مملكــة الرّمــال .. و الزّيــت

مملكــة الرّمــال .. و الزّيــت
الجمعة ١٣ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٤:٢٨ بتوقيت غرينتش

ما تشتهر به السعودية من مُقدرات وموارد هي النخل والبعير والزّيت، ولا شيىء آخر كالعلم أو الفكر، يصلح ليكون رافدا من روافد الإقتصاد لتحقيق التقدم والتنمية المستدامة لشعوب المنطقة.. وما عدا ذلك هناك الرمال التي امتزج لونها بلون الدم، ومياه البحر المالحة التي خلعت زرقتها واستبدلتها بسواد الزيت..

في السعودية، ما زالت النخلة هي الشجرة الوحيدة المثمرة التي لم تتغيّر منذ آلاف السنين، وما زال البعير هو السفينة الوحيدة القادرة على الإبحار في عباب رمال الفيافي المقفرة منذ أن أوجد الله الصحراء وخلق الأنعام.. وما زالت الشمس تشرق كالمعتاد كل صباح، وما زال القمر يضيىء استراحة القوافل في المساء، وهي تتسامر وتُغنّي لملك الرمال على إيقاع طبول الزجل ورقصة السيوف البدويّة.
حلـــم يشبـــه الوهـــم..

قبل الإتفاق الروسي الأمريكي، كانت مملكة الرمال تعيش أزهى فترات عُمرها.. تحلم بقرب سقوط عمود النور في دمشق، وتراهن على اقتلاع شجرة الأرز المقاومة في بيروت، وتُحرّض العالم على كسر عنفوان المعرفة في طهران، لتعود العنقاء من جبل الشيخ بعد أن يحرق التنين كل خيول الشام انطلاقا من الجولان.. فيُخيّم صمت الموت الرهيب على المكان، إيذانا بنهاية عهد العروبة والإسلام، وبداية عهد سفر التكوين الذي على أساس تعاليمه المجيدة ستُرسم خرائط الذل الجديدة في المنطقة..

كان أمراء الزّيت والدّم يمنُّون النفس بانتصارات ساحقة انتقاما من بدر وحطّين، ويتآمرون على وعد السماء ليُزيحوا عن وساداتهم كوابيس رضى الله والرسول عن الشام، وانتصارات المقاومة التي أذاقت صعاليك نجد وعصابات إسرائيل طعم الهوان عندما قال شباب المقاومة: “أيها القدير نحن رجالك فانتصر”.. فقال القدر: “كن”.. فكان نصر من الله استعادت به الأُمّة العزة المُداسة والكرامة المفقودة، فتعافى وُجدانها المطعون بغدر أعراب نجد وبطون بني صهيون.

شيىء ما غريب وغير مفهوم حصل فأغضب الله في سمائه.. فجأة، ومن دون مقدمات، تغيّر المشهد، وتبدّلت المسارات، وانقلبت الموازين والتحالفات والمواقع، وأعيد رسم الخرائط بما لا يخدم وهم نفوذ مملكة الرمال والدماء والزيت… نزل عليهم خبر الكيماوي السوري كالضربة الصاعقة، ثم تلاه خبر النووي الإيراني فكانت الضربة الماحقة التي أجهزت على ما تبقى لهم من أعصاب، فأصيبوا بالجنون.. وبدل التحلّي بالهدوء، وإعادة قراءة المستجدات، لفهم المُتغيّرات، والتأقلم مع خريطة المنطقة الجديدة التي وُلدت من رحم الحرب والمعاناة في سورية، قرّروا ركوب حقدهم، والإصرار على جهلهم، والإستمرار في ارتكاب وازرة وزر أخرى… لكن دون جدوى، لأن المكر السيىء لا يحيق إلا بأهله..
مملكة الإنسانية تُقوّض ربيع الشعوب..

