هزيمة المحور السعودي.. ولو بعد حين

هزيمة المحور السعودي.. ولو بعد حين
الثلاثاء ٣٠ مايو ٢٠١٧ - ١٢:٤٩ بتوقيت غرينتش

سبحان الله، الآية 36 من سورة الانفال ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).. تجد اليوم أحد مصاديقها في سلوك آل سعود ومثلهم من العربان، الذين ينفقون أموال النفط خوفاً من أسيادهم الأميركان والبريطانيين، لكنها لن تشفع لهم، لان الأميركي لا يفكر الاّ بمصالحه ولا حلفاء دائمين له، وهو مستعد ان يضحي بكل شئ من اجل تلك المصالح، حتى لو كان شاه إيران او حسني مبارك او عيسى آل خليفة او خليفة آل ثاني...الخ.

العالم - مقالات

بهذه المقدمة أريد ان أشمت قليلا بآل سعود الذين انفقوا اكثر من 500 مليار دولار من أجل ان ترضى عنهم امريكا والسيد ترامب، ويحول دون سقوطهم بعد فشل سياساتهم العدوانية في اكثر من موقع، والتي يعتقدون ان سبب فشلها الاساس هو: محور المقاومة وعصبه الرئيس إيران ـ حزب الله.

فلم يمض الكثير من الوقت، مجرد يومين او ثلاثة على القمم الثلاث التي حشدها آل سعود مع سيدهم وولي أمرهم القاهر بالأمر "ترامب" وبمعيته أم الوهابيين "ميلانيا" حتى ثارت العواصف بوجههم من كل مكان، وبدى التمزق والتطاحن واضحاً بينهم وبين حلفائهم من جهة، وبين الحلفاء انفسهم من جهة اخرى.

سوف ابدأ من السودان الذي أضحى جنوده في مقدمة المرتزقة المشاركين في العدوان على اليمن.. هذا السودان ثارت ثائرته على مصر التي يقول السودانيون انها تتامر عليهم لاقتطاع دارفور بالتعاون مع قوات حفتر في ليبيا (المدعومة من الامارات التي تسعى الى انفصال الجنوب اليمني ايضا) وحكومة جنوب السودان.. ولربما يصل الخلاف بين الجانبين المصري والسوداني الى الصدام العسكري، خاصة وان الطائرات الحربية المصرية حلقت فوق حلايب المتنازع عليها بين الجانبين...

ليس هذا الشقاق الوحيد، فقد شهدت القمة الترامبية ـ العربية الاسلامية، كما يسمونها، تجاذباً بين العاهل الاردني الذي تعمد التأخر للقاعة والملك السعودي، وأثبت سلمان لضيفه الهاشمي أنه أكثر ديناً واعرف منه بالحديث والرواية.. وان لواء الاسلام ليس قضية قبلية ليصادرها الهاشمي، وانها ليست الاّ ايماناً وهابياً يفرض نفسه بالمال والسيف!

الرئيس التركي الذي حضر شريكه الاستراتيجي، الامير القطري تميم، كان غائباً عن العرس الترامبي والعرضة التي قدمها سلمان رغم كهولة سنه، لكن خبرته السابقة اسعفته في اداء المهمة!.. غياب السيد أردوغان كان سببه معرفته بأن أهم أذرع سياسته السلطانية العصمللية في الخارج ستدان على يد الثلاثي (السعودي ـ المصري ـ الاماراتي) وتوصف بعصابات ارهابية، اقصد الاخوان المسلمين، وهو اساساً ممتعض من الدعم الاماراتي لانقلاب كولن الفاشل ودعم أميركا للاكراد ومن ترامب الذي لم يتحدث معه خلال زيارته لواشنطن سوى عشرين دقيقة دون نتيجة.

تميم بدوره كان محاصراً في قمتي الرياض، من قبل السعودية والامارات ومصر، ويعتقد ان الرهان الأميركي السعودي كان على المحور المصري ـ الاماراتي وليس على المحور التركي ـ القطري.. وفي هذه القضية مسالة نفسية وعقدة سعودية ازاء القاهرة وفرصة لتجعل من قلب العروبة وام الدنيا تبعا لها وذيلا لسياساتها، وتفخر بذلك امام السيد الأميركي.

لكن الموقف السعودي تجاه تركيا وقطر وحتى الاردن بدرجة اقل يعتبر مغامرة، سواء نجحت الانقلابات التي حاولوا تدبيرها ضد قطر ام لا.. اجل مغامرة لان لقطر وتركيا ثقلا في الوضعين السوري والعراقي والمصري والفلسطيني.. والاخطر للسعودية فيما يتعلق بالوضع اليمني وامكان تغيير موقف حزب الاصلاح، خاصة وان انصار الله الحوثيين وجماعة الرئيس صالح لم يقطعوا معهم تماما وابقوا على شعرة معاوية مع بعض قياداته!.. فضلا عن صعوبة الثقة بالحليف الاماراتي والاطمئنان اليه، بدليل: ما قام به في اليمن من طرد لمرتزقة السعودية من عدن ودعمه للقوى الجنوبية الانفصالية، وايضا ما شاهدناه من زيارة محمد بن زايد الى واشنطن قبيل مجئ ترامب الى السعودية، وعلامات الاستفهام الكبيرة التي أثارتها والهجوم الذي طال الامارات من قبل الاعلام السعودي.. وما كلف ذلك السعودية من اموال وتنازلات لاقناع السيد الأميركي بجدوى العمالة السعودية وتقديمها على غيرها!

