يمثلون أوروبا القديمة، اما قادة اوروبا من الذين كانوا اطوع الي امريكا من بنانها ، فوصفهم بانهم يمثلون أوروبا جديدة ولدت ، وهي ولادة يبدو ان وزير الدفاع الامريكي العجوز كان شاهدا عليها.

هذا الوليد الجديد كان وفيا علي ما يبدو للقابلة العجوز ، فاذا به ينسلخ كليا عن بعض ما تبقي من جذور يمكن ان تربطه بأصله ، فتحول الي قواعد عسكرية لجنود السيد الامريكي ، والي سجون سرية لمعارضي هذا السيد ، والي ساحة اغتيالات وتصفيات جسدية لكل من يجاهر بالعداء لاسرائيل ربيبته وربيبة سيده ، والي ترانزيت لتوابيت يعاد فيها من انشق عن الصهيونية الي اسرائيل ليواجهوا هناك مصيرا اسود ، هذه هي اوروبا الجديدة التي لاتملك حولا ولا قوة.

اوروبا رامسفيلد هذه، لم يرتد لها جفن عندما خرجت الملايين من ابناء القارة ضد جرائم الجيش الاسرائيلي في لبنان وغزة ضد الاطفال والنساء وعدوانه علي سوريا والسودان ، انتفضت علي حين غرة ، علي اصوات انفجار باص في مطار ببلغاريا ، وبنفخ امريكي اسرائيلي واضح وفاضح ، تذكرت ان لها كرامة يجب ان تثأر لها ، ولكون المستهدفين اسرائيليين ، اتجهت اصابع الاتهام اتوماتيكيا الي حزب الله.

وبعد مرور عام علي الحادث ، وبدفع من ذات النفاخين ، وضعت اوروبا الجناح العسكري لحزب الله ، علي قائمتها للارهاب.رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ، كانت له حاسة شم رهيبة وغير اعتيادية بالمرة فاقت تلك التي لدي البشر! ، فالرجل كشف الجهة التي تقف وراء الحادث حتي قبل ان تنقل وكالات الانباء خبر الانفجار ، وهذا الكشف لم يكن سوي حزب الله!!.

نتنياهو هذا ، كان ايضا اول من اعلن انتصار الدبلوماسية الاسرائيلية ، لانها كانت وراء ادراج الجناح العسكري لحزب الله علي لائحة الارهاب الاوروبية !!.الملفت ان اوروبا الجديدة اتخذت قرارها ، ولم تهدأ حدة الخلاف بعد بين المسؤولين البلغار ، الذين وقع الانفجار في ديارهم ، فهم مازالوا منقسمين ازاء الجهة التي تقف وراء الحادث ، وكلنا يعرف الخلاف الذي نشب بين رئيس الاستخبارات البلغارية و وزير خارجية هذا البلد ، حول هوية الجهة التي تقف وراء الحادث ، ولكن يبدو ان المعلومات التي حصلت عليها بلغاريا كما اعلن وزير داخليتها ، في تموز يوليو من هذا العام ( نرجو الانتباه الي رمزية التاريخ ) من جهاز استخبارات احدي الدول الصديقة !! زادت من كفة اتهام حزب الله!!.

صحيح ان قادة اوروبا ، كما يقول بعض المحللين السياسيين ، لم يكونوا راغبين بالمرة بهذا القرار ، لمعرفتهم انه بني علي اوهام ويحمل تناقضات جمة ، حيث قاوموا الضغوط الاسرائيلية والامريكية علي مدي عام ، ولكن بدورنا نقول الم يكن هناك رجل رشيد بين هؤلاء القادة ، ليقول لرفاقه ما الذي يصب في صالح حزب مثل حزب الله يحمل كل هذا الرصيد الشعبي الهائل علي صعيد المنطقة والعالم ، في قتل سياح اسرئيليين في قلب اوروبا ؟ لماذا يضحي الحزب بانتصاراته التي حققها علي اسرئيل لاسيما انتصار تموز عام 2006؟ الم ترتكب العصابات الصهيونية في تاريخها الحافل بالاجرام ، جرائم شنيعة ضد اليهود في مختلف انحاء العالم لتحقيق اهداف الحركة الصهيونية؟.

ان توقيت ادراج حزب الله علي لائحة الارهاب ، في ذات التاريخ الذي هُزمت فيه اسرائيل امام حزب الله عام 2006 ، جاء للتقليل من وطأة هذا التاريخ في التقويم الاسرائيلي علي قادة هذا الكيان.لو ابتعدنا قليلا عن الغيرة الاوروبية المصطنعة امريكيا واسرائيليا ، امام الارهاب ، وهم الذين يعرفون قبل غيرهم ان اراضيهم مستباحة امام عصابات الموساد والاستخبارات الامريكية ، وكم من دماء الفلسطينيين وغيرهم سالت فوقها دون ان يشعر هذا الجسد الاوروبي بما يجري فوقه ، نقول لو ابتعدنا عن هذا كله تري كيف يمكن مجانسة هذا القرار مع موقف اوروبا المعلن المتمحور حول دعم استقرار لبنان و سيادته ووحدة اراضيه والعيش السلمي بين طوائفه ، في وقت يناصب القرار وبشكل غبي ، مكون لبناني العداء لن تقوم للبنان قائمة الا به ، رغم احترامنا لجميع مكونات الشعب اللبناني.

لم نصف القرار بالغبي هكذا اعتباطا ، فسلوك وتصرفات الاوروبيين ، وفي مقدمتهم سفيرتهم في لبنان انجلينا إيخهورست ، يثبت ذلك ، فهذه السيدة قطعت اجازتها الصيفية وعادت الي لبنان والتقت عدة مرات بمن وصفوا من قبل قادتها بالارهابيين ، وهي تحاول تبرير هذا القرار دون جدوي ، فهي تعرف قبل غيرها ان عزل حزب الله يعني تعطيل الحياة السياسية في البلد بالمرة ، فحزب الله هو حزب مقاوم خرج من رحم الشعب اللبناني وبارادة شعبية عارمة ، ودخل الحياة السياسية من اجل الدفاع عن سلاحة ومقاومته بالمقام الاول ، فليس هناك في قاموسه جناح عسكري واخر سياسي كما تري اوروبا ، او كما اريد لها ان تري.

ان اوروبا امام طريقين لا ثالث لهما ، اما مواصلة الطريق الاسرائيلية حتي النهاية ، حيث لا مصلحة هناك لا لاوروبا ولا للبنان ، واما اعادة النظر في القرار للحفاظ علي ماء وجهها علي الاقل ، فاكبر جيوش العالم والمنطقة وكل وكالات واجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والامريكية والغربية ، لم تتمكن من النيل من هذا الحزب او من سلاحه او تغير قناعاته.

رغم كل ردود الافعال التي اثارها القرار الاوروبي المكتوب بحبر اسرائيلي وبيد امريكية ، علي مستوي لبنان والعالم ، يبقي رد فعل عنوان المقاومة وسيدها سماحة السيد حسن نصرالله ، هو ابلغ رد فعل قيل في هذا الشأن ، عندما قال سماحته ان هذا القرار شأنه شأن القرار الامريكي ازاء حزب الله ، بِلوه واشربوا ميتو.

*ماجد حاتمي