"داعش" الأفريقي!

الإثنين ٠٩ مارس ٢٠١٥ - ٠٦:٤٥ بتوقيت غرينتش

خمسة تفجيرات ورسالة بيعة. اخراج «جهادي» مثالي اعتمدته جماعة «بوكو حرام» النيجيرية الارهابية للانضمام الى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

هكذا، تناقلت وسائل الاعلام والمنتديات «الجهادية» خبر تمدّد «داعش» المزعومة الى الغرب الافريقي، بعد سيناريوهات مشابهة في شمال افريقيا، خصوصاً في مصر («ولاية سيناء»)، وليبيا («ولاية برقة» و «ولاية طرابلس»)، واماكن اخرى.
ولكن من غير الواضح بعد ما إذا كانت رسالة البيعة التي نشرها ابو بكر شيكاو، امس الاول، تمثل تحالفاً حقيقياً بين «بوكو حرام» و «داعش»، أم انها مجرّد بروباغاندا «جهادية» اعتمدها التنظيم النيجيري المتشدد لرفع الروح المعنوية غداة انتكاسات ميدانية، قد تتفاقم خلال اليومين المقبلين، بعد إعلان تشاد والنيجر يوم امس عن شن عملية عسكرية واسعة ضد «بوكو حرام».
رسالة البيعة
وفي رسالة صوتية بعنوان «بيعة جماعة اهل السنة للدعوة والجهاد لخليفة المسلمين ابي بكر البغدادي»، قال شيكاو: «من أخيكم في الله ابي محمّد ابي بكر بن محمد الشكوي، إمام جماعة اهل السنة للجماعة والجهاد، الى خليفة المسلمين ابي بكر ابراهيم بن عواد بن ابراهيم الحسيني القريشي. نرسل اليكم، امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، لقول الله تعالى: واعتصموا بحبل الله تعالى ولا تفرقوا، ولقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
واضاف شيكاو، في الرسالة الصوتية التي استهلت بنشيد «انشروا البشرة جميعاً» والذي تقول كلماته «أمّتي فاستبشري فتعدّينا الحدود... لم تعد في ارضنا رسم احفاد القبور»: «نعلن مبايعة الخليفة ابراهيم بن عواد بن ابراهيم الحسيني القريشي على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر... والا ننازع الامر اهله إلا ان نرى كفراً بواحاً، عندنا فيه من الله برهان».
ودعا شيكاو «المسلمين في كل مكان» الى «مبايعة الخليفة ونصرته طاعة لله وتحقيقاً لواجب العصر المضيع».
واضاف: «بايعنا لأن صلاح هذه الامة في دينها ودنياها لا يتحقق الا بإمام يسوس الناس بشرع الله، ويحارب المعاندين والصادين عن دين الله». وتابع: «بايعنا لأنه لا علاج للخلاف إلا بالخليفة».
وختم شيكاو رسالته قائلاً ان «اجتماعنا تحت امام واحد اشد على أعداء الله من الف نصر في ميدان القتال».
«طالبان نيجيريا»
حين بدأ اسم «بوكو حرام»، او «التعاليم الغربية حرام» باللغة الهوساوية المحلية، كان الحديث يدور عن نموذج للحركات المتشددة المتأثرة فكرياً بحركة «طالبان» الافغانية.
والواقع ان عوامل عدّة اسهمت في اطلاق تسمية «طالبان نيجيريا» على ما يعرف بـ «جماعة اهل السنة للدعوة والجهاد»، ومن بينها تنامي خطرها بعد عام واحد على هجمات 11 أيلول العام 2011، في الولايات المتحدة، وما تلاها من أحداث افضت الى غزو افغانستان وإسقاط حكومة «طالبان» بزعامة الملا عمر، فضلاً عن ظروف نشأة تلك الجماعة المتشددة (1995)، ودعوتها الى تطبيق الشريعة الاسلامية في الدولة الافريقية الغربية.
