واقع الثورات العربية وكذبة التمدد الايراني

واقع الثورات العربية وكذبة التمدد الايراني
الأحد ٢٤ يناير ٢٠١٦ - ٠٦:٠٢ بتوقيت غرينتش

في البداية علينا ان نعرف بان المفهوم المعاصر للثورة هو التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل ويوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع.. واما المفهوم الشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم.. وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989، أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات والستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية (1954-1962).

ولا ننسى انه في الثورات أحيانا، يتعرض الجيش ضد السلطة الحاكمة، وبعد ذلك يؤسس حكومة استبدادية عسكرية في البلد.. وفي الحقيقة تبدأ كثير من الثورات بتحرك الشعب ولكن تنتهي الى دكتاتوريات عسكرية.. وعلى سبيل المثال وليس الحصر انتهت معظم الثورات في أميركا اللاتينية بحكومات عسكرية.

وفي مجمل الاحوال لايثور شعب وهو يمثل الاكثرية، الا بعد ان يصاب باليأس من حكومته المستبدة، وشعوره بالاحباط الى درجة يفضل الانتحار او المواجهة المميتة ضد النظام المستبد المدجج بالسلاح.. وعلى الرغم من علمه المسبق باحتمالية الموت، ينزل الى الشارع بقيادة كانت او دون قيادة..

ولكي تكتمل الصورة قبل تطرقنا للثورات العربية التي سميت عمدا بالربيع العربي، علينا ان نوضح ان التعريف التقليدي الذي وضع مع انطلاق الثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة.. بينما غير الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة القيادات العمالية التي اسماهم البروليتار.

ولو غضضنا الطرف عن الثورات العربية الكبرى.. وخصصنا هذا الموضوع بما حصل في اليمن وتونس وليبيا ومصر والبحرين لتوضحت لدينا امور عديدة ربما تصوننا من ان نبتعد عما جرى ويجري في العالم العربي.. والاساليب التي اعتمدتها بعض الحكومات في تاثيرها على مسار الاعلام وتشويه الحقائق وحرفها لاهداف لاتخدم الا مشاريع شخصية، بعيدة عن المصلحة العامة للشعب كان او للامة.

ورب سائل او مغرض يسأل: لماذا وضعت اليمن في المقدمة وانهيت بالبحرين؟ وهنا على الجميع ان يعرف بان الحراك الشعبي قد بدء من اليمن منذ عام 2004 بقيادة الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي واستنهاضه للشعب اليمني المئلوم ضد انخراط علي عبد الله صالح في الركب الاميركي.

ولم يكن هذا الحراك وليد الساعة، بل جاء نتيجة للفقر المدقع للشعب اليمني والدعم المتواصل للاخوة العرب في مجلس التعاون لصالح واستفراده بالحكم.. ومنع اليمنيين من الانخراط في مجلس التعاون لمساعدته على النهوض.. نفس هذا المجلس الذي يتبجح اليوم بدفاعه عن الشرعية والشعب في اليمن. وهو موضوع مطول لا نريد الغوص فيه اكثر.

واما لو ذهبنا لتونس وتسائلنا هل ايران حرضت الشعب التونسي على الثورة ضد زين العابدين بن علي.. ام هي التي امرت الشهيد البوعزيزي باحراق نفسه؟ فالواقع السياسي والاجتماعي لتونس يثبت عكس هذا.

فالحكام العرب رؤساء جمهوريات كانوا او ملوكا او امراء هم يتعاقدون مع السلطة مدى العمر. وهم يمتلكون الحجر والبشر.. ولان هذا هو حال الجميع فترى اذا ما فر زين العابدين فانما يتم استقباله من السعودية.. لان شبيه الشيئ منجذب اليه. فلمذا حصلت الثورة في تونس؟

وهنا نكتفي بالقول ان زين العابدين بن علي وهو الرئيس الثاني لتونس منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956 وهو لم ياتي بانتخابات ارادها الشعب التونسي بل بانقلاب على سيده بورقيبة الذي حكم البلاد على مدى واحد وثلاثين عاما. وحكم البلاد على مدى عقدين ونصف العقد دون منازع والطريف وهذا حال كل الديكتاتوريات العربية انه أعيد انتخابه وبأغلبية ساحقة في كل الانتخابات الرئاسية التي جرت، وآخرها كان في 25 أكتوبر 2009. على الرغم من ان جماعات حقوق الإنسان الدولية وكذلك الصحف الغربية المحافظة مثل الإيكونومست صنفت النظام الذي ترأسه بالاستبدادي وغير الديمقراطي.

