أينما حل الأعراب حلّ الخرَاب.. والأقباط في القدس، حجّ أم تطبيع؟

أينما حل الأعراب حلّ الخرَاب.. والأقباط في القدس، حجّ أم تطبيع؟
الأحد ٢٤ أبريل ٢٠١٦ - ٠١:١٩ بتوقيت غرينتش

عندما شاهدنا الابتسامة العريضة ارتسمت على شفتي رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني، والتي عرضتها قناة “العالم” ووسائل إعلاميّة أخرى. بصراحة أول ما تبادر إلى أذهاننا كان النقاش الذي طالما دار بيننا وبين زملاء الدراسة في الجامعة، عندما كنّا نقوم بتقديم الشروح والتحليلات التي أطلقها ابن خلدون عن العرب ليصف بها طبائعهم، ومنها مقولته الشهيرة ” أينما حلّ العرب حل الخرب”.

كان بعضنا يعتبرها منقصة وسخرية بحقّنا كعرب وجب عدم الاستشهاد بها في هذه الأيّام، وهناك من كان يصفّق لابن خلدون “الفذّ”، ويعمّم هذه المقولة على العرب، وهناك من كان يحصرها على فئة معينة تتمثل بالسلاطين وعشّاق السلطة.

وإن كانت فكرة التعميم مرفوضة لدينا، إلا أنّنا لا زلنا نصرّ على موقفنا حينما كتبنا في إحدى مقالاتنا السابقة أنّ العرب، وهنا نحدّد ، ونقول إنّنا نقصد زعامات العرب وليس شعوبها المسحوقة، لأنّ هؤلاء “الزعماء” لا يتدخّلون أو يتّحدون إلا  بهدف الخراب والتدمير، ولم يتّفقوا يومًا على أمر فيه فائدة للأمّة العربية، ولنا عبرة عندما وضعوا أياديهم في اليمن وليبيا وسورية، فلم يخلّفوا إلا الخراب والتدمير.

لذلك لم نتفاجأ عندما أتحفنا الشيخ حمد بتصريحاته واعترافاته المؤلمة، في “الفايننشال تايمز″، وقطع دابر شكّنا باليقين، مؤكّدًا لنا أنّ سورية  ليست فقط مزرعة للتخريب، بل هي “طبخة” سعى الكل لتحريكها، لكن انطبق عليها المثل” الطبخة اللي بيكثر طبّاخينها بتشيط”.

ويا أسفنا عندما يعتبر زعامتنا أنّ ملايين النازحين والأشلاء هي مجرّد طبخة واحترقت، وحرقت معها سورية التاريخ والحضارة.

 السعودية أصبحت “الماستر شيف”، وأرادت الاستئثار بالطبخة السوريّة، فأزاحت قطر عن “المطبخ” لغاية في نفس يعقوب، فشعرت الأخيرة بأنّها في “المقعد الخلفي”، كيف لا والكل يريد حصّته من هذه “الطبخة، وبعد حرق هذه “الطبخة” تخلوا عن الشعب السوري ورفضوا مساعدته.

أمّا بالنسبة لتصريحات “الشيخ” بأنّ الإيرانيين أذكى وأكثر صبرًا من العرب، نظرا للنفس الطويل الذي يتمتعون به، فقد وجب أنّ يحدّد من هم العرب، ويكون أكثر دقّة، ويقول “الحكّام العرب” لأنّ شعوبنا العربيّة لم تخلُ من الأذكياء والعباقرة، وإن “خلت” فهي بفعل الأنظمة الفاشلة والقمعيّة التي “أخلتهم” لخارج حدود أوطانهم.

وأخيرا نرجو المعذرة من الأصدقاء والقرّاء إذا استعنّا مرّة أخرى بجملة ابن خلدون الشهيرة التي ذكرناها أعلاه، ولا ندري حتّى أيّ إشعار سنستغني عن اقتباسها!.
 

الأقباط والحج إلى القدس

دعونا نتحدّث بموضوعيّة، ونضع أنفسنا مكان الأقباط الذين يرغبون في زيارة إلى أقدس بقاع الأرض، ومهد الرسالات ومهد الحضارات الإنسانيّة، وهي مدينة السلام القدس، والتي صدحت فيروز أجمل أغانيها في التغزل بمعالم وجمال وقدسية هذه المدينة التي تعاني من الحصار والتضييق وسياسة الاحتلال؛ لذلك ونحن الذين نزور القدس باستمرار، وقبل فترة قمت بزيارة كنيسة القيامة برفقة صديقة أجنبية ولمست كم السعادة التي يشعرون بها أثناء زيارتهم لهذه الأماكن.

عندما تمّ الحديث عن تداعيات زيارة هذه الأمكنة من قِبل أقباط مصر فقد لمسنا التباين في الرأي بين الأقباط أنفسهم ، والذي ظهر جليًّا خلال حلقة الإعلامي المصري وائل الإبراشي في برنامجه “العاشرة مساء” على قناة “دريم”، عندما أيّد العديد من الأقباط الزيارة للقدس، والذين يصل عدد المسافرين منهم سنويًّا إلى القدس 5000 مسافر، كما قال صاحب إحدى الشركات السياحيّة لمقدّم البرنامج، شريطة أن يكون عمرهم 47 سنة فما فوق، ويردّ على منتقديه بأنّ مثل هذه الزيارات لا تُعدّ تطبيعًا، من خلال استشهاده بمقولة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنّه” يزور السجين وليس السجّان”، ولا يرى بذلك أيّة تناقض مع الثوابت الوطنيّة، لأنّهم يتعاملون مع وكيل فلسطيني، ولا يلتقون باليهود، ويقومون بالمبيت في”بيت لحم”، فأين هو التطبيع؟ يتساءل صاحب الشركة.

المفكّر القبطي جمال أسعد اعتبر أنّ مثل هذه الزيارات بمثابة تطبيع علني مع الاحتلال الإسرائيلي، وتهاونًا بحقّ القضيّة الفلسطينيّة، ناهيك عن الانبهار الذي يتعرضون له خلال زيارتهم، وبالتالي تغيير الأيديولوجيّة حيال أهمّ قضّية عربيّة.

يا حبّذا لو يكون هناك إجماع رأي لدى الأقباط في هذا الموضوع، ومناقشته بعيدا عن التشنّج والتخوين، لأنّه بين التوق والشوق لزيارة القدس ومعالمها الدينية، وبين الشعور السيئ بالتطبيع العلني الكثير من المشاعر المتضاربة التي تحرّك توجّهات كل فرد، ولا يمكن السيطرة عليها، أمّا وجهة نظرنا الشخصيّة فهي :”ابعد عن الشر وغنّي له”، ويكفي تطبيع الزعماء، وخلّي شعوبنا مُوّحدة في موقفها من رفض التطبيع.

* لطيفة اغبارية/ راي اليوم