مع اندلاع ثورات الشعوب في المنطقة العربية عام 2011، وعكس كل ما قيل ويقال، تبيّن اليوم بما لا يدع مجالا للشك، أن من وقف في وجه صحوة الشعوب وتطلعاتها المشروعة للحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الإجتماعية، هي مملكة الرمال السعودية، خدمة للأطماع الصهيونية التي لا يعتقد أحبارها أن الديمقراطية تصلح للشعوب العربية بعد أن روّجوا طويلا لمقولة أن إسرائيل هي واحة الديمقراطية الوحيدة وسط صحراء الديكتاتوريات العربية..

وما يخيف السعودية حد الرّعب هو “الديمقراطية الشعبية” و “إيران الشيعية” و “أممية الإخوان المجرمين”.. لذلك خاضت مملكة الزّيت كل معاركها ضد هذا الثالوث الذي كانت ترى فيه تهديدا جدّيا لوجودها ونفوذها على المنطقة العربية والإسلامية الممتدة من أفغانستان إلى المغرب.

ومن المعروف تاريخيا أن السعودية شكّلت الحاضنة لكل الأنظمة الديكتاتورية العربية والإسلامية (باستثناء سورية والجزائر)، حيث حرصت طوال تاريخها الأسود على مدّها بكل ما يلزم من مال ودعم، ليس من أجل التنمية، بل من أجل قمع شعوبها وتزوير تاريخها، وتجهيلها، وشراء ضمائر ساساتها، وتدجين فكر مثقفيها، حتى لا تقوم للأمة العربية قائمة بعد جمال عبد الناصر وحافظ الأسد.. هذا علما أن أقصى ما يغضب الله في عليائه هو فكر مُدجّن، وشعب مسحور، وحاكم زنّيم..

أما في السعودية نفسها، فمنطقة القطيف الفقيرة التي يتظاهر أهلها مطالبين بحقوقهم المشروعة، والتي يقطنها السكان الشيعة، ويبلغ تعدادهم 18 % إلى 20% من عدد سكان مملكة الرمال، فتعتبر من أغنى المناطق بالنفط في المملكة الوهابية، لكنها محتلة مثلها مثل مكة المكرمة والمدينة وكل الحجاز من قبل عائلة “قطاع طرق” جائت قديما من نجد التي يذكرها التاريخ والمُعلّقات الشعرية باعتبارها عاصمة الصعاليك زمن الجاهلية الأولى..

وليس صدفة أن تكون ‘نجد’ منبع الشر والفتن والقتل والذبح والإغتصاب والفساد في الأرض، لأن الله الذي خلقها أرادها أن تكون فتنة للعالمين، فذكر رسوله الأعظم (صلعم) نبي دجّال سيظهر فيها بعده وسماه ‘قرن الشيطان’، ورفض أن يباركها وبارك الشام واليمن أكثر من مرة، والحديث صحيح ومشهور أورده البخاري في صحيحه.. بدليل أن ما تنبأ به الرسول الكريم (صلعم) قد تحقق بعده على يد الدجال المدعو ‘محمد بن عبد الوهاب’.

أما السياسة، فشأن محرم على السعوديين، والخوض فيها قد يُكلّف الفضولي النفي وراء الشمس عددا من السنين، من دون محاكمة، لأن آل سعود لم يجدوا في الشريعة الوهابية عقابا صريحا ينزلونه بأصحاب الرأي سوى فتوى يتيمة قال بها خوارج العصر من فقهاء الوهابية، ومفادها: أن “اقتل كل خارج عن ولي الأمر”.. وقبل أسبوع تقرر إعدام كل من يشارك في مظاهرة إحتجاج للمطالبة بحقوقه المهضومة من أهل القطيف.

