ليلة اعدام شهرزاد.. في سجن صيدنايا "الرهيب" !

ليلة اعدام شهرزاد.. في سجن صيدنايا
الجمعة ١٠ فبراير ٢٠١٧ - ٠٨:٢٣ بتوقيت غرينتش

عندما تصدق اللغة فانها تكون مثل ماء الرحيق ترشفه شفاه نحلة لتحيله الى عسل يسري في الحلوق.. ولكنها عندما تكذب فان الكلمات تتحول الى أبقار ميتة نافقة في أشداق أفعى أناكوندا تبتلعها ببطء وينتفخ بطنها حتى يكاد ينفجر..

وعندما تصدق اللغة ترتدي الحكاية ثياب أسطورة خالدة لاتموت وتمر في جينات الزمن لينقلها في دم السنوات والقرون وخلايا العصور .. أما عندما تكذب اللغة فانها تصبح لغة انغماسية تحمل حزاما ناسفا حول خصر اي حكاية تبحث واهمة عن خلود الجنة .. وأول ماتقتل فانها تقتل الحكاية التي تزنرت بها التي يطير لحمها أشلاء..

وحال الحرب الاعلامية على سورية هو أنها خرجت من اطار المعقول ووصلت المبالغات فيها انها صارت حكايات لايمكن أن تمر في البلعوم لأنها كبيرة جدا ويجب أن يكون بلعوم أحدنا مثل بلعوم افعى الاناكوندا التي تبتلع بقرة أو جاموسا أو تمساحا يدخل حلقها ببطء وينتفخ بطنها حتى ينفجر .. كل كذبة أضخم من سابقاتها .. وبلعومنا لم يعد يقوى على التمدد وبطوننا تنفجر كل يوم من حجوم الأكاذيب التي تدفع دفعا الى حلوقنا .. ولعل أكثر مايذهل في الحرب الاعلامية التي هاجمت سورية هو أنها كانت مليئة بالتقارير الانغماسية التي تتسلل لتكون بيننا وتتحول الى "قصص انتحارية" تريد أن تقتل نفسها وأن تقتلنا لكنها هي أول من يموت مثل الانتحاريين الاسلاميين الذين يربطون أحزمة ناسفة تنسفهم مع خصومهم.. وأكثر من يتمزق ويتناثر اشلاء هو أجساد الانتحاريين التي حملتها..

وماحدث أن منظمات دولية وحقوقية نسفت نفسها بنفسها في تقارير كانت مثل أحزمة ناسفة حول خصر هذه المنظمات التي حاولت نسفنا ولكنها انفجرت بكل مصداقيتها ودمرت نفسها لأن التقارير التي أفرطت في لاعقلانيتها تحولت الى مواد ناسفة شديدة الانفجار أول من تمزق بها هي سمعة تلك المنظمات وهيبتها.. وهي التي تعتبر نفسها مرموقة وذات هيبة..

فمن يقرأ تقرير منظمة العفو الدولية الأخير الذي يتحدث عن اعدام عشرات الآلاف شنقا في سجن صيدنايا في السنوات الخمس الأخيرة.. يحس أنه يحتاج الى أن يشرب مع الخبر مادة مزلقة كي يمكن بلعها وتمريرها في البلعوم.. لأنه يحتاج الى بلعوم أناكوندا كي يزدرد هذا الخبر.. بل ان بلعوم الاناكوندا لايمكن ان يبتلع هذه التقارير المفبركة دون أن يتمزق.. لأن الأبقار الميتة النافقة صارت فيلة نافقة ..لأنه حتى تفاصيل السرد والقصص بدا أنها غير متماسكة وفيها الكثير من الصمغ واللصق والقطع والتطعيم والتضخيم والتصنيع.. بل ان الارقام وتفاصيل السردية الجديدة تكاد تضحك وهي تنظر في عيوننا لأنها تعرف أنها تكذب علينا من شدة المبالغة..

