حمى السفارات... ماهية التخبط

حمى السفارات...  ماهية التخبط
الخميس ٠٧ يناير ٢٠١٦ - ٠١:١٥ بتوقيت غرينتش

الهستيريا التي طالت السعودية عقب الهجوم على سفارتها في طهران، والاعلان عن قطع العلاقات، والتي تبعتها خطوات مشابهة في كل من البحرين والسودان و(جيبوتي !!!)، لكل منها تبريراتها الخاصة، والتي هي ليست بحاجة الى توضيح، لكن لا ضرر في التذكير.

فعمر البشير مثلا ، والذي تولى السلطة فى بلاده عام 1989 ولازال يطبق الديمقراطية في بلاده بعد سبعة وعشرين عاما من الحكم المستمر، أصدرت بحقه في الرابع من مارس عام 2009 مذكرة دولية باعتقاله من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وبذلك يعد أول رئيس دولة يمارس مهام منصبه يصدر بحقه مذكرة اعتقال. لمسؤليته عن احداث دارفور التي اسفرت عن مقتل عشرة آلاف قتيل حسب الخرطوم.. ولا يتمكن من الخروج من الخرطوم الى جيبوتي الا بضمانة سعودية.. ونظن ان هذا يكفيه سببا من اللهاث وراء السعودية..
لكن الامر الاهم هو نوع ردود الافعال من الجامعة العربية والاردن وصولا الى الدعوة السلفية التي نشرت صحيفة النهار استنكارها للهجمات التي سمتها بالوحشية الإيرانية على السفارة السعودية فى طهران (رغم ان البناية كانت خالية تماما، ولم يجرح فيها ولو فراش سعودي)..
وكنا نتمنى لو شملت هذه المستويات من الاستنكارات الكيان الصهيوني في قتله الفلسطينين العرب السنة في الضفة الغربية وغزة على وجه التحديد. والشيئ بالشيئ يذكر، سمعنا ان ظابطا امريكيا قال بعد تحرير الكويت لضابط كويتي: هل رأيتم كيف طردنا لكم المحتلين؟ فأجابه الضابط الكويتي: لو لم نملك النفط والثروة وكنا كجيبوتي، هل كنتم تساعدوننا حينها ايضاً؟ والحليم تكفه اشاره..
ولو سلمنا جدلا ان هذه الحكومات لاتتعامل بازدواجية ولاتجمعها المصالح المادية وللاسف. اذن فلماذا لم تقم لا امريكا ولا السفارة السعودية ولا من تبعها بنفس هذا الفعل.. عقب حادثة سفارتها في الخرطوم في يوم 1 مارس عام 1973، من منسوبي منظمة أيلول الأسود بعد اقتحامهم الحفل الذي كان يقيمه سفيرالسعودية انذاك، لوداع مستشار السفارة الأمريكية كيرتس مور. والتي انتهت بمقتل ضيف الشرف والسفير الأمريكي الجديد بالخرطوم كليو نويل والقائم بالأعمال البلجيكي.. فلماذا لم تقطع حينها السفارة السعودية علاقاتها مع السودان انذاك؟ انا اقول لكم لان الحاكم كان النميري .
واذا كان الشهيد النمر رجل دين يدعو للاصلاح وحقوق المحرومين، فالكل يعلم ما حصل للسفارة السعودية بالقاهرة في العام 2012 حين اعتدى العشرات على السفارة، احتجاجاً على اعتقال محام مصري، ولم ترد الرياض بهذا العنف والحسم"، عقب احتجاز السلطات السعودية للمحامي المصري احمد الجيزاوي، والحكم بالسجن خمس سنوات و300 جلدة بتهمة حيازته 21380 حبة زاناكس. وكان الإدعاء العام قد طلب عقوبة الإعدام..
ولم نلمس ايضا ردود فعل من البحرين والسودان والاردن ولا استنكارا من مصر، بل توسط المصريون حتى شمل ذلك عمرو موسى واتصل بسعود الفيصل، واخذ منه وعداً باعادة الجيزاوي الى مصر.
وهذا ماحصل مع الشيخ النمر ايضا مع فارق المكانة والحساسية. لانه رجل دين وله انصار واتباع وهو شيعي في بلد وهابي المذهب.. ولذلك توسط العديد لاعفائه حتى ان وزير الخارجية الحالي للعراق، اخذ وعداً من الملك عبد الله بالعفو عنه بعد اصدار الحكم (حاله حال البريطانيين الذين اعفاهم المك السعودي عام 2003 وهم ارهابيون متهمون بتفجيرات الرياض والخبر)..
ثم ماذا عن مصطفى العقاد السوري المولد الامريكي الجنسية، والذي اعتنق الإسلام بعد مشاهدة فيلمه الرسالة مايزيد عن العشرين ألف شخص.. والذي تم اغتياله على يد التكفير في عمان فهل قطعوا علاقاتهم مع عمان.. وهل سمعنا شجباً لعمان وهي المسؤولة عن الحفاظ على حياة رعايا الشعوب الاخرى؟ ولو اتسع الوقت لذكرنا اضعاف ما ذكرناه هنا.