ولكن يبدو ان الجماعة النيجيرية، وعلى اثر تنامي قوتها في شمال نيجيريا، حيث تسيطر اليوم على مساحة تتراوح بين 20 و40 ألف كيلومتر مربع، وتمتلك اسلحة ثقيلة من بينها دبابات استولت عليها من الجيش النيجيري، قد بدأت تميل اكثر الى التماهي مع تنظيم «داعش»، الذي ترفع رايته السوداء الممهورة بختم «محمد رسول الله».
وكان لافتاً ان «بوكو حرام» قد عمدت، الاسبوع الماضي، الى بث شريط مصوّر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سعت، على ما يبدو، من خلاله الى التماهي مع ممارسات «داعش» التوحشية، في ما اعتبره متتبعو نشاطات الجماعات الجهادية الاول من نوعه بالنسبة الى هذا التنظيم الافريقي.
واظهر التسجيل المصور متشدِّدِين يقفون خلف رجلَين جاثيَين، وأيديهما مقيدة خلف ظهريهما، بينما يقف رجل إلى جوارهما وهو يحمل سكيناً، ويطلب من أحد الرجلَين أن يقول إنهما تلقيا أموالاً من السلطات للتجسس على الجماعة الارهايبة، قبل أن ينتقل التسجيل المصور إلى مشهد آخر يظهر جثتَيهما مقطوعتَي الرأس.
وبحسب موقع «سايت» المتخصص في تتبع نشاطات الجماعات المتطرفة، فإن الفيديو الذي أطلق عليه اسم «حصاد الجواسيس» تم نشره بواسطة خلية إعلامية تابعة لجماعة «بوكو حرام»، وهي خلية جديدة أنشأتها الجماعة المتشددة للتواجد بشكل أكبر على موقع «تويتر».
واشار «سايت» الى ان الفيديو الجديد تم تصويره باحترافية أكبر من الفيديوهات السابقة للجماعة النيجيرية، ويشبه إلى حد كبير الفيديوهات التي يقوم بتصويرها تنظيم «داعش».
وكان لافتاً للانتباه كذلك، ان «بوكو حرام»، التي تكبدت خسائر كبيرة خلال الاشهر الماضية بعد حملة عسكرية نفذتها قوات متعددة الجنسيات ضدها، قد استبقت اعلان رسالة البيعة لـ «داعش» بتنفيذ اربعة تفجيرات انتحارية في مدينة مايدغوري، عاصمة ولاية بورنو، ما اسفر عن مقتل 54 شخصاً واصابة نحو 145، وتفجير انتحاري خامس ادى الى اصابة ثلاثة شرطيين وثلاثة آخرين من عناصر الحماية المدنية.
وبحسب ما قال مدير معهد أفريقيا لدى مجموعة مجلس الأطلسي في واشنطن بيتر فام، في تصريحات نشرت بعد بث فيديو الذبح، فإن المرجح عدم وجود اتصالات عملية بين «بوكو حرام» و «داعش»، ولكنه يرى ان الجماعة النيجيرية تتابع ما يقوم به «داعش»، وأن الاخير مهتم بما تفعله «بوكو حرام».
واضاف: «إننا نشهد تقاطعا في النشاط، فقد خطفت بوكو حرام تلميذات في شيبوك، كما أن تنظيم داعش خطف نساء إيزيديات»، مشيرا كذلك الى ان «سيطرة التنظيم على مساحة شاسعة على جانبي الحدود بين سورية والعراق، شجع بوكو حرام على القيام بالمثل في شمال نيجيريا».
لكن جاكوب زن، الخبير في الشؤون الأفريقية في مؤسسة «جيمستاون» الأميركية للأبحاث، يشير الى أن «حركة بوكو حرام، وبالرغم من أنها حصلت في البدء على تمويل ودعم أيديولوجي من جانب القاعدة في المغرب الإسلامي، إلا أنها تبنت أخيرا العقيدة العسكرية والأيديولوجية لتنظيم داعش وحصلت في المقابل على ضمانات بالاعتراف بها من جانب التنظيم».
وبحسب «معلومات استخباراتية» نقلتها شبكة «سي ان ان» الاميركية، فإنّ «تنظيم داعش ضغط مؤخرا من أجل حل خلافات داخلية بين جناحين كبيرين في جماعة بوكوحرام».
