جماعة "تدفيع الثمن" الواجهة غير الرسمية للاحتلال

جماعة
الأحد ١٧ يناير ٢٠١٦ - ٠٩:٤٨ بتوقيت غرينتش

لا تقتصر اعتداءات جماعة تدفيع الثمن العنصرية على دين أو مكان، فهي تستهدف الوجود الفلسطيني في فلسطين المحتلة؛ بغية إجبارهم على الهجرة وترك أرضهم، وسلبهم حقوقهم بالترهيب الذي أسهم في إقامة كيانها.

مجهولون من اليهود المتطرفين العنصريين حرقوا مسجد الجبعة ببيت لحم في 25 شباط (فبراير) 2015م، وحرق مجهولون عنصريون يهود أيضًا غرفة في مبنى كنيسة واقعة على جبل الزيتون يوم 26 شباط (فبراير) 2015م، واعتدى مستوطنون إرهابيون على قرية المغيّر في رام الله إذ حرقوا عدة سيارات، وكتبوا شعارات عنصرية على جدران أحد المنازل، وذلك يوم 5 آذار (مارس) 2015م، وقبلها بيوم واحد حاول مستوطنون اقتحام مسجد النبي يونس في حلحول.

اعتداءات المستوطنين المتطرفين على المواطن الفلسطيني وممتلكاته وأماكن عبادته مستمرة، ولكن بأساليب عدة، منها حرق أشجار الزيتون، أو قطعها، ومنع المواطن الفلسطيني من فلاحة أرضه القريبة من أي مستوطنة، ومصادرة أراضٍ وإقامة بيوت متحركة جاهزة عليها.

هذه الاعتداءات بشتى أنواعها متواصلة منذ سنوات، وترتفع وتيرتها كل مدة حسب الأجواء والمعطيات المتوافرة، وهذه الأجواء اليوم خصبة ومساندة لهؤلاء العنصريين في اقتراف هذه الجرائم الوحشية السافرة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تخوض الانتخابات بشعارات عنصرية بغية حصد الأصوات تبارك هذه الاعتداءات؛ لأنها بحاجة إلى أصوات المستوطنين واليمين الإسرائيلي، ولذلك إن مسلسل الاعتداءات على الفلسطينيين سيتواصل إلى حين تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مدة زمنية تصل إلى شهرين تقريبًا، إلى ما بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية.

في أوائل شهر شباط (فبراير) المنصرم اكتشفت شرطة الاحتلال مخبأ لأدوات قد تستخدم في القتال بمستوطنة (يتسهار) ضد جيش الاحتلال والفلسطينيين، وكانت مواجهات قد اندلعت قبل عام بين الجيش والمستوطنين في هذه المنطقة، ما أجبر الجيش على الاستيلاء على بناية وتحويلها إلى مركز لرجال الأمن لمواجهة أخطار المستقبل.

وفي المدة نفسها حاول حاخام مستوطنة (عوفرة) (يوئيل إيليتسور) استفزاز المواطنين المصلين في الحرم القدسي الشريف، فأبعدت شرطة الاحتلال هذا الحاخام عن ساحات الحرم، إذ إنه يقتحم شهريًّا الحرم القدسي الشريف.

الشرطة الإسرائيلية تعرف حق المعرفة وجود "خلايا" استيطانية إرهابية، لا تتحدى الفلسطينيين وتستفزهم فقط، بل هي مستعدة لمواجهة الأمن الإسرائيلي؛ لفرض آرائهم ومواقفهم على الحكومة الحالية، لكن السؤال لا يزال قائمًا: لماذا لا تتخذ سلطات الاحتلال إجراءات وقائية تمنع هؤلاء المتطرفين من القيام بهذه الأعمال الاستفزازية التي تسيء إلى كيان الاحتلال في الرأي العام الدولي أيضًا؟

الإجراءات التي تتخذها بحق هؤلاء المتطرفين هي شكلية فقط؛ لأنها لا تعتقل أيًّا منهم مدة طويلة، بل تحقق معهم عدة ساعات وتطلق سراحهم، وخلايا أو عناصر مجموعة ما يسمى "تدفيع الثمن" معروفون لدى الشرطة، ولكن بعض الأحزاب السياسية توفر الدعم لهم، وتغطي على أفعالهم، مع أن هناك ادعاء بأن الجميع تحت القانون، ولكن هناك استثناءات كثيرة فيما يتعلق بالمستوطنين والعنصريين منهم.

في الواقع ليست هناك إجراءات حاسمة لمنع ارتكاب هذه الاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين، مع أن حكومة الاحتلال ادعت في وقت سابق أنها بصدد سن قانون يعرض هؤلاء المعتدين للسجن الفعلي، وهناك تعاطف من الشرطة مع هؤلاء المعتدين في حال إلقاء القبض عليهم، إذ غالبًا ما يطلق سراحهم بعد استجوابهم، وتغلق الشرطة الإسرائيلية فيما بعد الملف، وتقول مؤسسات حقوقية إسرائيلية: "إن 95 بالمائة من الشكاوى المقدمة من الفلسطينيين ضد هؤلاء المتطرفين تهمل، ولا تتابع، وتغلق ملفاتها."

اللافت في هذا السياق أن ردود الفعل العالمية باهتة جدًّا، إذ إن الإعلام الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية والمسؤولون السياسيون يدينون هذه الاعتداءات، فيظن العالم أن هؤلاء المعتدين يحصلون على العقاب، وأي عقاب والحال أن هناك قادة سياسيين داخل الحكم وخارجه يوفرون التغطية لهذه الأعمال العدوانية، لا بل يشجعونها، وتتجنب الحكومة الإسرائيلية اتخاذ إجراءات حاسمة؛ خوفًا من غضب المستوطنين، والقيام بفعاليات مناهضة للحكومة، أي بصريح العبارة: "الحكومة تخاف من المستوطنين".

هناك دوافع تشجيع مختلفة تسوقها الأحزاب اليمينية المتطرفة في كيان الاحتلال؛ لتشجيع الجماعات العنصرية _وخاصة "تدفيع الثمن"_ على المضي قدمًا في وسائل إجرامها اليومية، هذه الاعتداءات تصب في النهاية في مصلحة أي حكومة إسرائيلية قد تأتي على سدة الحكم، ولو لم يكن اليمين المتطرف داخلها، فهي وسيلة غير رسمية أو معترف بها لترهيب الفلسطينيين وتخويفهم من عواقب البقاء على أرضهم والمطالبة بحقوقهم، وهو ما على الشعب الفلسطيني ونخبه الثقافية والسياسية شرحه للرأي العام، الذي لا يزال بعضه يظن أن كيان الاحتلال هو "واحة الديمقراطية والقانون" في المنطقة.

فلسطين اول لاين