وانتقدت منظمة العفو الدولية وبيت الحرية والحماية الدولية المسؤولين التونسيين بعدم مراعاة المعايير الدولية للحقوق السياسية وتدخلهم في عمل المنظمات المحلية لحقوق الإنسان، وصنفت تونس في مؤشر الديمقراطية للإيكونومست لعام 2010 في الترتيب 144 من بين 167 بلدا شملتها الدراسة.. ومن حيث حرية الصحافة فإن تونس كانت في المرتبة 143 من أصل 173 عام 2008.. اذا هل علينا ان نبحث عن اسباب الثورة في تونس؟

واما معمر القذافي فقد حكم الشعب الليبي منذ عام 1969 وحتى عام 2011، اي على مدى اثنين واربعين عاما، وعلى الرغم من تامر بعض الاخوة في مجلس التعاون لاسقاطه بالتعاون مع اجهزة المخابات الغربية.. لكنه لم يكن ليسقط لولا تخلي الشعب الليبي عنه، بسبب ممارساته التعسفية. والفرق انه لم يكن مرحبا به في السعودية، والا كان اليوم حيا يرزق مثل نظيره بن علي.. وليس هنالك من اتهم ايران بالتمدد في ليبيا واسقاط القذافي.

واما لو انتقلنا الى مصر فسنرى ايضا ان حسني مبارك قد حكم البلاد والعباد منذ 14 أكتوبر 1981، حتى خلعه في 11 فبراير 2011 اي لثلاثة عقود.. ولم يكن الحكم لينتهي الى الاخوان المسلمين لولا التفاف "الاخوة" في قطر وبدعم من تركيا على الثورة.. وهذا ما اغضب السعوديين.. فقدموا المال والدعم رغم ان كلاهما ضمن مجلس التعاون.. وانتهينا الى حكم العسكر مرة اخرى.. وها نحن نرى مرسي الى جانب حسني خلف القضبان.. ولم نسمع من احد يقول ان الذي حصل بفعل التمدد الايراني، لسبب بسيط ان الامور سارت حسب الخطة الغربية وبدعم عربي من مجلس التعاون.

ولم يكن صدام استثناءا ايضا فهو كحسني مبارك حكم في الفترة ما بين عام 1979 وحتى 9 أبريل عام 2003، اي اربع وعشرين عاما. بعد ان ادخل العراق في اتون حروب خاسرة ودمره (العراق) وذبح شعبه وكان اخرها الثورة الشعبانية لوسط وجنوب العراق.. ولا يستطيع احد الادعاء بان الدبابات التي اسقطته وغزت العراق، لم تكن امريكية انطلقت من السعودية والكويت، وها هو حاله اليوم تشحذ السلاح من هنا وهناك، بعد ان كان له جيش صنف كرابع جيش في العالم.

كل هذه الثورات حصلت ولم نسمع بتمدد لايران.. اذن ما الذي يميز اليمنيين والبحرينيين عن باقي الشعو العربية اذا ما تاثرت بالربيع العربي، وضاقت ذرعا برؤسائها؟ فآل خليفة وال الصباح كلاهما من قبيلة العتوب النجدية النازحة الى منطقة الخليخ الفارسي.. والشريحة الاكبر في البحرين ارادت التغيير، حالها حال الشعوب العربية الاخرى.. فلمادا التركيز على التدخل الايراني.. لسبب بسيط ان ال سعود من نجد ايضا وان ماجرى في البحرين رغم انه عصري اكثر من كل الثورات.. لم يكن ضمن المخطط المرسوم للمنطقة.. ثم هنالك حجة يمكن التحجج بها ايضا وهو ان المعترضين ليسوا باباضية او من غير المذاهب السنية الاخرى.. انهم شيعة.. فهل هنالك حجة اقوى لقمعهم اكثر من اتهامهم بالولاء لايران.

لكن لا احد يسال انه ومنذ بضعة ايام نزل التونسيون مرة اخرى الى الشارع، لمن هو ولائهم؟ واتقف الليبيون فيما بينهم فلمن هو ولائهم.. والشعب المصري لمن ولائه.. ولماذا لا يتهمون ايران الا في ملفات الشيعه في تلك البلدان؟ والحليم كما يقال تكفيه اشارة.

بقلم: رائد دباب