ماذا بعد البيعة؟
قد تبدو المسافة بعيدة بين المناطق التي يسيطر عليها «داعش» ومناطق نفوذ «بوكو حرام» في أفريقيا، لكن الجماعة النيجيرية المتطرفة، ربما باتت تشكل امتداداً لـ «داعش»، في حال تأكدت جدية البيعة للبغدادي، وهو ما يفترض ان يتم عبر رسالة صوتية للمتحدث الاعلامي باسم «داعش» ابو محمد العدناني تتضمن إشارة الى قبول بيعة أبي بكر شيكاو.
وثمة حاجة الى انتظار اشارة من البغدادي بشأن قبول بيعة شيكاو، وهو امر، وإن لم يكن شرطاً لانضمام فصيل ما الى تنظيم «داعش»، الا انه يبقى مهماً في حالة «بوكو حرام»، وذلك لسببين:
- السبب الاول، يتمثل في ان الحديث عن انضمام الجماعة النيجيرية المتشددة الى «داعش» تردد كثيراً خلال الاشهر الماضية، حتى ان شيكاو نفسه سبق ان اعلن قيام الخلافة في ولاية بورنو، واعرب عن دعمه لتنظيم ابي بكر البغدادي وتنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان»، وان كان لم يعلن البيعة بشكل صريح.
- السبب الثاني، ان ما واجهه هذا التنظيم المتشدد خلال الاشهر الماضية من انتكاسات، على اثر حملات عسكرية متعددة الجنسيات، يدفع البعض الى القول ان رسالة البيعة هي مجرّد بروباغندا «جهادية»، في ظل تواصل الاستعدادات لشن عملية شاملة ضد المتشددين في شمال شرق نيجيريا.
وفي حال تأكد امر البيعة، فإن «بوكو حرام» ستصبح بذلك اكبر جماعة «جهادية» تعلن ولاءها لـ «داعش»، بحسب ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو ما سيطرح تساؤلات عدّة، سواء بشأن تداعيات هذه الخطوة على القارة الافريقية، او بشأن العلاقة بين الفرع النيجيري والتنظيم الام في العراق والشام.
وفي هذا الإطار، ذكرت الباحثة في مؤسسة «سايت» ريتا كاتز، في تغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، ان رسالة زعيم «بوكو حرام» تظهر ان «داعش» يواصل جذب الجماعات الجهادية حول العالم.
وفي ما يخص العلاقة المستقبلية بين «بوكو حرام» و «داعش»، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن خبراء في شؤون الحركات الجهادية أن مبايعة أبو بكر شيكاو للبغدادي تشير الى ان الجماعة النيجيرية قد وافقت على أن تخضع لسلطة «داعش».
ولكن الصحيفة الاميركية اشارت الى انه «ما زالت هناك تفاصيل غير معروفة بشأن كيفية السيطرة المباشرة لقادة تنظيم داعش على وكلائهم البعيدين».
ويقول هارون زيلين، الباحث في «معهد واشنطن»، والذي يتعقب الدعاية التي يقوم بها المتطرفون الإسلاميون، لـ «نيويورك تايمز»، انه «من الواضح تماما أنه منذ منتصف كانون الثاني/يناير الماضي على الأقل كانت هناك صلات على مستوى معين بين تنظيم داعش وبوكو حرام»، لكنه أثار تساؤلات في ما إذا كان بوسع داعش إرسال أفراد من سوريا والعراق أو من ليبيا إلى شمال نيجيريا للمساعدة في العمليات في ساحات القتال أو لإرساء منهجه المتعلق بطرق الحكم.
من جهته، قال مسؤول في الاستخبارات الاميركية لصحيفة «نيويورك تايمز»، ان « بوكو حرام لا تتلقى أموالا أو دعما ماديا من داعش، ومن غير المرجح أن تتلقى أوامر منه، ولكن من الوارد أن يكون لهذا الولاء أغراض دعائية أكثر من أي شيء آخر».
