لقاء انطاليا نسق عدم الصدام البري والجوي بين روسيا وأميركا وتركيا

لقاء انطاليا نسق عدم الصدام البري والجوي بين روسيا وأميركا وتركيا
الثلاثاء ١٤ مارس ٢٠١٧ - ٠٦:٢٣ بتوقيت غرينتش

ثلاثة لقاءات مهمة حدثت خلال الشهر الجاري، وقادت كلها الى هندسة رقعة شطرنج تدويل منطق النفوذ العسكري في الأزمة السورية التي انتشرت في ميدانها أخيرا قوى عسكرية إقليمية ودولية.

العالم - العالم الإسلامي

اللقاء الأول حدث في انطاليا وضم رؤساء أركان جيوش تركيا وروسيا والولايات المتحدة الاميركية. وبحسب مصادر مطلعة، فإن الهدف الاساس لهذا اللقاء كان تنسيق عدم حصول صدام بري وجوي بين قوات هذه الدول المتموضعة في الميدان السوري وخصوصا حاليا في شمال سوريا عند مدينة منبج... ويضاف لهذا اللقاء أهمية اخرى، وهي ان تركيا أدت من خلاله، للمرة الأولى في تاريخها الاطلسي، دور المضيف للقاء عسكري أميركي ـ روسي، ودور أنها تستضيف وتشارك في اول لقاء عسكري روسي ـ أميركي حول سوريا في عهد الرئيس دونالد ترامب.

ومجمل هذين الترميزين يؤشر الى اتجاه لتدويل النفوذ العسكري في سوريا يمهد لإسقاط الرقة ولوضع الخطوط الحمر التركية تجاه الاكراد، والاسرائيلية تجاه جنوب سوريا، أمام اختبارات تطبيقها.

اللقاء الثاني ذو الصلة برسم خطوط تدويل النفوذ العسكري في سوريا، يتمثل بزيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ووفق معلومات خاصة فإن نتنياهو حاول ان يطرح على بوتين مقايضة لتعديل قواعد الاشتباك في سوريا المتفق عليها بين موسكو وتل أبيب. وفي التفاصيل ان نتنياهو عرض ما لدى "اسرائيل" من معلومات حول ان ايران تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية على الساحل السوري.

أما موسكو فنفت وجود معلومات من هذا القبيل، واعتبرت ان نتنياهو من خلال طرحه هذا، أراد جعل موضوع "الوجود العسكري الايراني" في سوريا بمثابة نقطة جديدة على أجندة نقاش تل ابيب مع موسكو حول سوريا، وذلك مقدمة لأن تطلب "اسرائيل" ضمانات روسية تجاهه.

اللقاء الثالث يتمثل باجتماع بوتين مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في موسكو، وفي صلب هذا الاجتماع كان موضوع مستقبل الحرب على الرقة لتحريرها من "داعش". وتؤكد معلومات أنه حتى اللحظة لم تكشف ادارة ترامب، لا لروسيا ولا لتركيا، عن تفاصيل خطتها لمحاربة الارهاب في سوريا، وضمنها ملف الرقة.

وثمة انتظار في موسكو منذ تولي ترامب الحكم لإشارة منه تشي بأنه يريد بدء التحدث مع الكرملين في سبل محاربة الارهاب في سوريا. ولعل لقاء انطاليا بين رؤساء اركان جيوش الدول الثلاث كان بمثابة أول اتصال عسكري يحصل في عهد ترامب بين الروس والاميركيين في تركيا وبمشاركتها، له صلة بالوضع السوري.

لكن هذا اللقاء لم يتطرق الى المسألة التي تنتظرها موسكو، وهي سبل تجسيد تشاركها مع الأميركيين لمحاربة الارهاب في سوريا، وفي الاساس من هي القوى التي ستشارك في معركة الرقة التي يستعجل الاميركيون خوضها، وبدلا من ذلك اقتصر لقاء انطاليا على وضع آليات لضمان عدم حصول صدام بري وجوي بين الدول الثلاث في سوريا.

ويقول السياق نفسه لهذه المعلومات ان تركيا تنتظر من واشنطن الاجابة عن اسئلة وجهتها اليها حول معركة الرقة وضمنتها خطوط أنقرة الحمر في شمال سوريا، وأبرزها عدم المشاركة في تحرير الرقة في حال شارك حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي فيها. لكن المصادر التركية تقدم مطالعة مختلفة لموقفها من الرقة، فأنقرة لا تعتبرها أولوية بالنسبة اليها. وعليه، فهي تضع لمشاركتها فيها "ثمنا" و"شرطا".

الشرط هو استبعاد مشاركة الاكراد، واما الثمن فهو ان تنفذ واشنطن وعدها لأنقرة بإخراج قوات الحماية الشعبية الكردية من منبج ومن مجمل منطقة غرب الفرات.

وتحتل منبج من وجهة نظر انقرة أولوية على الرقة لأن السيطرة عليها وطرد الاكراد منها يؤمنان الفصل بين الكانتونات الكردية الثلاثة التي في حال اتصلت جغرافيا، يصبح قيام كردستان - سوريا مسألة وقت فقط، وهو أمر ترفضه تركيا بشدة، وتداوم على الاعلان عن انها ستحول دون نشوئها حتى ولو اضطرت للتباين مع الأجندة الاميركية في سوريا!

والسؤال المطروح حاليا في كواليس اللاعبين الكبار في الازمة السورية: هل تدخل تركيا منفردة الى منبج في حال لم تف واشنطن بتعهدها بسحب الاكراد منها وإعادتهم الى منطقة ما وراء خط غرب الفرات؟

في أنقرة يلفتون الى إمكانية حدوث هذا الامر، ولتأكيد ذلك يقولون إن عملية "درع الفرات" بدأت بعد عشرة أيام فقط من محاولة الانقلاب الفاشلة ضد اردوغان، وكانت حينها العلاقة التركية ـ الاميركية في أوج سوئها، وآنذاك لم تستأذن انقرة واشنطن بها، لكن الاخيرة سارعت للالتحاق بمساندتها جوا بعد بدئها.

ويسود انقرة اقتناع بأن التفاوض مع ادارة ترامب حول الرقة والاكراد الذي يوجد ارهاصات ضعيفة له الآن، سيفضي في نهاية المطاف الى تسوية لا تضر برهان واشنطن على الاكراد، ولا تؤذي علاقاتها بتركيا، وقوامها أن يشارك الاكراد في معركة الرقة من دون السماح لهم بدخولها بعد تحريرها.

وقد تتسع هذه المعادلة في اتجاه ان يتقرر مصير الرقة بين موسكو وواشنطن، ضمن معادلة عدم السماح بدخولها لا للمعارضة ولا للجيش السوري. وكبديل لهما، يتم زرع العلمين الروسي والاميركي فيها على أنقاض علم "داعش".

والترجمة العملية لذلك هي تحول الرقة في سوريا الى ما يشبه الرمزية التي كانت لبرلين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ارتسم داخل هذه المدينة خط الفصل بين النفوذين الأميركي والسوفياتي في أوروبا.

* ناصر شرارة/ الجمهورية

108