النووي الإيراني السلمي..

تقرير "أمانو" بين الوضوح والضبابية (2)

تقرير
الخميس ١٠ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٩:٥٥ بتوقيت غرينتش

من الأهمية بمكان التأكيد على أن الجمهورية الإسلامية لم تکن، وليست لديها أية مشاكل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامجها النووي السلمي. فإيران كانت وما تزال تحترم القانون الدولي، وقد اثبتت دائما انها ملتزمة بالمواثيق والمعاهدات الأممية الصادرة عن مؤسسات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية، التي يمكن ان تهدد الإنسانية جمعاء، والمعروفة اختصارا باسم معاهدة (أم پي تي).

كما أصدر قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي عام 2003 فتوى تاريخية بتحريم استخدام اسلحة الدمار الشامل، وقد قدمتها حكومة الجمهورية الاسلامية كوثيقة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا خلال اجتماعها عام 2005. وهذه الفتوى مدوّنة وموجودة في الموقع الرسمي للسيد القائد، وفيما يلي نصها:
"نعتقد إضافة الى السلاح النووي، بأن سائر صنوف اسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيمياوية والميكروبية تمثل خطرا حقيقيا على الحياة البشرية. وإن الشعب الإيراني باعتباره ضحية لاستخدام السلاح الكيمياوي، يشعر اكثر من غيره من الشعوب بخطر انتاج وتخزين هذه الأنواع من الاسلحة، وهو على استعداد لحشد كافة امكاناته في سبيل مكافحتها. إننا نعتبر استخدام هذه الاسلحة "حراماً". وان السعي لحماية بني البشر من هذا البلاء الكبير هو واجبٌ يقع على عاتق الجميع".
وتشير موسوعة ويكيبديا في معرض توثيقها للفتوى على صفحاتها المتاحة في الإنترنت، الى انه وبعد أربعة ايام من توقيع إتفاق فيينا النووي يوم 14 تموز/ يوليو 2015، نوّه قائد الثورة الإسلامية في خطبته بعد صلاة عيد الفطر المبارك الى هذه الفتوى مؤكدا على انه لا يمكن لأية قوة الوقوف أمام ايران إذا ما أرادت صنع قنبلة نووية، ولكن الجمهورية الاسلامية لا تريد صنعها، وذلك لتعارض هذا العمل مع الشرع الحنيف والإسلام، قائلا:
" لقد اصدرنا فتوى بحرمة الأسلحة النووية قبل سنوات، وذلك لتعارضها مع الشرع والأخلاق، لكن الأميركان ورغم أنهم يعترفون احيانا بأهمية هذه الفتوى، فإنهم يكذبون ويهددون في إعلامهم، ويزعمون أن تهديداتهم هي التي منعت ايران من إنتاج السلاح النووي".
  وازاء ما مضى يمكن القطع بأن الجمهورية الإسلامية،هي في غنى عن انتهاك معاهدات المؤسسات الأممية شرعاً وقانوناً وأخلاقاً. الأمر الذي لم يصدُق بعد على أدعياء الشرعية الدولية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت هي الوحيدة من دون العالم بأسره، التي استخدمت قنبلتين ذرّيتين بقصفها كلاً من مديني هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. علما أن الحرب كانت قد وضعت أوزارها آنذاك، ولم تكن ثمة حاجة أو ضرورة استدعت تنفيذ تينك الغارتين الوحشيتين بحق الشعب الياباني، وهو الذي ما انفك يعاني من عذابات تلك المجزرة الإرهابية الفظيعة الى وقتنا الحاضر.
