الجماعات التكفيرية .. سلاح ذو حدين

الجماعات التكفيرية .. سلاح ذو حدين
الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٠:٢٨ بتوقيت غرينتش

منذ الغزو السوفيتي لافغانستان بداية ثمانينيات القرن المنصرم، تم في المختبرات الامريكية تصنيع كائن صُمم لارباك الجيش الاحمر واستنزاف قواه، دون ان يشكل خطراً علی امريكا وحليفتيها السعودية وباكستان، اللتين ساهمتا في عملية التصنيع تلك، فكان هذا الكائن"القاعدة".

بعد هزيمة الجيش الاحمر السوفيتي في افغانستان، تم تصنيع، في ذات المختبرات، "نسخة وطنية" افغانية عن القاعدة، الا وهي "طالبان"، لابعاد باقي التنظيمات الجهادية الافغانية عن سدة الحكم في افغانستان، وضمان بقاء هذا البلد في دائرة النفوذ الباكستاني السعودي وبالتالي الامريكي.

نتائج هذه الصناعة الامريكية، ورغم انها جاءت كما اراد مصنعوها، الا انها تحولت الی كارثة حلت بالمنطقة وشعوبها، واصابت شرورها بعض المصالح الامريكية والغربية ومصالح حلفائها في المنطقة ايضا، ومازال العالم يدفع الي اليوم ثمنا باهظا بسبب سياسة تصنيع المجموعات التكفيرية او سياسة تصنيع الضد النوعي.

لايبدو ان الخسائر الجانبية التي تكبدتها امريكا والغرب من صنيعتيها القاعدة وطالبان، والنتائج الكارثية التي حلت بالبلدان العربية والاسلامية بسببهما، قد ردعت امريكا او ردعت حتی حلفائها في الغرب والمنطقة من تكرار تجربة تصنيع مثل هذه التنظيمات التكفيرية، لخدمة مصالحها، حتی وان وضعت مستقبل المنطقة برمتها علی كف عفريت.

اليوم ومن اجل ضرب محور المقاومة في المنطقة، تم تصنيع نسخة اكثر طائفية واكثر قسوة وتطرفا من القاعدة وطالبان في المختبرات الامريكية، فكانت هذه النسخة "داعش"، التي اُنتجت خصيصا لتفكيك سوريا ككيان و استنزاف جيشها وتشتيت شعبها، وبالتالي الانقضاض علی لبنان وحزب الله.

مر علی تصنيع "داعش" اربعة اعوام، تمكن خلالها هذا التنظيم ان يحقق الكثير من الاهداف الامريكية في المنطقة مثل اشغال الجيش السوري واستنزاف قواه، وتدمير الاقتصاد السوري والبنية التحتية لهذا البلد، وجعل الملايين من ابناء الشعب السوري لاجئين ومشردين، و زرع الفتن الطائفية بين المسلمين، واخراج الكيان الصهيوني من معادلة الصراع، وجعل المسلمين والمسيحيين وباقي الاقليات الاخری، اعداء يجب القضاء عليهم باي شكل من الاشكال، ونقل الفتن الطائفية الی لبنان واستهداف الجيش والوحدة بين اللبنانين للوصول الی حزب الله.

واتساقا مع الطبيعة الذاتية للتنظيمات الارهابية عندما تتضخم، اخذت "داعش" بعض اليد التی اوجدتها وربتها ورعتها، كما عضت من قبل القاعدة تلك اليد، ولم تكن هذه اليد في كلتا الحالتين سوي امريكا والغرب وبعض من شارك في الجهد الذي افرز القاعدة وطالبان و "داعش" و "النصرة"، مثل باكستان والسعودية و قطر، صحيح ان الاخيرتين مازالتا في منأی عن خطر "داعش" و "النصرة"، بسبب كثافة الصبغة الطائفية لهذين التنظيمين، الا ان هذا الامر لن يدوم طويلا، وان النار التي حرقت بها السعودية وقطر سوريا سيصل شررها يوما ما اليهما.

ان الكلفة الباهظة التي دفعتها وتدفعها شعوب المنطقة والعالم، من امنها واستقرارها، جراء سياسة تصنيع مجموعات تكفيرية ارهابية، بهدف اسقاط انظمة واضعاف جيوش، و تغيير معادلات سياسية، و فرض اجندات خاصة بالقوة، يجب ان تدفع هذه الشعوب، والمنظمات الدولية، ومنظمات المجتمع المدني، والاحزاب والنخب الفكرية والسياسية والاعلامية في العالم اجمع، الی الوقوف صفا واحدا، في وجه هذه السياسة الكارثية العبثية، فسلاح المجموعات التكفيرية، هو اقذر سلاح تم انتاجه في مصانع امريكا، فهو يفتك بالعقول، ويمسخ الانسان ويحوله الی وحش كاسر لا يرحم بشرا ولا شجرا ولا حجرا، الا انه في الوقت نفسه سلاح ذو حدين، بسبب عجز مصنعيه علی التحكم به دائما، فهو كثيرا ما يخرج عن السيطرة، كما خرجت القاعدة بالامس، وكما هو حال "داعش" اليوم.

ماجد حاتمي - شفقنا