وفي ما يخص ثورة البحرين المنسية، لم تجد مملكة الزّيت من حل لمعظلة الشعب البحريني المظلوم غير عسكرتها بقوات درع الجزيرة، لإجهاضها بالرصاص الحي، وهدم المساجد، وتدنيس المصاحف، وتدمير البيوت على أصحابها، واعتقال الناشطين والمناضلين المسالمين، ومحاكمة النساء والأطفال الأبرياء، ومحاكمة الأطباء الذين يعالجون المصابين، وطرد الموظفين الشيعة من الدوائر الحكومية والشركات المملوكة لقطاع الطرق من آل خليفة وأزلامهم.. وللتعمية على جرائمهم البغيضة قاموا باتهام إيران بالتدخل في شؤون مشيخات الخليج، وهو ما نفاه تقرير لجنة ‘بسيوني’ الشهير الذي فضح كذبهم وبهتانهم..

أما اليمن، فقد قررت مملكة الظلم والعُهر والفساد إجهاض عرس الشعب في هذا البلد الفقير.. وعمدت إلى تحريض التنظيمات السلفية الوهابية ضد الحوثيين لإشغالهم في حرب داخلية تغنيهم عن الإلتفات لحقوقهم في أرضهم المُحتلّة من قبل السعودية.

ومن أفضالهم على هذا البلد الذي بارك أهله الرسول الأعظم (صلعم)، أنهم حاصروا شعبه، فأضعفوه، وأفسدوا حكامه، واشتروا بالمال الحرام ولاءات شيوخ القبائل، واحتلوا مناطق شاشعة من أرضه، لمنعه من استخراج نفطه الذي يوازي مخزونه الإستراتيجي الضخم 34 % من إحتياطي النفط العالمي، أي نفس مخزون السعودية قبل الإستغلال المفرط.. غير أن الحوثيين أدركوا المقلب، فانتشروا على الحدود مع السعودية لوضع حد لمؤامراتها الخبيثة على بلدهم، ولمنعهم من سرقة أرضهم ومقدرات شعبهم من خلال خرائط مزورة لرسم الحدود وتسييجها بدعم من الطرطور ‘هادي عبد ربه’ الذي فشل في تمرير التسوية التي طبختها السعودية مع الإدارة الأمريكية تحت مسمى مبادرة التسوية الخليجية، ويقصدون بها تصفية الثورة اليمنية.

أما في تونس ومصر، فقد حرّكت السعودية جماعاتها السلفية الوهابية التكفيرية التي زرعتها هناك، ومدّتها بالمال والدعم الإعلامي، وصنعت لها أحزابا كرتونية لترجيح كفّتها في الإنتخابات ضد ‘الإخوان المجرمين’ الذين كانت تدعمهم قطر وتركيا.. وبقية القصة معروفة… حيث انتهت بإفساد حكم الإخوان في تونس، والإنقلاب العسكري عليهم في مصر، وإزاحة الأمير و وزير خارجيته من سدة الحكم بقطر بعد التهديد بمسح هذه المشيخة من خريطة الخليج.. وهو الأمر الذي انعكس خلافا حادا من تحت الرماد مع تركيا التي كانت مملكة الرمال الوهابية ترى فيها منافسا خطيرا لها على زعامة العالم الإسلامي “السُنّي”.

