الحوار اللبناني مهمة الضبط السياسي الصعب!

الحوار اللبناني مهمة الضبط السياسي الصعب!
الإثنين ١١ يناير ٢٠١٦ - ٠٣:٢٥ بتوقيت غرينتش

ليس من السهل أن يتابع السياسيون في لبنان جلسات الحوار الوطني وهم يعرفون مسبقا أن لا نتيجة عملية قادرة على أن تظهرها إجتماعاتهم الماراثونية، فالجلسات التي انطلقت في التاسع من أيلول عام 2015، كان التبرير لانطلاقها حينها، أنها حاجة ملحة وسط تمادي الخلاف السياسي، الذي أدى الى فراغ رئاسي وشلل تشريعي وتعطيل حكومي.

كان يدرك "نبيه بري" الداعي إلى عقد جلسة التاسع من أيلول العام الماضي أنها لن تحيي الموتى، لكنه وجهها على متن أزمة النفايات التي كادت أن تأتي على ما بقي من لبنان، يقيناً منه بأن لا سبيل لإنقاذ ما تبقى من الوطن إلا بجلوس المختلفين حول طاولة واحدة. لم يقتنع حينها حزب "القوات اللبنانية" بالمبررات، فقاطع قطارها الذي انطلق بحضور الأطراف السياسية اللبنانية كافة برغم الإعتراض المسيحي المنفرد.

أربعة أشهر مضت على أول جلسة حوارية، 13 عقدت حتى 11 من كانون الثاني 2016، لم يغب عن أي منها أي طرف بإستثناء القوات اللبنانية المقاطعة منذ البداية، إلى أن نجحت الجلسة 3 في تظهير الخلاف الرئاسي جليا مع غياب رئيس تيار المردة عنها "سليمان فرنجية" لأول مرة.

الرجل الذي بقي محافظاً كبقية الأطراف السياسية على مبدأ أن الحوار هو سبيل فرض الحلول، لم تنجح أي من الجلسات الـ12 السابقة في إبعاده عن مشهديتها، الى أن قرر في الجلسة 13 أن يغير البوصلة. السفر كان مبرره، لكن العارف بقضية طرحه رئيسا للجمهورية اللبنانية من قبل رئيس تيار المستقبل" سعد الحريري" يدرك أن الرجل اراد أن يبتعد قليلاً عن طاولة حوار ستفرض عليه الجلوس إلى جانب طرف عوني رفض بشكل قاطع ترشحه. وإن كان الموقف عملياً هو ابتعاد عن ضوضاء فرضت على الحلفاء نقاشاً في العمق حول ماهية الازمة الرئاسية.

عندما فكر "نبيه بري" بإحياء طاولة الحوار بعد أن توفاها الله مع رحيل "ميشال سليمان" عقب انتهاء ولايته، وجد الرجل في استدارتها موقعاً يطرح هواجس اللبنانيين من جهة وهواجس السياسيين من جهة أخرى، لم يُرد وهو الخبير بخبايا الشأن اللبناني أن يترك لصدفة الشارع مهمة حل الأزمات، فانفلاته كما يعرف الجميع ممكن، لكن ضبطه دونه عواقب كثيرة. أدرك بري أن كل نقاش سياسي خارج الطاولة لا يفيد،  كما عرف أنها كما سابقاتها يمكن أن تقرر مصير الكثير من الملفات السياسية، ذلك أن قوتها نابعة من قوة  المشاركين بها، بوصفهم تجمع للاقطاب السياسيين في لبنان، ما يجعلها تتفوق على مجلسي الوزراء والنواب، فالقرار ينطلق منها بإتجاه المجلسين وما يُقرر حولها لن يلاقي اعتراضاً في أي منهما.

لقد حاول رئيس مجلس النواب على مدى أشهر أن يحافظ على ثبات مواعيد الجلسات فلم يؤجل أو يلغِ اي من اجتماعاتها،  كما بدا حريصاً على حضور الأقطاب أو من ينوب عنهم في  كل جلسة، فالاشتباك السياسي برأيه لا يمنع الحوار.

ومع انتهاء 13 جلسة وتحديد موعد الـ14 في 27 من كانون الثاني تكون طاولة الحوار اللبناني مررت أشهراً لبنانية صعبة، فهي تنجح في نهاية كل منها في بث مناخ ايجابي داخل الساحة اللبنانية، لا بل باتت متنفساً واضحاً لما يعترض الساحة السياسية من أزمات، حيث نجح المشاركون في استيعاب أزمة النفايات لجهة إطلاق أول الحلول لها عبر مجلس الوزراء، كما استطاع النقاش أن يذلل الإعتراض المستفحل على عقد اجتماعات الحكومة أكثر من مرة، وفي تمرير جلسة تشريعية لمجلس النواب، كما في أن تبقي سقف النزاع عند حدود دنيا دون أن تستطيع أكثر من ذلك.

صحيح أن الاشتباك السياسي لم يستطع فض اجتماعات الحوار المستمرة للساعة، بل على العكس كان دافعاً للاصرار على عقد جلسات تشكل الصورة الجامعة أهم انتاجاتها، حيث بات كل موعد يضرب لجلسة جديدة موعداً لمهمة مفترضة وهي ابقاء السياسة المهشمة تحت سقف الحوار فذاك اقل الممكن أو ربما المطلوب في وقت الحلول الصعبة غير الممكنة دوليا واقليمياً.

فاطمة عواضة- بيروت