الى الآن يبدو ان الامارات ومصر تصطفان بقوة مع الموقف السعودي (قد يقول البعض ان هناك البحرين ايضاً، لكن النظام البحريني اليوم يشكل عبأ على الرياض بسبب الأزمة الكبيرة التي يعاني منها مقابل جماهير الشعب)، رغم ان الاختلاف واضح في الاهداف، فالسعودية همها الاول إيران ومن ثم العراق واليمن وسوريا وحزب الله، والامارات تريد ان تلعب دورا لصالح السيد الأميركي في المنطقة من خلال الدفع نحو المزيد من التقسيم، وايضا الوقوف امام حركة الاخوان المسلمين..

لكن الامارات غير مأمون جانبها ولا يطمئن الى طموحات الشباب الذين يحكمونها، ومصر وضعها الداخلي ليس على ما يرام، ومع ان السيسي يريد الترشح لولاية ثانية الا ان وضعه لا يزال قلقاً.. خاصة اذا اندلعت حرب مع السودان، حتى لو كان هو المنتصر فيها!

ومع مشكلة جزيرتي تيران وصنافير المصريتين فان جبهة اعداء السيسي في الداخل تتسع يوما بعد يوم، ورهانه على فلول النظام السابق لن يجديه شيئاً.

اعتقد ان جميع من حول السعودية انفضوا او في طريقهم الى الانفضاض، هذا اذا قلنا باجتماعهم والتفافهم اساساً.. ولم يبق لها سوى أميركا (وبريطانيا اصل المشروع الاستعماري في المنطقة) والكيان الصهيوني.. أميركا طارت بـ"العفش" واليهودي الذي وقعوا له شيكات بيضاء، لن يحصلوا منه على شئ!

لقد انتهت فورة الزيارة الترامبية وبقيت تبعاتها وكم هائل من المشاكل التي تواجه السعودية والامارات.. هؤلاء يعتقدون ان إيران هي المشكلة، بينما ثبت للعالم ان المشكلة في عقلياتهم، وان حربهم ضد المقاومة ومؤامراتهم عليها يشكل نصف تعاستهم، بينما النصف الآخر ياتي من تقاتلهم على العمالة والفوز برضى السيد الأميركي.

ان المشكلة التي اثارتها الامارات والسعودية مع قطر (ومن ورائها الاخوان وتركيا) بحجة تصريحات الامير تميم تجاه إيران وخطأ استعدائها، كانت القشة التي قصمت ظهر التحالف الاعرابي الذي دمر خلال السنوات الست الماضية اربع دول عربية بالتحالف مع الأميركي والصهيوني.. وظهر حجم التباعد القائم بين هذه الانظمة وعمق الخلافات الموجودة بينها، وتنوعها من النزاعات الحدودية والتاريخية الى الاحقاد القبلية والشخصية حتى التباينات في المواقف السياسية.

ولا شك لدي ان كل ما انفقته السعودية وتنفقه البلدان الخليجية الاخرى على السلاح والعتاد، لن يغير من واقع التفوق العسكري القائم بينها مجتمعة والقوة الإيرانية، لاسباب متعددة مادية ومعنوية.. وهي بالتالي ـ اي هذه الانظمة ـ جزء من المنظومة الأمنية والعسكرية الغربية منذ ولادته ولا تحتاج معه الى اعلان ناتو عربي او اسلامي.. فهي:

1. محمية بمعاهدات عسكرية وامنية من قبل القوى الاستعمارية العظمى وخاصة بريطانية التي أوجدتها.

2. وجود قواعد عسكرية أميركية وغربية على اراضيها واساطيل في مياهها الاقليمية والمياه الدولية.

3. عدم قدرتها على استخدام تلك الاسلحة المتطورة، لانه وحسب تصريح لاحد الخبراء السعوديين فان اغلب الجيش السعودي اميّ.. وهذا ما شاهده العالم برمته خلال العامين ونيف الماضيين من العدوان على اليمن، كيف اضطرت السعودية الى استيراد طيارين من باكستان ووصل بها الامر الى جنود مرتزقة من السنغال وكولومبيا!

واذا كان من يصنع ويشغل ويطلق الباتريوت او الثاد أميركي او بريطاني او... فما الفائدة من شرائه خليجياً وهو موجود اساساً في القواعد الأميركية المنتشرة في الجزيرة العربية؟!

 رغم كل ذلك، اعتقد ان هستيريا السعودية لم تنته بعد، ومع كل الانتصارات التي يسجلها محور المقاومة على المشروع الصهيوني ـ الارهابي وتراجع المحور السعودي.. فقد نكون امام جولات اخرى من العنف الذي لا يمكن ان ينتهي مع وجود نظام آل سعود الذي لابد من تغييره او تغيير مضمونه القبلي ـ الوهابي.

بقلم: علاء الرضائي/ قناة الكوثر

3ـ102