أما الشام التي كتب الله أن يبدأ فيها وينتهي التّكوين، فقد أشعلوا فيها نارا كونية غير مسبوقة في تاريخ الحروب الهمجيّة، حيث تكالبت عليها الأمم كما تتكالب الذئاب الجائعة على الفريسة، فجمعوا لها الدعم السياسي من أكثر من 120 دولة، وأقاموا على أرضها الطاهرة حروبا مُدمّرة، استقدموا لها جيوشا من زبالة البشر من أكثر من 80 دولة درّبتهم مخابرات الغرب وإسرائيل وبعض بلدان العربان في تركيا والأردن وليبيا.. ولا زالت الحرب تحصد الأرواح كل يوم، وتُدمّر العمران منذ ألف يوم ويوم حتى تاريخ كتابة هذا المقال، ومع ذلك، فشل آل سعود وحلفائهم في تغيير معادلة السلطة في دمشق، لأن بركة خير الأنام لا زالت تُظلُّ بلاد الشام، وستظل كذلك إلى يوم تُبدّل السماوات غير السماوات والأرض غير الأرض، ما دام عمود النور الذي أخبر به الرسول الأعظم (صلعم) لا تزال تحمله الملائكة فوق جبل قسيون، لتحرق بوهجه غل الحاقدين وخبث المتآمرين، وتُحوّل بنوره الصّاطع مرتزقتهم وزبالة تكفيرييهم إلى رماد تُخصّب به الأرض المحروقة.. فتتحول بإذن ربها إلى ربيع عبق برائحة الفُلّ والياسمين، وتورق أشجار اللوز والتّين والزيتون إيذانا بعودة السلام إلى هذا البلد الأمين.. فسبحان ربك الكريم الذي يخرج الطيب من الخبيث.
منجــزات تاريخيــة غيـر مسبوقــة..

وحتى لا نبخس آل سعود منجزاتهم التاريخية، فوثائق الخزانة البريطانية المفرج عنها تشهد على كرمهم الحاتمي الأصيل، خصوصا بعد أن وهب ملكهم ‘فيصل بن عبد العزيز’ فلسطين التي لا يملكها إلى اليهود “المساكين” الذين لا يستحقونها لتكون وطنا خالصا لهم إلى أن تقوم الساعة، وذلك بصكّ ملكية عبارة عن رسالة ملكيّة خطّية مختومة ومُوقّعة، سُلّمت للمبعوث البريطاني حينها.

وبعد أن استتب الأمر لليهود الصهاينة في أرض الميعاد، قرّر آل سعود الإنتقال إلى الخطوة التالية، المُتمثلة في تدمير كل معالم الحضارة الإسلامية في مكة والمدينة.. ومن إنجازاتهم العظيمة في هذا المضمار، أنهم سوّوا بالأرض كل قبور الصحابة الكرام، وهدموا بيت الرسول الأعظم (صلعم) التي كانت تملكه زوجته الكريمة السيدة خديجة (ر)، فحوّلوه إلى مرحاض يتبوّل فيه الناس، ومحوا كل ثرات يشير إلى أن هناك كانت حضارة إسلامية، ولم يبقى من شواهد التاريخ إلا ما ترويه الكتب وبعض الخرائط القديمة التي أنقذها أصحابها من الحرق.
مـن الهجــرة إلـى التّهجيــر..

وأمام صمت المسلمين، انتقلوا اليوم لأقدس مقدسات الأمة.. وفي هذا الصدد كتب سعوديون شرفاء على موقع “التويتر” يقولون، أن مكة المكرمة والمدينة المنورة تتعرضان لتغيير ديمغرافي خطير ومتعمّد، يستهدف تهجير سكانهما الأصليين عن الحرمين الشريفين، وتحويلهما إما الى مراكز استثمار يملكها أصحاب الدماء الزرقاء من وسط البلاد، وإبعاد الأهالي الى مدن أخرى، كما هو الحال مع سكان مكة المكرمة، او جلب عناصر قبلية بحيث تستطيع النخبة المناطقية الحاكمة الزعم بأن المدينة المنورة ليست حجازية بالمعنى الأصلي للكلمة والإنتماء، بل نجدية موطن الصعاليك زمن الجاهلية.

وتفيد المعلومات المُتّصلة بهذا المُخطّط الجهنّمي التّخريبي، أن عشرات الألوف من المواطنين يُهجّرون اليوم من منازلهم بحجة التطوير، ويُدمّر معها التراث المتبقي من تاريخ الإسلام، ولا يتم منح أصحاب الأملاك حقوقهم، ثم يأتي الأمراء واتباعهم فيحوّلون الجزء الأكبر من المساحة الى مشاريع استثمارية خاصة بهم.

