"إخوان بنكيران" والخمور.. فقه مصالح أم تعايش مع "الحرام"؟!

الأحد ٣٠ أغسطس ٢٠١٥ - ٠٢:١٢ بتوقيت غرينتش

ينصُّ دستورُ المغرب على أنَّ "المملكة المغربيّة دوْلةٌ إسلاميّة"؛ لكنَّ كثيراً من المعاملات "المُحرّمة شرْعا"، مثلَ صناعة وتجارة الخمور وألعاب الرهان وغيرها من المكاسب المحرمة، تتمُّ بشكلٍ قانونيٍّ منذُ عقودٍ، وتُضَخُّ في خزينة الدولةِ أموالٌ مُهمّةٍ مُستخلصة من هذه "المعاملات المُحرّمة"، على شكْل ضرائب.

كانَ ذلك أمراً "عاديا"، على اعتبار أنَّ المغربَ، وإنْ كانَ دستوره ينصُّ على أنَّ البلد "دولة إسلامية"، إلّا أنّه بلد "منفتح"، غير أنَّ وصولَ حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية إلى الحكومة غداة انتخابات 25 نونبر 2011، وازتْه أسئلة حوْل مَا إنْ كانَ الحزبُ سيستمرُّ في التعايُش معَ مُمارسات لا تنسجمُ مع مرجعيّته الاخوانية (على غرار العدالة والتنمية في تركيا الذي تعايش مع محرمات الفترة العلمانية).

تعايُش مع "الحرام"

معَ مرور الشهور والسنوات التي قضَّاها إخوان ابن كيران في مقطورة قيَادة الحكومة، تأكّدَ أنَّ الحزبَ لديْه قابليّة للتطبيع مع جميع الممارسات السائدة، حتّى وإنْ كانتْ لا تنسجمُ مع تعاليم الشريعة الإسلامية، فكازينوهات القمار، مثلا، ما زالتْ تعملُ بشكل عادٍ، وصناعة الخمور كما تجارتُها ما زالتْ مستمرّة، وحكومة "الإسلاميين" تستخلصُ الضرائبَ من كلّ هذه المحرّمات.

في خرْجة قويّة أواخر السنة الماضية، أحْرجَ رئيس حركة التوحيد والإصلاح السابق، أحمد الريسوني، حزب "المصباح"، حينَ أفْتى أنَّ شرب الدخان وترويجه وبيعه وأكل أمواله كلها "أعمال خبيثة مُحرّمة"، وحكومة "الإسلاميين" تأكُل نصيبا من الأموال المتأتّية من صناعة الدخان، من خلال الضرائب التي تستخلصها منها، أيْ أنّها تُنعشُ خزينة الدولة بـ"المال الحرام".

لكنْ، هلْ يستطيعُ حزبُ العدالة والتنميّة الذي وصَل إلى الحكومة على ظهْر "الربيع الديمقراطي" الذي اجتاحَ المنطقة سنة 2011 تفعيلَ ما تنصُّ عليه الشريعة الإسلامية في بَلَدٍ تُتَّخذُ قراراتُه الكبْرى من جهاتٍ أخرى غيْر الحكومة؟ وفي المقابل، كيْفَ لحزبٍ ذي مرجعيّة إسلامية أنْ يتعايَش مع هذا الوضع؟ وهلْ يدلُّ ذلك على تناقُضٍ بيْن بيْنَ المرجعيّة والممارسة؟

يقولُ عثمان كاير، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء: "لا أعتقد أن في ذلك تناقضا إذا ما ربطنا ذلك بالتحول العميق الذي شهده السلوك السياسي لحزب العدالة والتنمية، والذي تخلى عنْ بعض الشعارات المرفوعة سابقا لصالح "مقاربة واقعية" في تدبير بعض الملفات التي تتصل في جزء منها بمرجعيته الإيديولوجية".

التحوُّل العميقُ في السلوك السياسي لحزب العدالة والتنمية الذي أشار إليه كاير، يُمْكنُ قراءتُه بين سطور جُمْلةٍ قصيرةٍ في حوارٍ للأمين العامّ للحزب عبدالإله بن كيران مع مجلة "زمان" في نسختها العربية، قالَ فيها: "في السياسة اقتنعنا أنَّ ما يحثّنا عليه الدين هو أن نشارك مع قَوْمنا، وعندما يُصوّتُ علينا الناس فَلِنَحُلَّ مشاكلهم وليس لنفرض عليهم أيَّ شيء"..!

ويؤكّدُ عثمان كاير أنَّ حزبَ العدالة والتنميّة ذهبَ أبْعدَ من ذلك، وتجاوز مطلبه التقليدي بمنع ترويج الخمور إلى المطالبة فقط بالرفع من مُعدل الضرائب المفروضة على مستهلكيها، ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني في ذلك "تطبيعاً ضمنيًّا مع بيع الخمور ومداخيلها".

