كلمات في ذكرى مولد الإمام الهادي عليه السلام

كلمات في ذكرى مولد الإمام الهادي عليه السلام
الإثنين ٢٨ سبتمبر ٢٠١٥ - ٠٣:٠٠ بتوقيت غرينتش

كان أئمة اهل البيت الاثنى عشر صلوات الله عليهم خير من عرُفهم النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، بأمر من الله تعالى لقيادة الامة من بعده وان سيرتهم عليه السلام تمثل المسيرة الواقعية للاسلام بعد عصر الرسول صلى لله عليه وآله وسلم.

الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، هو عاشر أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، وهو المعصوم الثاني عشر من اعلام الهداية الذي جسد الاسلام العظيم في القول والعمل كآبائه الطاهرين صلوات الله عليهم اجميعن .
كانت ولادته عليه السلام في النصف من ذي الحجة او ثاني رجب سنة اثنتي عشرة او اربع عشرة ومائتين. تقلد منصب الامامة الالهي بعد ابيه الامام محمد الجواد عليه السلام، في الثامنة من عمره الشريف فكان مثالا أخر للامامة المبكرة التي اصبحت اوضح دليل على حقانية خط أهل البيت الرسالي في دعوى الوصية والزعامة الدينية والدنيوية للامة الاسلامية خلافة عن رسول الله (ص) ونيابة عنه في كل مناصبه القيادية والرسالية.
ان الامام الهادي عليه السلام هو احد ائمة اهل البيت عليهم السلام الذين ورثوا أبا عن جد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الايمان والعلم والخلق والتقوى لذا ترك رسول الله (ص) فيهم وصيته الخالدة: (إني تارك فيکم الثقلين کتاب الله وعترتي اهل بيتي ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا و انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (نحن اهل بيت لايقاس بنا احد).
لقد کان الامام علي الهادي عليه السلام، قدوة في الاخلاق والزهد والعبادة، ومواجهة الظلم ورفض الظالمين، ومنارا للعلم والالتزام، لذا فقد وصفه العلماء ورجال السياسة واصحاب السير بما يستحق من صفات العلم والفضل والادب وقد قال ابو عبد الله الجنيد: (والله لهو خير اهل الارض وافضل من برأة الله تعالى - في عصره -). إن الناظر المتأمل في هذه الوثائق التاريخية يستطيع ان يعرف مقام الامام الهادي عليه السلام وعبادته وورعه وتعلق الناس به واحترام الجميع له ، فهو على کل حال ملازم للعبادة، حليف للقرآن معرض عن الدنيا يعرف ذلك منه خاصة الناس وعامتهم ويشهد به احباؤه وخصومه.
مارس الامام الهادي عليه السلام، مهامه القيادية في حكم المعتصم سنة 220هـ واستشهد في حكم المعتز سنة 254هـ وخلال هذه السنوات الاربعة والثلاثين عاصر ستة من ملوك بني العباس الذين لم يتمتعوا بلذة الحكم والخلافة كما تمتع آباؤهم حيث تراوحت فترة خلافة كل منهم بين ستة اشهر وخمس الى ثمان سنوات سوى المتوكل الذي حكم خمسة عشر عاما. وتنقسم حياة هذا الامام العظيم الى حقبتين متميزتين: أمضى الاولى منهما مع ابية الامام الجواد عليه السلام, وهي اقل من عقد واحد. بينما أمضى الثانية وهي تزيد عن ثلاثة عقود، عاصر خلالها ستة من ملوك الدولة العباسية وهم: المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز.