وفي حديث للرسول الكريم (صلعم) أنه قال: (مَنْ أرادَ أهل هذه البلدة بسوء ـ يعني المدينة المنورة ـ أذابَهُ الله كما يذوبُ الملحُ في الماء).. أمّا مكة موطن قبلة المؤمنين، فلا زال المسلمون غير معنيين بما يحصل فيها من تخريب، وحين تسألهم ماذا أنتم فاعلون والوهابيون لم يتركوا لكم تراثاً حيّاً يشهد على تاريخ دينكم؟.. يقولون لك: “إن للبيت ربّ يحميه.. اذهب أنت وربك فقاتلا، إنّا هنا قاعدون”..
أفضال مملكة الرمال على العروبة..

بعض المحللين اللبنانيين يطيب لهم التغني في بعض الفضائيات بعروبة ‘ملوك الرمال’.. لكنك لو فتحت سجل تاريخ عروبتهم فستصاب بالغثيان، ولعل من أفضالهم على العروبة وأهلها، أنهم عارضوا بشدة، أواسط السبعينيات من القرن الماضي، مقترحا تقدمت به الجزائر للأمم المتحدة لإعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في المنتظم الدولي، ولولا مساندة روسيا والصين ودول عدم الإنحياز حينها لما كان لـ”اللّغة العربية” من وجود في مجلس الأمم اليوم..

ومن أفضالهم، أنهم نجحوا في إفشال كل الحروب العربية ضد إسرائيل، وحاصروا عراب القومية العربية ‘جمال عبد الناصر’ فانتهى به الأمر مقتولا بالسم..

ومن أفضالهم، أنهم خربوا جامعة الدول العربية ولم يسمحوا لها منذ تأسيسها بإصدار قرار عملي وتطبيقه على أرض الواقع، ما جعل قرارات هذا المنتظم الإقليمي عبارة عن حبر مكتوب على ورق لا يصلح حتى للإستعمال في المراحيض.

ومن أفضالهم، أنهم أضعفوا السودان الذي كانت الجامعة العربية تحضر له مشروعا ضخما للتنمية الفلاحية وتربية المواشي باعتباره سلة الغذاء العربي التي تحقق الأمن الغذائي لكل الدول العربية مجتمعة، فلا تحتاج بع ذلك إستيراد قمحها ولحومها وخضرها وفواكهها.. وها هو السودان يضيع اليوم بعد التقسيم، وها هي الحروب الأهلية تطل كل يوم برأسها طمعا في مزيد من التفتيت.

ومن أفضالهم، أنهم اشتروا ولاءات أنظمة فاسدة عميلة في المغرب وتونس ومصر وغيرها، وحوّلوا بوصلة إقتصادها من الإنتاج إلى سياسة الريع والإتكال على المساعدات التي لا تُشبع ولا تُغني من جوع، وأفسدوا التعليم فيها، وحوّلوا عواصمها إلى مواخير فساد بدعوى الإستثمار في السياحة.. هذا في الوقت الذي وضعوا أموال شعبهم المنهوبة بتريليونات الدولارات في أمريكا وأوروبا، ليظل المواطن السعودي والعربي فقيرا جاهلا مريضا متخلفا وعبدا لحكامه حتى يموت حزينا كئيبا مظلوما ومقهورا، وبذلك لن تقوم للعرب قائمة، فلا نهضة ولا من يحزنون..

ومن أفضالهم، أنهم تآمروا على الثورة الإسلامية الإيرانية الفتية، وخاضوا ضدها حربا ضروسا بالوكالة في عهد صدام حسين، ثم انقلبوا عليه فحرضوا على تدمير بلده وقتله وإعادة العراق إلى العصر الحجري.. وساهموا في إغتيال العديد من الشخصيات العربية من ساسة وعلماء ومثقفين، واشتروا أصحاب الضمائر الميتة والنفوس الضعيفة ليدبجوا المقالات بمناقبهم الوهمية..