فالتقرير الذي أطلقته منظمة العفو الدولية يشبه تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري وبذات الصياغة وبنفس آلية توفير شهود الزور.. شهود مقنعون وشهود غامضون وشهادات تحت الضغط والاكراه والابتزاز والتهديد والاغراء.. وهناك تشابه في هياكل هذه التقارير لأن من يصنعها هو مكتب واحد صارت له لغته كما كل كاتب له بصماته.. فهناك دوما أرقام مهولة.. وهناك ظلام ورعب ووصف تقشعر له الأبدان في محاولة رخيصة لابتزاز مشاعر الناس.. وفيها لمسات أدبية في وصف الموت والاعدام ولجظات المعاناة والالم على فراق الموتى وشطحات من خيال علمي.. وطبعا هناك حبكة وقطبة مخفية تترك للآخرين مجالا لتسريب تفسيرات وقصص يتسلى بها العامة.. فالموتى تسمع الزنازين في الطوابق العلوية أصوات تأرجحهم على الحبال لمدة طويلة وتسمع الزنازين صوت تحطم حناجرهم وكأنها قطع حديد تتعرض للسحق وتسمع في كل مكان حتى من الزنازين في طوابق أخرى!! وهناك مشنوقون ذوو وزن خفيف لايموتون فيضطر الجلادون لجذبهم والتعلق بأجسادهم لاكسابها ثقلا كي يموتوا..

والأهم ان الذين تمت الاشارة اليهم في تقرير منظمة العفو الدولية على أنهم شهود عيان هم من نفس نوعية شهود الهجوم الكيماوي في الغوطة وشهود عيان اغتيال الحريري وبذات النزاهة ولايمكن الطعن بمصداقيتهم لأنه تم اختيارهم بعناية وعلينا ان نبلع الحكاية ويكون لنا بلعوم أناكوندا!!.. وهناك اعتماد دائم على شهادات اشخاص اسلاميين يعرف القاصي والداني أنهم مستعدون لقول أي شيء في سبيل تبرير وحشية التيارات الدينية المتوحشة الوهابية التي تقتل بحجة الثأر من النظام الذي يقتل والتي تكذب بحجة ان الحرب خدعة..

وهناك نوع جديد من الشهادات التي صارت المنظمات الدولية تعتمدها وهي شهادات من أجل طلب اللجوء السياسي (على المضمون).. فهناك اشخاص كثيرون يبيعون شهاداتهم مقابل الحصول على لجوء سياسي في الغرب وخاصة أولئك الذين في الغالب سيرفضون بسبب ثبات نشاطاتهم الاسلامية.. ومن أجل هذه الغاية لابد من الادلاء بشهادات شديدة الغرابة كي تعتبرها المؤسسات الدولية خطيرة لدرجة أن من يدلي بها يستحق الحماية القانونية ومنحه اللجوء لأنه يكشف اسرارا خطيرة للغاية ستهدد حياة من يكشفها لأنه سيتعرض للانتقام والموت ان لم يتم منحه اللجوء السياسي ولم الشمل .. وهذا مايفسر غرابة القصص التي يرويها البعض من هؤلاء الشهود والتي في كثير من الأحيان تصل اليهم مكتوبة بعد معالجتها في مكاتب استشارية في استانبول والدوحة.. تنصحهم بقول ماكتب لهم لأنه سيسهل عملية منح اللجوء مهما كانت الاعتراضات سابقا.. وهذه حالات تواصلنا معها وعرفنا من بعض من كان يدلي بشهادات في قضايا واتهامات سابقة انه طلب منه أن يبالغ وان يردد قصة مكتوبة وفق نصيحة (قانونية) كي تتحول الى وثيقة باسمه يحولها الى منصة تحمله الى لجوء آمن وناجح.. خاصة اذا كانت هناك شبهات أنه من الذين حملوا السلاح ومارس العنف سابقا.. فهو بتقديمه لشهادة قوية - كسجين اسلامي تعرض للتعذيب ورأى مالايجب أن يراه - يخترق الاعتراضات على قبوله لاجئا..