في المقابل هناك من يرى في "الانفتاح" الذي يُحاولُ حزبُ العدالة والتنمية التدثّر به نوعا من "التقيّة"، في انتظار أنْ تكونَ الظروف مواتيّة لتطبيق الشريعة، وبالعودة إلى حوار مجلة "زمان"، فإنّ زعيم الحزب لا يُعارضُ تطبيق أحكام الشريعة في المغرب. "إذا أرادها المجتمع (أي الشريعة) فَلِمَ لا"، يقول بن كيران.

"فقه المصالح"!

الخبير الاقتصادي عمر الكتاني يقرأ الموضوعَ من زاوية أخرى. "في الشريعة الإسلامية هُناك فقه اسمه فقه المصالح، أو فقه الواقع بتعبير العصر، ومنْ خلاله يُمكنُ أن ننظرَ إلى تجربة حزب العدالة والتنمية، فوُصولُ الحزب إلى الحكومة كانَ من الأسباب التي جنّبت المغربَ الوقوعَ في ما يجري في بلدانٍ أخرى من فِتنٍ"، يقول الكتاني في حديث لهسبريس.

ويُضيف المتحدّث أنَّ حزبَ العدالة والتنمية حتّى وإنْ كانتْ لديه رغبةٌ في تغيير بعْض الأشياء التي قد لا تنسجمُ مع مرجعيته الإسلامية، وأشياء أخرى، فلنْ يتأتّى له ذلك بالسهولة التي يُمكن تصوّرها، وقدْ لا يتأتّى ذلك أبدا، "لأنّ هناك واقعاً يتحكّم فيه نظام له قواعدُ وتوازنات"، وأشار الكتاني إلى المحاولات التي بذلتْها الحكومة لإصلاح الإعلام والتي باءتْ بالفشل.

غيْرَ أنّ هناك من يتساءل عنْ جدْوى بقاء حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومة، طالما أنّه عجَزَ عن إحداث تغييراتٍ جوهريّة، ويتعايشُ مع مناخٍ منافٍ لمرجعيّته. ويردّ الكتاني بالقول: إنَّ أصحابَ هذا الموقف عليْم أنْ ينظروا إلى الوضع من زاوية أشمل، ويستحضروا أنَّ وصول الحزب إلى الحكومة جنّبَ المغربَ كثيرا من العواصف، مُضيفا: "يجبُ ألّا ننسى أنّهم (حزب العدالة والتنمية) قد لا يكونون راضينَ عن الوضع القائم".

لا مفرَّ من ضرائب الخمور!

استمرارُ ضخّ الأموال المستخلصة من الضرائب على الخمور والسجائر والميْسر وغيْرها من الصناعات والمعاملات التي حرّمها الإسلام، بعْد وصول "الإسلاميين" إلى الحكومة، لأوّل مرة في تاريخ المغرب، يطرحُ سؤالَ ما إنْ كانَ التخلِّي عن هذه الضرائب أمراً ممكنا، خاصّة في ظلّ الحاجيات المتنامية لخزينة الدولة للموارد المالية.

يقول عثمان كاير إنَّ هذه الفكرة تبْقى غيرَ واقعيّة، وغير قابلة التطبيق، بالنظر لمجموعة من الاعتبارات الأساسية، أهمُّها المبادئ الأساسية للمالية العمومية، ومن أبرزها مبدأ الشمولية، حيث لا يمكن تخصيص مدخول مُعَيَّن من أجل إنفاق محدد، ويضيف كاير أنَّ إلغاء الضرائب المحصلة من الخمور يخرق مبدأ دستوريا رئيسيا يهم المساواة أمام القانون والضرائب والتحمل المتكافئ للتكاليف العمومية.

ويستطرد المتحدّث أنّ كونَ صُنع وترويج الخمور تعد أنشطة اقتصادية قانونية ومرخصة يجعل من غير المعقول استثناءها من الضرائب تحتَ ذريعة أخلاقية "مشكوك أصلا في مدى وجاهتها"!!!، كما أنَّ استدعاء بعض الاعتبارات الدينية في المجال الاقتصادي يصبح من دون معنى عندما تتأسس المنظومة الاقتصادية في شموليتها على مبادئ وضعية.

أمّا عمر الكتاني فيقول إنَّ المشكلَ في الأساس لا يكْمُن في استخلاص الضرائب من الخمور، بلْ في إنتاجها واستيرادها. "الأمور تُعالَجُ في أصولها"، يقول الكتاني، ويتابع: "ليسَ العيب في منْ جنى، بلْ في من زرع".

(تنويه من العالم) بعض الاراء الوادة باسم الدين تتعارض مع النص القراني والصحيح والمشهور والمتفق عليه من الروايات.

هسبريس/ محمد الراجي