مقرن، ضحية السديريين.. فمن سيكون بعده؟

مقرن، ضحية السديريين.. فمن سيكون بعده؟
الخميس ٣٠ أبريل ٢٠١٥ - ١٠:١١ بتوقيت غرينتش

الأمر الملكي السعودي الذي أطاح بأصحاب عشرة مناصب عليا في السلطة وفي مقدمتهم الأمير مقرن ولي العهد، لم يأت من فراغ، بل كان نتاجاً لأمرين: أحدهما صراع داخلي على السلطة والآخر اتجاه جديد في السياسات الداخلية والخارجية، ولربما يكون اوّل تداعيات الاتفاق النووي الايراني ـ الأميركي ونتائج العدوان على اليمن.

ومع ان تغيير الأمير مقرن ولي العهد واعفاء وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل لم يكن مستبعداً وقد تحدث عنه بعض المطلعين منذ فترة الّا ان سرعة التغيير ونفاذ صبر الملك بهذه العجالة، هو المستغرب.. خاصة فيما يتعلق بولي العهد، مقرن بن عبدالعزيز، الذي أكدت هيئة البيعة عند تعيينه بأنه لايتغيّر.. ومن هذا المنطلق وصف البعض التغييرات بأنها “انقلاب“ سديري ثالث بعد انقلابي الملك فيصل على الملك سعود في 1964 واطاحة الملك فهد بالملك خالد في 1982، لكن هذه المرة تخطى العرف القائم بأولية الأبناء على الأحفاد، حسب وصية تنسب للمؤسس عبدالعزيز آل سعود.

اقصاء مقرن (وأمه من اليمن) الذي يحكى انه على خلاف مع الملك ومحمداه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وبالتحديد العدوان على اليمن، كما يعارض تدخل المملكة في العراق وسوريا وباقي جيران السعودية، يجعل الحكم السعودي في قبضة الجناح السديري تماماً والمعروف بسياسة القبضة الحديدية والتحالف مع المؤسسة الدينية “الوهابية“ في الداخل والارتماء تماماً في احضان الغرب (أميركا على وجه التحديد) على صعيد السياسة الخارجة... لذلك فأن التحالف الوهابي ـ الأميركي لم يكن بعيداً من صفقة “الانقلاب“ هذه، في ظل توقعات بتدهور حالة الملك سلمان الذي يعاني من أمراض عديدة وفق تقارير غربية، خاصة وان اعطاء وزارة الخارجية الى السفير عادل الجبير فيه اكثر من الدلالة على ان الطبخة جرت في واشنطن، وان الأميركيين استغفلوا الأجنحة الاخرى في الاسرة السعودية، وخاصة جناح متعب بن عبدالله، بالضبط كما فعلت بريطانيا مع شريف مكه، عندما باعته الى ابن سعود!

عادل الجبير، الذي حلّ مكان سعود الفيصل وزير خارجية المملكة لمدة اربعة عقود (1975-2015) لم يكن سوى موظف محلي عينه الامير بندر بن سلطان عندما كان سفيراً للمملكة في واشنطن، ليتحول دفعة واحدة الى سفير السعودية في واشنطن عام 2006! والغريب ان وجوده في حلقة التويجري ـ متعب لم تضرّ به رغم شدّة القمع الذي طال الآخرين ومنهم نجل الملك السابق ووزير الحرس الوطني الأمير متعب الذي ينتظر مصيره على يد المحمدين!

اذا هي جزء من عملية صراع بين اجنحة الاسرة، وبالتحديد بين السديريين وغيرهم من ابناء عبد العزيز آل سعود.. هذا الصراع الذي استطاعت أسرة عبدالعزيز خلال فترة اكثر من ستة عقود الحيلولة دون توسعه وتحوله الى عملية تمرد وانشقاق، رغم ان الاستحواذ السديري هذه المرّة كان واسعاً وشديداً ويجعل المملكة على مدى عقود تحت سلطتهم دون الأمراء الآخرين.

وما يهمنا هنا هو الأجابة على سؤالين اساسيين: الاول، ما هي الاسباب التي أدت الى هذه التغييرات؟ وثانياً، ما هي تداعيات ذلك على السياستين الداخلية والخارجية والملفات الساخنة التي تشتبك فيها السعودية مع البلدان الأخرى؟

فيما بتعلق بالسؤال الاول، وكما وقلنا فأن الجزء الأهم من أسباب التغيير يعود الى الصراع على السلطة (قمة الهرم) بين أبناء وأحفاد عبدالعزيز آل سعود، والّا لماذا تقصر علية “ضخ دماء جديدة“ كما يبرر الاعلام السعودي الانقلاب على السديرين دون غيرهم، مع وجود آخرين نجحوا في مجالات أعمالهم؟!

