الحج والسياسة: السؤال المهم

الحج والسياسة: السؤال المهم
الثلاثاء ٢٠ سبتمبر ٢٠١٦ - ٠٥:٣٨ بتوقيت غرينتش

وصل عدد الحجاج هذا العام حوالي 1.6 مليون نسمة من أكثر من 65 دولة. وهي قوة ناعمة ضخمة للمملكة السعودية وللمسلمين أنفسهم، حيث يرى العالم وحدة الحجيج بالرغم من تعدد الأجناس واللغات، ولكن السؤال المهم: لماذا هذا التناقض بين وحدة الحجيج وانقسامات المسلمين، وما الحل؟

كان من أولى رحلات عبدالناصر الخارجية بعد وصول الضباط الأحرار للحكم هو ذهابه لأداء فريضة الحج في 1953. كان عبدالناصر ـ كمعظم أبناء طبقته المتوسط ـ متدينا ولكن لم يكن إسلاميا، بمعنى أن يجعل من تعاليم الدين الإسلامي أساس نظام الحكم. نعم في ترحاله الطلابي للبحث عن هوية سياسية، انجذب عبدالناصر إلى جماعة الاخوان المسلمين الذين اختلفوا عن بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية في تأكيدهم على الهوية الاسلامية، كما أن تنظيم الضباط الأحرار كان يضم بين صفوفه بعض المتعاطفين مع جماعة الاخوان وحتى أعضاء فيها، وحتى قام عبدالناصر والعديد من زملائه بالتنسيق مع جماعة الاخوان في السنوات الأولى للعهد الجديد، لكن دب الخلاف وظهر للعلن في 1954 عند محاولة اغتيال عبدالناصر، إلا أن ما لفت نظر عبدالناصر في هذه الرحلة الخارجية الأولى في 1953 هو هذا المنظر المهيب للحجاج في مكة، هذه الجماهير التي تأتي من كل صوب ولكنها متراصة ومنتظمة، وذلك بالرغم من تعدد الدول التى جاءوا منها واللغات التي يتعاملون بها. تأثر هذا الشاب الثوري الذي وصل لتوه للحكم بحيث أنه أعلن بكل وضوح أن الدائرة الإسلامية هي إحدى الدوائر الثلاث في السياسة الخارجية المصرية الجديدة، وفي الحقيقة عندما نقرأ هذا التصور للسياسة الخارجية المصرية والتنظير لدور نشيط، فإن الدائرة الإسلامية هي أكثر من ثلاث، على أساس أن الدائرتين الآخريين ـ العربية والإفريقية ـ تحتويان أيضا على الإسلام والعديد من المسلمين، فيجب ألا ننسى مثلا أن أكبر دول القارة الإفريقية قاطبة ـ نيجيريا وسكانها الذين تعدوا 150 مليونا تكون أغلبيتهم من المسلمين، الإسلام كان إذن حاضرا وبقوة في تنظير السياسة الخارجية المصرية وهي تبحث عن دور نشيط على الساحة الدولية. ومع ذلك وبعد وقت وجيز للغاية تعدلت ممارسة السياسة الخارجية المصرية مع الالتزام بالدور الدولي النشط ولكن تغيير الدوائر الأساسية. استمرت الدائرتان العربية والإفريقية ولكن تم إعادة صياغتهما ليرتبطان بالدائرة الثالثة الجديدة التى حلت محل الدائرة الإسلامية: دائرة عدم الانحياز، والتي تزعمتها مصر منذ منتصف الخمسينيات مع كل من الهند متعددة الأديان ويوجوسلافيا المسيحية. القراءة المتفحصة لوثائق هذه الفترة توضح بدون أدنى شك الاستقطاب الأيديولوجي القوى داخل العالم الإسلامى، بدءا من الدفاع عن الأحلاف العسكرية الغربية مثل حلف بغداد وجنوب شرق آسيا والانضمام إليها من جانب دول إسلامية كبيرة مثل العراق بالطبع ولكن أيضا إيران وباكستان التي انفصلت عن الهند لتكون دولة إسلامية، بل إن تركيا نفسها كانت عضوا نشطا فى الناتو ـ أي حلف شمال الأطلنطي. ومع ذلك يجب التوضيح أن كلا من معسكري الدول الإسلامية المتصارعة ـ المتحالفة مع الغرب والمؤيدة لعدم الانحياز ـ كانت تعلن أن سياستها تستوحى الإسلام وتهدف إلى تدعيمه. هكذا أصر معسكر عدم الانحياز أنه يهدف إلى الاستقلال بعيدا عن عودة الاستعمار الغربي بينما يصر المتحالفون مع الغرب أنهم يدافعون عن التعاليم الدينية ضد »الاتحاد والشيوعية التى لا دين لها«. السؤال المهم هو مع انتهاء الحرب الباردة واختفاء الاتحاد السوفيتي نفسه، لماذا يستمر الخلاف الحاد بين الدول الاسلامية، لماذا كانت أطول حرب دامية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هى بين دولتين إسلاميتين: العراق وايران، لمدة ثمانى سنوات 1980 ـ 1988؟ وذلك بالرغم من وجود مؤسسات إسلامية للتوفيق بين هذه الدول. هناك بعض الردود الجاهزة مثل: أن قادة الدول الإسلامية لايتبعون تعاليم دينهم فى الممارسة، أو أن الدول الأجنبية تعمل على تفرقة المسلمين، وعندنا فعلا نظرية دولية تم تطويرها وتطبيقها أثناء الحرب الايرانية ـ العراقية وهي نظرية الاحتواء المزدوج التي كانت تسكب الزيت على النار لكي تستمر هذه الحرب أطول مدة ممكنة لكى يتم إضعاف هاتين الدولتين جناحي الإسلام، وهو ما حدث. ولكن هذه الاجابة لاتكفي لشرح استمرارية الاقتتال بين المسلمين ودولهم. لماذا بقي هؤلاء المسلمون منقسمين على أنفسهم بحيث لم يستطيعوا مواجهة تحديات الاختلاف الداخلي وإحباط الانتهازية الخارجية؟.

الاجابة باختصار ـ والتي قد تتطلب مقالة مستقلة ـ هي افتقار المسلمين إلى ما يسمى «كيف وإخواتها»، أي كيفية قبول الخلافات فيما بينهم، وإيجاد الوسائل الجدية لحل هذه الخلافات، فبالرغم من الإصرار على التسامح كأحد مكونات السلوك الاسلامي، فإن الخلاف سريعا ما يصبح استقطابا بل يضحي اقتتالا، من العلاقة بين إيران والسعودية إلى صناعة العداوة بين الشيعة والسنة، ناهيك عن ظهور منظمات إرهابية تتكلم باسم الاسلام مثل القاعدة أو داعش وغيرهما من ميليشيات إسلامية على المستوى المحلي. ولتوضيح أهمية «كيف وإخواتها». فلنقارن ما يحدث في أوروبا بعد تصويت خروج البريطانيين من الاتحاد، بالرغم من أن البريكسيت شبيه «بالطلاق» المؤلم للبعض، إلا أن الجهود مستمرة ليكون هذا الطلاق رحيما، يحمي ما تبقى لأعضاء الأسرة وحتى تجنب القطيعة بين الزوجين.

* ‏بهجت قرني ــ الأهرام