ومن أفضالهم، أنهم تآمروا بالأمس القريب على ليبيا، فأعادوها إلى زمن الجاهلية الأولى، حيث تتحارب اليوم القبائل وكتائب الموت الوهابية بلا رحمة، وبلا مشروع، وبلا رؤية، وبلا هدف، سوى القتل من أجل الغنائم.

ومن أفضالهم، أنهم تآمروا على حزب الله مع الصهاينة، وحرضوا جيش ‘يهوه’ لإجتثات جذور المقاومة من جنوب لبنان، ليعم الأمن والمحبة والسلام بين حلفائهم في 14 الشهر وشعب الله المختار.. لكنهم فشلوا، لأن الله استجاب لدعوة رسوله الكريم حين قال: “اللهم بارك لنا في أهل الشام”، وحيث أن حزب الله من أهل الشام، فقد كان النصر إلهيا بامتياز.
أبعــاد الصــراع اليـــوم..

هذا غيض من فيض، وقد لا يسع المجال لسرد كل ما يتضمنه سجل ملوك الرمال والدماء والزيت من منجزات في حق الإسلام والعروبية والبشرية جمعاء.. لكن ما أوردناه، هو فقط للتدليل على أن الصراع الذي يدور اليوم في المنطقة هو مقدمة للحسم والفصل بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الإيمان والجهل، بين ثقافة الموت وثقافة الحياة.. لأنه صراع بين أهل الشام الكرام وآل سعود اللئام، وها قد انضم لأهل الشام أهل الحق في العراق ورجال الله في لبنان وشرفاء الثورة في إيران.. وأصبح الصراع يتجاوز السلاح إلى الفكر، فانضم للمعركة الكبرى اليوم كل شرفاء الأمة من عرب ومسلمين، بل وحتى أحرار العالم بعد أن اتخذ الصراع أبعادا دولية وتحول إلى صراع بين الإنسانية جمعاء وآل سعود الذين فاقوا الصهاينة اليهود قذارة وخسة ونذالة وخبثا..

وفي هذا الصدد، علينا أن لا نبخس آل سعود منجزاتهم العظيمة، فخلال العقود الأربعة الأخيرة، استثمروا في التنمية البشرية وخصوصا في تعليم مبادىء الديانة الوهابية الجديدة، ونجحوا في إقامة صوامع ومصانع ضخمة في مختلف البلدان العربية والإسلامية لإنتاج التكفيريين والإرهابيين الذين انتشروا كالطاعون في كل أصقاع الأرض، يقتلون ويدمرون ويفسدون… لتشويه الإسلام وأهله انتصارا للشيطان الأكبر القابع في البيت الأبيض، ودفاعا عن دولة اليهود من أبناء عمومتهم في فلسطين، لتكون لهم الغلبة والمجد والعزة على العرب والمسلمين.. وكان ولا يزال هدفهم هو أن يطفؤوا نور الله بأفواههم وإرهابهم، والله مُتم لنوره ولو كره الوهابيون، وقريبا سينقلب السحر على الساحر وسيجعل الله كيدهم في نحرهم، لأن مكرهم تكاد تزول من هوله الجبال.
مــاذا بعــد أمريكـــا؟..

ليس المقصود بهذا السؤال زوال أمريكا، بل زوال مملكة الرمال والدماء والزيت السعودية، ونهاية ديانتها الوهابية، بعد أن قرّرت أمريكا التخلي عنها لقدرها، وتركتها تصرخ وتستغيث كطفل فقد مُرضعته، وهو لا يمتلك مقومات الفطام.

فالنظام السعودي الذي كان يطرح نفسه كحليف لأمريكا في مواجهة إيران، تحول اليوم إلى وصمة عار في جبين أمريكا وعبء ثقيل يثقل كاهلها ويحرجها أمام شعبها وشعوب العالم، وأصبح هم إدارة ‘أوباما’ اليوم هو التخلص من السعودية، لتغسل وجهها من عار الإرهاب الذي أصبحت شريكا في صناعته بالوكالة، خصوصا بعد أن بدأ الإعلام النزيه والشجاع في الغرب، يكشف عن العديد من الخيوط التي تربط الإدارة الأمريكية بصناعة الموت في العالم.