يضاف الى ذلك شعور النظام السعودي بأنه يشيخ ولايستطيع مواكبة التطورات الحاصلة في المنطقة والعالم، وان هيمنة عقليات قديمة على قراره (رغم أنني أعتقد أن القرار السعودي في خطوطه العامة على الصعيد الخارجي ـ على الأقل ـ لم يكن داخلياً ابداً وانما كان مستورداً على الدوام!) تفقده الشرعية التي ينادي بها في البلدان الاخرى! لذلك فأن وجود وجوه شبابية سيدعم مشروعيته في الداخل لدى قطاعات الشباب، مع انعدام أفق المشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية والمجتمعية.
وكما هو معروف فأن أهم ما يواجهه النظام السعودي اليوم، هو تداعيات الأتفاق النووي الايراني مع مجموعة 1+5 وأميركا على وجه الخصوص، حتى أن السعودية (وشقيقاتها الخليجيات) تشعر بالخوف من فقدانها دعم حاضنتها التاريخية الولايات التحدة، لذلك أرى ان وضع شخصين معروفين بأنتمائهم “للرعاية“ الأميركية الخاصة، وأقصد بن نايف والجبير (على أمل ان يلتحق بهم بن سلمان) هدفه الارتماء اكثر في دفئ الحضن الأميركي واستعجال ايصال الرسالة قبل الاجتماع الأميركي ـ الخليجي المرتقب.

والأمر الآخر هو العدوان على اليمن والذي يدخل اسبوعة السادس دون نتائج حقيقية على الأرض، غير قتل المدنيين وتدمير البلد والسعي لتقسيمه.. هذه الحرب التي جعلها النظام سلّماً لصعود بن سلمان الذي لم يحقق شيئاً يذكر وفرصة لبسط نفوذ بن نايف على الداخل والتي يأمل السعوديون ان تنتهي بعودة نفوذهم الى اليمن حتى لو أدى ذلك الى تدميرها وتقسيمها...
ولربما أستعجل السعوديون، النتائج فلا يزال هناك الكثير في اليمن لم تتضح ملامحها بعد.. وكما قلت سابقاً لايزال هناك متسع حتى آخر الخريف!

أما بالنسبة للتداعيات الداخلية والخارجية لهذا التغيير، فمن الطبيعي ان يصعّد ذلك خلافات هي قائمة منذ زمن بين الأمراء الذين يبلغون اليوم اكثر من 5 آلاف.. وطبيعي ان يحدث نوع من الاستقطاب بينهم على قاعدة أمهاتهم وانتماءاتهن القبلية والمناطقية، بالنظر لطبيعة المجتمع السعودي القبلية... مع ان الجميع متفق على ان صعود بن نايف الى ولاية العهد يعني المزيد من القمع وسلطة أجهزة الأمن، كما يعني بسط يد المؤسسة الدينية في مصادرة حقوق الناس بذريعة صيانة القيم وتطبيق التعاليم الاسلامية.

والدماء الجديدة التي يجري الحديث عنها سوف تعمد الى انجازات شكلية لن تؤثر في حياة المواطن وتنمية المجتمع.. فالاتجاه العام اليوم هو المزيد من التوظيف في القطاعات العسكرية... والدولة التي تعجز عن صناعة سيارة او دراجة هوائية اعلنت يوم أمس انها تريد بناء مصنع لانتاج السفن الحربية ودخول النادي النووي! وهذا خير دليل على الاستعراضية والدعاية المجردة، لسد عقدة التخلف والنقص في مقابل ايران.

أما خارجياً، فبأعتقادي ستكون سياستها اكثر صدامية وقد تتورط في ملفات مكلفة للغاية.. لأنه ومع كل عيوب “المسنين“ فأنهم كانوا يتجرعون مرارة الفشل الذي اعتادوا عليه خلال العقدين الماضيين، لأنهم يدركون حجم قدراتهم ويدركون مدى قوة او ضعف الآخرين.. أما الشباب والجدد على السياسة، فيظهر أنهم عاجزون عن فهم واقعهم ونسيج العلاقات المحيطة بهم في الاقليم، ولعله في تفاصيل العدوان على اليمن أكبر دليل على ذلك، رغم كل الدعم المقدم للسعودية من أميركا وبريطانيا وفرنسا ورغم كل الأموال السعودية التي صرفت لحدّ الآن.
يبقى أمر واحد ذو دلالة كبيرة ورد في القرار او الاوامر الملكية السعودية لا تخلو الأشارة أليه من فائدة.. وهو“صرف راتب شهر لمنسوبي جميع القطاعات العسكرية والأمنية من أفراد وضباط ومدنيين“.. والذي يعني بأختصار شديد: ان “الانقلاب“ يحاول شراء ولاء العسكر والأمن ويخاف من “تمرد“ فيسعى الى اسكاته والحيلولة دونه بالمال.. والّا ما هي علاقة الاعفاءات والتعيينات الحكومية لو كان الأمر مسألة طبيعية بأسترضاء العسكر؟!
فهل سنكون على موعد مع "تمرد" داخل البيت السعودي أو من قبل قيادات عسكرية تعاني من سيطرة بن سلمان ومغامراته.. أم أن هناك ضحية أخرى على يد السديريين أو ينتقل الصراع والاطاحات الى داخلهم؟ الايام والزمن هما الكفيلين بالاجابة!

* علاء الرضائي