  إذن وخلافا لكل الإتهامات والمزاعم الجوفاء، جاء تقرير امين عام الوكالة الدولية  للطاقة الذرية "يوكيا أمانو" ــ وهو بالمناسبة مواطن ياباني من مواليد عام 1946 م، أي بعد عام واحد من الجريمة الأميركية النكراء بحق بلاده والإنسانية كلهاــ بشأن سلمية البرنامج النووي الإيراني مؤكدا على المصداقية التي تمسكت بها طهران في جميع مواقفها. فقد اشار التقرير الى تعاون ايران الشامل مع والوكالة وفقا لخارطة طريق اتفقتا عليها، وقيّض لهذه المؤسسة التقنية الدولية أسباب الخروج بتقييمها الصحيح والنهائي في هذا الاتجاه.
كما لم يرد في تقرير أمانو اية اشارة الى عدم التزام الجمهورية الاسلامية بتعهداتها وفقا لمعاهدة حظر الإنتشار النووي (أم پي تي)، الأمر الذي يستوجب "اغلاق ملف پي أم دي المرتبط بالشكوك المزعومة"، وبالتالي الغاء اشكال الحظر والعقوبات الإقتصادية الدولية الظالمة طبقا لإتفاق فيينا النووي بين ايران ومجموعة 5 +1.
ويرى المراقبون بأن الحجج القوية الواردة في تقرير "أمانو"  تفند الإتهامات المفبركة والإشاعات المنبثقة من تعليمات كواليس السياسة والغرف الأستخبارية الصهيوغربية المغرضة. فالتقرير يدحض كليا وجود اي توجهات عسكرية او حربية في البرنامج النووي الإيراني في ما يتصل بالحاضر او الماضي القريب، على الرغم من أنه ضمَّن ــ عمداً ــ بعض القضايا المزعومة العائدة لفترات طويلة منصرمة، الشيء الذي لا يبعد ان يكون بمثابة مشاجب يمكن تعليق الإتهامات عليها او ممارسة الضغوط بواسطتها مستقبلاً.
ويمكن القول بشكل عام بأن تقرير الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 2 ديسمبر 2015، ومع اننا كنّا نرجو باستمرار ان ينصرف فحسب الى الجوانب التقنية والفنية والمهنية التي هي من صلب مهامه، قد ولد ولادة عسيرة، واتضح ايضا بأنه خرج في بعض تفاصيله أسيرا للسياسات الهيمنية الأميركية التي تعتبر نفسها وصيّة وقيّمة على مصائر الأمم والشعوب.
وقد ضربت هذه الهيمنة الإستكبارية بظلالها على التقريرعبر اشتماله على مناطق سوداء ورمادية الى جانب مناطقها البيضاء المشار الى بعض منها في هذا المقال. ومع ذلك لا يمكن لأهل العقل والمنطق واحرار العالم القبول بهذه النتيجة غير الطبيعية على الرغم من معرفتنا بإرتهان قرارات مؤسسات الشرعية الدولية للغة القوة الغاشمة التي وضعت الشرق الاوسط بل المنطقة الاسلامية والعربية الزاخرة بالثروات والخيرات فوق فوهة بركان يغلي في داخله بضراوة.
ونستخلص من ذلك اننا لايمكن ان نعفي الامين العام، يوكيا أمانو من مسؤولية التراخي امام الضغوط السياسية الآميركية والاوروبية والاسرائيلية، الشيء الذي جعل ايران تخسر العديد من علمائها وكوادرها العاملين في النووي السلمي نتيجة لإفشاء اسمائهم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في السنوات القليلة الماضية، مع ان الجمهورية الاسلامية وانطلاقا من مصداقيتها وتعاونها كانت قد اسرّت بهذه المعلومات اليها باعتبارها مؤسسة مهنية وليست سياسية او أمنية.
صفوة القول هو ان التقرير يمكن أن يُعد حالة متطورة نحو الإيجاب أكثر منه صوب السلبية. لكن في المحصلة فان الكرة الآن هي في ملعب مجموعة دول (5+1) التي يتوجب ان تفي بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في اتفاق فيينا النووي، وذلك بعدما نفذت ايران التزاماتها في الجوانب الخاصة ببرنامجها النووي ذي الأغراض السلمية التنموية، وبما يخدم تهدئة التشنجات وانتزاع التوترات الراهنة ابتغاء اعادة الأمن والأستقرار والطمأنينة الى ربوع المنطقة وشعوبها المحبة للخير والسلام.

* حميدحلمی زاده