لا أصدقاء لأمريكا

لا أصدقاء لأمريكا
الخميس ١٩ مايو ٢٠١٦ - ٠٦:٥١ بتوقيت غرينتش

من السذاجة ان يتفاجأ البعض من طريقة تعامل امريكا مع الانظمة، التي كانت تعتقد ان تقديمها للخدمات المجانية حتى على الضد من مصالح شعوبها لامريكا ستعصمها من الغدر الامريكي، فهذه السذاجة نابعة من عدم معرفة بالسياسة الامريكية، التي لا ترى سوى مصالحها، وكل ما عداها ليس سوى سلم للوصول الى هذه المصالح.

العديد من الانظمة التي ارتبطت، حتى عضويا، بامريكا، على سبيل المثال نظام حسني مبارك في مصر ونظام زين العابدين بن علي في تونس، وحتى تلك التي اقتربت كثيرا من امريكا كنظامي صدام حسين في العراق والقذافي في ليبيا، تخلت عنها امريكا بالكامل عند اول تحد لمصالحها في المنطقة، فكلنا رأى كيف تخلت عن رؤساء هذه الانظمة وباعتهم بثمن بخس، في الوقت الذي كان السذج يتصورن ان امريكا لا يمكن ان تفرط بهؤلاء، الذين خدموا امريكا على مدى عقود ونفذوا جميع مخططاتها التي كانت ومازالت تكلف شعوب المنطقة اثمانا باهظة.
من الانظمة التي ارتبطت عضويا بامريكا منذ 70 عاما وتحديدا منذ عام 1945، هو النظام السعودي، الذي كان يتصور انه يمثل احد اهم اركان السياسة الامريكية في المنطقة وحتى العالم، والذي لا يمكن ان نتصور تنفيذ سياسة امريكية لمنطقة الشرق الاوسط دون تصور السعودية، ولكن التطورات التي نشهدها هذه الايام، تؤكد مرة اخرى حقيقة ان امريكا لا تعترف سوى بمصالحها، وانها على استعداد ان تسحق حتى اقرب حلفائها من اجل هذه المصالح.
منذ فترة ونشهد بعض التجاهل الامريكي للدور السعودي في المنطقة، بل ان هناك الكثير من النقد اخذ يوجه الى السعودية من قبل امريكا بسبب سياستها التي تعتمدها في المنطقة والعالم، القائمة على دعم المجموعات بالمال والسلاح، وزاد من حدة هذا النقد تراجع الحاجة الامريكية للنفط السعودي بعد استخراج النفط الصخري في امريكا.
تعتقد الجهات التي تقف وراء السياسة الامريكية التي تنفذها الحكومات الامريكية المتعاقبة، ان الكلفة التي تدفعها امريكا للدفاع عن النظام السعودي، باتت باهظة ولم تعد ذات مردود اقتصادي لها، لذلك بدأنا نسمع ومن اعلى المستويات انتقادات حادة للسياسة السعودية على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويمكن الاشارة الى التصريحات الاخيرة للرئيس الامريكي باراك اوباما بهذا الشان، والمعروفة ب"عقيدة اوباما"، والتي اكد فيها بشكل واضح وصريح ان السعودية كانت وراء "التطرف الاسلامي الوهابي" في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية ودعمته بالاموال ودعاة الوهابية، وهي تصريحات تزامنت مع تاكيد اعلامي عن وجود 28 صفحة في تقرير هجمات الـ 11 من أيلول سرية، حيث يشير كثير من الساسة والمراقبين إلى أنها تثبت تورط الرياض.
آخر الاجراءات الامريكية التي يستشف منها، ان العلاقة بين امريكا والسعودية تمر في احلك ظروفها، وان هناك امر ما يعد في المطابخ الامريكية ضد السعودية، تمثل بموافقة مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي على مشروع قانون يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001، بإقامة دعاوى قضائية ضد الحكومة السعودية، وفي هذه الحالة سيتيح إقامة دعاوى بمحكمة اتحادية في نيويورك يسعى من خلالها المحامون إلى إثبات أن السعوديين كانوا ضالعين في الهجمات على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).
في حال ادانت المحاكم الامريكية السعودية، عندها ستضع امريكا يدها على ما يزيد عن 750 مليار دولار من الاموال السعودية في امريكا، هذا السيناريو يبدو انه سيتحقق بعد التصريحات التي ادلى بها المحامي جيمس كريندلر الذي يمثل أسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر أيلول والتي اكد فيها انه سيكون جنونا من أوباما أن يعترض على تشريع يحظى بتأييد الحزبين يفتح المحاكم الأمريكية أمام ضحايا أسوء هجوم إرهابي في تاريخ الولايات المتحدة.
يبدو ان قانون معاقبة السعودية ماض نحو التطبيق، ولن يوقفه "فيتو" الرئيس اوباما، لسهولة تمريره باغلبية الثلثين، وهي نسبة متوفرة في مجلس الشيوخ، وان تداعيات ادانة السعودية تتجاوز التعويض المالي، وهو بمئات المليارات، الى ما هو اخطر من ذلك، فالمحاكم الامريكية ومن اجل ان تحصل على المال السعودي لاسر الضحايا، ستتهم اولا وبالاسم اكبر امراء الاسر الحاكمة السعودية، الامر الذي يشكل ضربة قاصمة للنظام السعودي، الذي سيتهم من اقرب حلفائه، بتمويل الارهاب في العالم، وهذا الاتهام سيكون مقدمة لاتخاذ اجراءات قد تدخل النظام السعودي في نفق مظلم.

* شفقنا