نظرة خاطفة حول العقل الايراني وفلسفة ابن رشد

نظرة خاطفة حول العقل الايراني وفلسفة ابن رشد
الأربعاء ٢٠ يناير ٢٠١٦ - ٠٣:٠٠ بتوقيت غرينتش

لا نريد الخوض والحديث عن السياسة الايرانية في المنطقة, فاما ان تكون معها أو ضدها, فالحابل والنابل قد اختلط عندي وعند الكثيرين, ولا نريد أن نننقل ما قاله هذا المسؤول أو ذاك، أقوالهم قد تبعثرت وملأت كل وسائل الاعلام, والتحليلات تشابهت, ولن أكرر القول هنا عن مآسي المنطقة العربية برمتها ونتائج سياسات حكوماتها المتخبطة التي هي في واد وما يسعى له الآخرون في واد, فيكفينا ما في جعبتنا من الألآم والاحزان والحسرات التي تنهال على شعوبنا في فلسطين وسوريا وليبيا واليمن الحزين … دون توقف .

لكن مما يلفت الانتباه هنا هو هذا العقل الايراني, نعم هذا العقل الايراني, وهو الهدف المقصود في هذه المقالة والذي لا شك فيه أنه كيان قائم بذاته, يختلف تماما عن باقي عقول المنطقة وخاصة العربية منها, هو عقل قادر على الحوار مع معارضيه بطريقة فريدة من نوعها, حواره ونقاشه الناضج جدا, أظنه يعلم مسبقا بشكل مدروس طبيعة ما يفكر فيه المحاور أو الخصم الذي أمامه, لا يكل ولا يمل في عرض وجهات نظره وان كانت مغايرة للجميع, يرد على محتكريه وخصومه ردودا سياسية في الموضوع نفسه, لا يشط بعيدا عن أفكار سامعيه ومنصته, يجيب بشكل مثقف يبهر المتابعين.
فكر لا يكل ولا يمل يحاول مرات دون تعب أو نصب .
الفكر الايراني صنعته المواقف الجادة فتكيف معها, فكر ليس بملائكي, يجدر به أن يدرس في الجامعات العالمية, هذه حقيقة لا مغالاة فيها, وذلك لدقته ومنهجيته وقدرته على الوصول الى نتائج فعالة لصالحه تتناسب مع حجم صبره ومتابعته لمواضيعه الشائكة بروية وهدوء تلفت الأنظار, وما فرض عليه هذا الحصار الاقتصادي وما تكبده من أزمات مالية, حسب المؤشرات الدولية  لكنه أثبت أنه فكر منظم وان طال عليه الزمن وتعثر به وتكالبت عليه القوى من كل مكان, فهو القادر على النهوض بسرعة فائقة, ليصبح هو من ضمن هذه القوى باعتراف خصومه أنفسهم.
ويذكرني هذا الفكر السليم, بتحليل وتفكيك ابن رشد الفيلسوف القرطبي لأشد المسائل الفلسفية صعوبة وهي : (مسألة القضاء والقدر) في كتابه ( الكشف عن مناهج الادلة ) وكما وضحت الصورة أكثر وأكثر  في كتاب ( بنية العقل العربي) للدكتور محمد عابد الجابري والذي يذكر فيه خلاصة فكر (ابن رشد) حول هذه المسألة وهي : (أن الله خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي أضداد. لكن لما كان الاكتساب لتلك الأشياء ليس يتم لنا الا بمواتاة الأسباب التي سخرها الله لنا من تاخارج وزوال العوائق عنها وكانت الأفعال المنسوبة الينا تتم بالأمرين جميعا ) والأمرين عند ابن رشد  كما ذكر الدكتور الجابري في كتابه السابق ص . 535  والتي يعني بها مواتاة القوى الداخلية المخلوقة فينا وهي تابعة لنظام السببية في أبداننا والقوى الخارجية المسخرة لنا وهي تابعة لنظام السببية في العالم, والقوى الخارجية ليست تقوم فقط بدور المتمم أو العائق للقوى الأولى بل هي أيضا السبب في أن نريد ونسعى الى من نريده .
فالارادة عند (ابن رشد) وهي ما أراها في ذلك الفكر الايراني بشكل لا يختلف عليه اثنين, هي (الارادة) : شوق يحدث لنا عند تخيل ما أو تصديق  شيء ما, فهذا التصديق ليس هو لاختيارنا بل هو شيء يعرض لنا عن الأمور التي من الخارج, اذا فالأشياء الخارجية تحرك فينا شوقا وميلا لأننا نريد شيئا من الأشياء, فاذا صادف ذلك وكانت لنا القوة الذاتية على فعله وما يعرف بنظام السببية في أبداننا وكياننا يسمح بذلك والقوى الخارجية مواتية لنا لتفكيرنا … قدرنا حينئذ على ما نريد وفعلناه, ويضيف ابن رشد عنصر الوقت وأهميته, فاتحاد هاتين القوتين أو الأمرين لا يأتان نتائجهما الا في أوقات محددة ومقدار محدود, فالأسباب التي خلقها الله فينا والأسباب التي من الخارج والنظام المحدود الذي في السببين الذي لا يخل هو القضاء والقدر.
ومن المتعة التمعن بقراءة هذه الفلسفة وترك الحرية للقارىء الكريم المهتم واعطاؤه القدرة على تركيب الأمور بعضها على بعض حسب رؤيته ومعلوماته وعلى حسب النظرية الفلسفية السابقة, ليسأل هل فلسفة ابن رشد تنطبق على العقلية الايرانية أو انها مجرد فلسفة بعيدة عما أقوله وأحسبه مطابقا للفكر الايراني المميز بجميع حالاته ؟
على أية حال, علينا الاعتراف بأن عقولهم الهندواوروبية هي عقول مرنة, سهلة وصعبة الانقياد في الوقت نفسه, هي عقول دبلوماسية محاورة بجدارة لا تمت الى العقلية  العربية بصلة أو قرابة, ولا يخيفها شيئا  فهي غير متردده أبدا, ولا تحتاج الى أن تقاد, بل الصعوبات تجعلها كائنا قويا متحركا في جميع الاتجاهات حول مصالحها, وهي قادرة على تخطي العقبات والعثرات التي حدثت وستحدث. عقل فكري  محنك لا يخاف لومة لائم, عرف من هو عبر تاريخ الحضارات القديمة العريقة ويتضح لنا, كما هو الظاهر لنا مع تلك الأحداث السياسية والوقائع المتتالية والتي لا تتوقف بيننا, تفاجئنا بمستجداتها ليل نهار.
عقلية  لا أمدحها وانما أصفها وصفا ناقصا يحتاج الى دراسات علمية سياسية مستفيضة قدر الامكان .

لولوة غازي / راي اليوم