وکان الامام عليه السلام ينمي حرکة الوعي السياسي والايماني ويستقطب الجماهير من حوله ويمارس دور التربية والتوجيه عن طريق نشر الوعي الاسلامي السليم والمعرفة الدينية الصحيحة والتعرف بمباديء الاسلام في الحکم والسياسة وسيرة الحاکم العادل واخلاقة. اما عن الاوضاع السياسة في زمانه ، فقد حفلت حياة الامام الهادي (عليه السلام) بالمعاناة السياسية  إذ أنه عايش الحکام العباسيين وقاسى منهم العنت والمضايقات والضغوط وراى محنة العلويين ومآسي ابناء فاطمة الزهراء عليها السلام على يدهم. من ناحية اخرى تميز عصر الامام الهادي (ع) بقربه من عصر الغيبة المرتقب، فكان عليه ان يهيىء الجماعة الصالحة لاستقبال هذا العصر الجديد الذي لم يعهد من قبل حيث لم يمارس الشيعة حياتهم الا في ظل قرنين من الزمن. ومن هنا كان دور الامام الهادي (ع) في هذا المجال مهما وتأسيسا وصعبا بالرغم من كل التصريحات التي كانت تتداول بين المسلمين عامة وبين الشيعة خاصة حول غيبة الامام الثاني عشر من أئمة اهل البيت (ع) أي الامام المهدي المنتظر عليه السلام، الذي وعد الله به الامم. وبالرغم من العزلة التي كانت قد فرضتها السلطة العباسية على هذا الامام حيث احكمت الرقابة عليه في عاصمتها سامراء ولكن الامام كان يمارس دوره المطلوب ونشاطه التوجيهي بكل دقة وحذر، وكان يستعين بجهاز الوكلاء الذي اسسة الامام الصادق عليه السلام واحكم دعائمه ابوه الامام الجواد عليه السلام وسعي من خلال هذا الجهاز المحكم ان يقدم لشيعته اهم ماتحتاج اليه في ظرفها العصيب. وبهذا أخذ يتجه بالخط الشيعي اتباع اهل البيت عليهم السلام نحو الاستقلال الذي كان يتطلبه عصر الغيبة الكبرى، فسعى الامام علي الهادي (ع) بكل جد في تربية العلماء والفقهاء الى جانب رفده المسلمين بالعطاء الفكري والديني - العقائدي والفقهي والخلاقي.
وبشكل عام اتسم سلوك الامام الهادي عليه طوال فترة امامته بالتجنب من أية إثارة للسلطة للحفاظ على حياة شيعة اهل البيت عليهم السلام وعدم تصفيتهم من قبل السلطة العباسية. في نفس الوقت كانت للامام عليه السلام مساهمات جادة في كيفية معالجة المواقف الحرجة بشكل ذكي بالشكل الذي يحقق اهدافه الالهية العليا مع التحدي العلمي للسلطة وعلمائها لبيان مكانة ائمة اهل البيت عليهم السلام في الائمة الاسلامية ويثبت مرجعيته الدينية في الامة. لقد عمل الامام الهادي عليه السلام ايضا على توسيع دائرة النفوذ في جهاز السلطة ايضا هو النفوذ المعنوي على عامة رجال السلطة بما فيهم من لا يدين بالولاية لاهل البيت عليهم السلام . وقد كانت اساليب الامام عليه السلام في هذا المجال متنوعة وواسعة فانه كان مطالبا بالحضور في دارالخلافة بشكل مستمر. ومن هنا كان التعرّف على شخص الإمام عليه السلام وهديه وسكونه واتزانه امرا طبيعيا وفّر له هذه الفرصة والتي لم يلتفت الحكام الى مدى تبعاتها وآثارها التي تركتها في الساحة الاسلامية العامة ورواد البلاط بشكل خاص. وكان الامام الهادي عليه السلام يستفيد من هؤلاء في تحركه وارتباطاته التي خطط الحكام لمراقبتها او قطعها وابعاد الامام عليه السلام عن قواعده وعن الوسط الاجتماعي الذي يريد ان يتحرك فيه.
کانت حياة الامام علي الهادي عليه السلام، حياة علم وعمل ودعوة الى کتاب الله وسنَة رسوله صلى الله عليه واله وسلم الى جانب کونها حياة کفاح وصراع سياسي من اجل الحق والعدل ونصرة المظلوم.
لقد لاقى من حکام عصره الملاحقة والارهاب والتضييق واخرج من مدينة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واجبر على الاقامة في سامراء ليکون تحت الرقابة المباشرة وليعزل عن قيادة تحرك الامة المتجهة نحو اهل البيت عليهم السلام وهناك في سامراء قضى شطرا کبيرا من حياته حتى استشهد فيها كما حدث لآبائه الطاهرين في رجب سنة 254 للهجرة بواسط السمّ وکان عمره الشريف يوم استشهاده احدى واربعين سنة. وقد قال الامام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام: ما منّا إلا مقتول أو مسموم. (بحار الانوار).           
فسلام عليه يوم ولد، ويوم جاهد في سبيل رسالة ربه، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيَا ورحمة الله وبركاته.
 

تصنيف :
كلمات دليلية :