والحقيقة ان ايران لاترى نفسها معنية بالشيعة وحسب بل بكل المسلمين. ولطالما دعت الى الوحدة ومدت يدها الى السعودية بالذات، لكن الواقع يقول ان كل من السعودية والبحرين، يرون في قتل كل شيعي من بلدانهم قتلا لعميل لايران في بلدانهم، ولا يحسبونهم شريحة عربية ومن ابناء البلد. ولو سلمنا جدلا انهم كذلك في البحرين مثلا، فأي بلد هذا الذي تكون فيه الاغلبية الشعبية عميلة لبلد اخر؟
ونحن هنا نتوجه بالسؤال الى القوميين العرب وليس الى الحكومات العربية بسؤال بسيط؛ هل عداء ايران للكيان الصهيوني وتقديمها المساعدة والسلاح لمقاومة محتلين لاراض عربية، هو مضر بالقومية العربية ام بالحكام العرب؟
ثم نسأل علماء المسلمين وليس وعاظ السلاطين؛ هل دعم ايران للفلسطينين بالسلاح والمال رغم انها محاصرة مثلهم، هو مضر بالقضية الفلسطينية والقدس؟ ام مضر لاولئك الذين يمولون الارهاب ليقتل الشعوب العربية (سنة وشيعة) في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا؟
المسئلة بكل بساطة قالها الباحث المصري في الشؤون الدولية محمد مرزوق، في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك" وهي إن ما تشهده الساحة العربية الآن يمثل امتداداً للخط الذي بدأته السعودية في الشهور الأخيرة بدءاً من عملية "عاصفة الحزم" ضد اليمن، وان الصورة العامة مبالغ فيها. السعودية قررت فجأة إعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر وهي تعرف أن الأمر لن يمر، لا على الساحة الداخلية ولا الخارجية. فترد إيران الرد المتوقع في سياق الدفاع عن النمر، ويتزامن ذلك مع تحركات احتجاجية في البحرين والسعودية. وبعد الاعتداء على السفارة السعودية في إيران، ترد السعودية برد فعل أكبر بما لا يقارن أبداً بالفعل، وتحذو الدول العربية حذوها..

السعودية تريد تمترس سني - شيعي في المنطقة، تكون هي قائد السنة فيه، لتُنسي الشعب العربي انها وهابية تكفيرية، وفي هذا السياق أعلنت العملية ضد اليمن والتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وأخيراً ما حدث هذه الأيام.
وهي تخشى من صحوة مصرية تاخذ بزمام المبادرة العربية وتفقد مكانتها. ومن هنا نراها هي واذنابها مصابة بهذا الحمى المفتعلة، عسى ان تنجح في تآمرها على المسلمين بشكل عام والعرب على وجه الخصوص.


* رائد دباب