شهرزاد غادرت قصر شهريار وهي تقبع اليوم في زنزانة معزولة في سجن صيدنايا وتسمع أصوات المشانق التي تعصر أعناق الجكايات .. وتهز مشاعرها أصوات طقطقة الحناجر التي تسحقها الحبال مع طقطقة عظام الرقبة في الليل أو مع طلوع الفجر..

ويؤسفني أنني لاأملك الا ضحكتي أقدمها لشهرزاد وهي تغادر قصر شهريار بعد ألف ليلة وليلة نضبت فيها قصصها وحكاياتها واصاب الملل شهريار وجاء بمنظمة العفو الدولية لتقص عليه قصصا أغرب من قصص شهرزاد وتفوق في جموح خيالها كل ماتخيلته شهرزاد.. فأين هي قصص العفاريت والجن الأزرق والعمالقة والملوك المسحورين من قصص قيصر التي يرويها شخص يقول انه مجهول يلتقط الصور لعشرات آلاف الجثث المجهولة بدقة وحرفية مع لمسات ضوئية فنية؟؟.. واين هي قصص شهرزاد من قصص أظافر أطفال درعا ومن قصة حمزة الخطيب الذي شوهد من قبل المئات وهو تحت التعذيب..

في كل يوم قصة سخيفة ورواية خيالية عن الاهوال في سورية.. فيها تقارير انتحارية تقتلها قبل أن تقتل خصومها.. ونحن بانتظار اصدارات جديدة من تأليف منظمات حقوق الانسان ومنظمات الطفولة والمرأة وووو.. لأن لكل منظمة دلوا مليئا بالزرنيخ يجب أن ترميه في بئرنا لتسممه بحكاياتها .. حكايات سلخ الأحياء وصنع المعاطف من جلودهم لنساء الشبيحة .. وقصص الحناجر المخلوعة والعيون المقلوعة بشوكات الطعام التي يجمعها ضباط الأمن لأولادهم .. وطبعا سنعرف لاحقا أن ازمة الوقود والغاز في سورية ليست بسبب ضرب حقول وانابيب الغاز من قبل الثورجيين بل لأن الغاز والنفط السوري يتحولان الى أفران الغاز التي يبنيها النظام السوري لشعبه حيث ينتظر ستة ملايين معتقل الاعدام في غرف الغاز في هولوكوست النظام النازي السوري .. وسيظهر قيصر آخر يصور لنا صور أكوام الأحذية والنظارات التي تكدست على ابواب غرف الاعدام قبل ولوج أصحابها الى أقدارهم..

معذرة شهرزاد ان ضحكت وانت تغادرين قصر شهريار الى سجن صيدنايا .. ومعذرة ان لم أكن قادرا على انقاذك .. لأن هناك من الثورجيين وموظفي منظمات الأمم المتحدة من سيأخذك قريبا الى غرف الاعدام في ذلك السجن الرهيب .. وسنسمع صوت طقطقة حنجرتك من نيويورك .. حنجرتك التي طالما حكت الحكايات .. سنسمعها تنكسر كقطعة الفولاذ في تسريبات صوتية للجزيرة والسي ان ان .. وسيلحق بك شهريار نفسه .. وسيتم بعد ذلك اعدام الليالي الألف.. ليلة اثر ليلة.. واعدام كل الحكايات.. لأن من يدير الحرب على سورية قرر أن يقتل كل شيء يصادفه.. وأن يحول الرحيق الى بقرة.. والنحلة الى أفعى.. وأن يكون هو وحده من يروي الرواية.. وان يقتلك حتى أنت وشهريار.. ويرمي جثتيكما في سجن صيدنايا الرهيب.. ثم يبكي مثل تمساح فوق جثة وردة مسحوقة..
المصدر: شام تايمز
103-4