وتبدو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية متشككة في إمكانية نجاح الاندماج بين الحركتين، بحسب ما ذكرت شبكة «سي ان ان»، خاصة أن «بوكو حرام» تركز بشكل كبير على الشأن الأفريقي، في حين أن قيادة «داعش»، المكونة أساسا من العرب، قد تكون لديها نظرة عنصرية تجاه السود، بحيث يتعاملون مع «بوكو حرام» وزعيمها بشكل دوني.
وبرغم ذلك، يرى المصدر ان «انضمام بوكو حرام لداعش تطور مبرر للطرفين، فبوكو حرام ستحصل على الشرعية التي تساعدها على اجتذاب المقاتلين والأموال وتوسيع نشاطها نحو دول غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية، وستحصل أيضا على مساعدة من داعش في كيفية شن الحملات الإعلامية، ففي السابق كانت الحركة خارج سياق جماعات الجهاد العالمية، ولكنها قد تصبح اليوم التابع الأهم لداعش الذي سيكسب المزيد من الشرعية والقبول العالمي لخلافة زعيمه، وهو ما يخلص اليه المحلل البارز في مجمموعة ادارة الازمات البريطانية «رد 24» يران كومينغز بقوله ان الهدف الرئيسي من إعلان «بوكو حرام» الولاء لـ «داعش» هو أن تبعث برسالة علنية تقول: «نحن والدواعش على جانب واحد في الوقت الحالي».

«بوكو حرام»: من «الدعوة» إلى «الجهاد»
تعود الجذور التاريخية لجماعة «بوكو حرام» الى العام 1995، حين أنشأ أبو بكر لاوان «جماعة أهل السنة والهجرة» وجناحها الشبابي «منظمة الشباب المسلم» في مايدغوري في ولاية بورنو، في شمال نيجيريا.
وضمت الجماعة الإسلامية وقتها مجموعة من الطلاب، تخلوا عن الدراسة، بذريعة أن «بوكو» أو التعاليم الغربية «حرام» (ومن هنا جاءت تسمية «بوكو حرام» لاحقاً)، وأقاموا قاعدة لهم في قرية كاناما في ولاية يوبه شمالي شرقي نيجيريا على الحدود مع النيجر، مختارين الانعزال عن المجتمع «الكافر».
لكن «جماعة أهل السنة والهجرة» و «منظمة الشباب المسلم» شهدتا تحولاً مهماً في العام 2002، حين تولى قيادتها محمد يوسف، اذ اختارت ان تنتقل من العمل الدعوي، المقتصر على تحريم التعاليم الغربية والعمل فرض التطبيق الصارم لتعاليم الشريعة الإسلامية، الى العمل الحركي الجهادي القائم على تنفيذ عمليات مسلحة ضد الشرطة والمصالح الحكومية، بالإضافة الى استهداف المسيحيين.
واختارت «بوكو حرام» محمد يوسف «أميراً عاماً» لها، الى جانب نائبين للأمير العام، وأمراء لكل ولاية.
وفي أعقاب اغتيال محمد يوسف في العام 2009، شهدت «بوكو حرام» تراجعاً أفضى الى فترة من الهدوء.
ولكن أبو بكر شيكاو، نائب محمد يوسف الذي تولى زعامة «بوكو حرام» بعد اغتياله، شرع في إجراء تغييرات على الهيكلية التنظيمية للجماعة المتشددة، معلناً الولاء لتنظيم «القاعدة»، الذي بادر الى تقديم الدعم اللازم للجماعة النيجيرية.
وفي العام 2010، استأنفت «بوكو حرام» عملياتها المسلحة بسلسلة من الاغتيالات، ومنذ ذلك الحين راحت تلك الدولة الافريقية تشهد باستمرار تفجيرات وعمليات انتحارية.
وترجع وسائل تمويل الجماعة إلى مصادر عدّة، أبرزها رسوم العضوية، وتبرعات السياسيين والمسؤولين الحكوميين، والدعم المالي من المجموعات الإرهابية الأخرى مثل تنظيم «القاعدة»، بالإضافة الى عائدات الجريمة المنظمة، وبخاصة السطو على المصارف، وعمليات الخطف والاتجار بالمخدرات والسلاح، وأنشطة التهريب.

المصدر / السفير

تصنيف :