وليس من باب الصدفة أن تفتح ملفات السعودية ومشيخات الخليج من قبل الصحافة الأمريكية والغربية المرموقة، التي بدأت تُكثر من المقالات التي تتحدث عن أن دول الخليج ستنتهي خلال سنوات، وتربط هذا المصير الحتمي بنزع المضلة الأمنية الأمريكية عن حكام الرمال والدماء والزيت، بعد أن انخفضت أهمية الشرق الأوسط في السياسة الأمريكية بسبب قرب تحقيق إكتفائها الذاتي في مجال الطاقة، وتوجهها إلى منطقة آسيا حيث الصراع حول النفوذ الإقتصادي والمالي العالمي سيكون على أشده في السنوات القليلة القادمة.
علـى سبيــل الختــم..

أود أن أختم بفقرة وردت في مقال زميل عزيز إسمه ‘علي أنزولا’ مدير موقع “لكم . كوم” المغربي، الذي جمعتني وإياه فترة صاخبة من النضال في وعاء حركة 20 فبراير المجيدة سنة 2011، حيث كان يجمعنا حلم إسقاط النظام الديكتاتوري الفاسد في المغرب، لكن السعودية كانت لنا بالمرصاد.. أما أنا، ففشلت المخابرات المغربية في الوصول إلي في المهجر.. أما الزميل ‘علي’ المقيم في المغرب، فقد اعتقلته سلطات الطاغية ‘محمد السادس’ قبل أسابيع بتهمة دعم الإرهاب، لأنه نقل عن جريدة “الباييس’ (البلد) الإسبانية خبرا برابط لفيديو، تتوعد فيه القاعدة المغرب بأعمال إرهابية وتتهمه بأنه عميل للصهيونية.

غير أن هذا المبرر الواهي الذي استنكرته كل منظمات حقوق الإنسان العالمية بما في ذلك الإدارة الأمريكية، لا يصلح كأساس لإدانة صحافي بعشر سنوات سجنا نافذا لمجرد أنه نقل خبر يهم المغرب عن مصدر دولي، لأن ناقل الكفر ليس بكافر.. وليتبين في النهاية أن سبب إعتقال الزميل ‘علي أنزولا’، هو مقال كتبه قبل إعتقاله بأيام قليلة تناول فيه مملكة الرمال والدماء والزيت تحت عنوان “السعودية.. الخطر الداهم”، فقلت حينها: “لقد انتهى مسار علي أنزولا الصحفي”.. وجاء في ختامه:

” إن المراهنة على نظام أسري مثل النظام السعودي سيكون حتما ضد الشعوب وربما ضد مصالح أمريكا نفسها، والأخطر من ذلك فهذا النظام بدعمه لجماعات دينية راديكالية يقوض كل امكانية لولادة الديمقراطية في المنطقة (…) لذلك يجب المراهنة على ارتفاع منسوب النضج السياسي لدى الشعب في الخليج، وخاصة الشباب (…) لقد كان الاعتقاد سائدا بأن أي تغيير يمس مصر يمكن أن يؤثر في دول المنطقة بحكم ثقلها الإستراتيجي وكثافتها السكانية وقوة تأثيرها الثقافي، لكن ما اتضح اليوم هو أن أي تغيير حقيقي في المنطقة يجب أن يبدأ من شبه الجزيرة العربية، ليس لأنها مهد الرسالة الإسلامية، وإنما لوجود أنظمة أسرية متحالفة فيما بينها تتربع على أكبر ثروة في العالم، لا تريد أن يحدث أي تغيير يمس مصالحها”.


*أحمد الشرقاوي - بانوراما الشرق الاوسط