هل سيصطدم الروس والإسرائيليون في سوريا؟ 

هل سيصطدم الروس والإسرائيليون في سوريا؟ 
الأربعاء ٠٦ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٢:٢٠ بتوقيت غرينتش

يزيد احتمال التصادم بين الروس والإسرائيليين العاملين على الساحة السورية، وسط مخاوف تل أبيب من ظهور قواعد إيرانية بالقرب من حدودها.

العالم - مقالات وتحليلات

منذ وقت طويل غدت إيران و"حزب الله" من المواضيع الرئيسية في أية مفاوضات بين روسيا وإسرائيل. وفي كل الاجتماعات الأخيرة بين الروس والإسرائيليين يعلن ممثلو تل أبيب مباشرة وصراحة أنهم لايقبلون بظهور قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، ويشدّدون على ضرورة تغيير "الصفقة النووية الإيرانية". وعلى الرغم من أن رد الفعل الروسي لم يُعلن على الملأ، إلا أن بعض تفاصيله أصبحت معروفة.

السلطات الإسرائيلية اتّهمت إيران مراراً وتكراراً باعتزامها إقامة قواعد برية وجوية وبحرية دائمة في سوريا. إن أحد أسباب هذه الاتّهامات يكمن في ظهور منطقة خفض تصعيد في الماضي القريب تحت سيطرة القوات الإيرانية في محافظتي درعا والقنيطرة بالقرب من الحدود الأردنيّة السّوريّة. وحسب ادّعاءات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فإن طهران تستّرت بفرق المراقبين لتزيد من قدراتها العسكرية في هذه المنطقة من أجل متابعة الهجوم على الكيان الإسرائيلي.

ولم تتبدّد شكوك تل أبيب حتى بعد الاتفاق الأميركي الأردني الروسي حول إقامة منطقة خفض التصعيد الجنوبية الغربية على الحدود الشرقية لـ"إسرائيل". القيادتان العسكرية والسياسية لدولة الاحتلال تؤكّد على ضرورة إقامة "منطقة عازِلة" ومنزوعة السلاح بالكامل في الجنوب السوري.

إسرائيل تريد "المنطقة العازِلة" لسببين رئيسيين، تم بحثهما بشكل مفصّل ودقيق أثناء زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى تل أبيب في أواسط تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. السبب الأول هو إبعاد فصائل المقاومة الحليفة لإيران بقيادة "حزب الله" من حدود الكيان الإسرائيلي. أما السبب الثاني فهو التعقيد على إيـران محاولات إنشاء أول قاعدة عسكرية لها على الأراضي السورية. 

ووفق تل أبيب فإن الإيرانيين اختاروا مواقع ثابتة لتواجدهم العسكري المُكثّف في ريف دمشق الجنوبي. وعلى الرغم من أن هذه المواقع لا تقع في منطقة خفض التصعيد الجنوبية الغربية، إلا أن نزع السلاح وإقامة "المنطقة العازِلة" في محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا، من وجهة نظر الإسرائيليين، سيعقّدان على طهران المضيّ قدماً نحو تحقيق أهدافها.

مصادر موثوقة نفت حصول تل أبيب على موافقة موسكو على إقامة "منطقة عازِلة" حتى بعمُق خمسة عشر كيلومتراً من الحدود السورية الـ"إسرائيلية". علماً بأن الإسرائيليين كانوا يتحدّثون عن عمُق يصل إلى أربعين كيلومتراً. وتشير هذه المصادر إلى أن شويغو وصف مطالبة إسرائيل بإقامة "منطقة عازِلة" بغير الواقعية مبيّناً عدم جدوى إنشائها، لأن مقاتلي حزب الله، امتنعوا أساساً من الاقتراب من حدود سوريا مع إسرائيل وفق مبدأ "إن لم تعتد لن نرّد".

ويبدو أن موسكو أوضحت على لسان شويغو للإسرائيليين حساسية ما يطالبون به، ونصحتهم بـ "تخفيف الشهيّة"، والتغاضي عن فكرة "المنطقة العازِلة".

اما بالنسبة لبقية مناطق خفض التصعيد فإن لا اعتراضات لإسرائيل عليها: المراقبة في إدلب انخرط فيها عسكريون من روسيا، وتركيا، وفي الغوطة الشرقية وريف دمشق – الشرطة العسكرية الروسية.

وثمة معطيات، بأن سيرغي شويغو حاول تهدئة مخاوف بنيامين نتنياهو بشأن خطط إيران في سوريا، بعد أن قدّم له وصفاً حول آفاق التوصّل إلى تسوية سلمية للأزمة في سوريا، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، على ما يبدو، لم يغيّر موقفه من هذه المسألة.

وحسب بعض المصادر فإن خلال الاجتماع الذي عقد في نهاية الشهر الماضي بين أعضاء الكنيست الإسرائيلي ومجلس الاتحاد الروسي ، وردت في مواقف الإسرائيليين عبارة أن "إيران هي الدولة الوحيدة التي ترغب في محو إسرائيل من على وجه الأرض، وأن أية محاولة لطهران الاقتراب من حدود إسرائيل تُعتبر في تل أبيب تهديداً مباشراً". واستناداً إلى خبراء معتبرين من منتدى فالداي فإن مَن يشكّل خطراً حقيقياً على إسرائيل ليس إيران، وإنما "حزب الله" المدعوم بقوّة من طهران: "نمت وتعاظمت قوّة الحزب داخل سوريا على مدى سنوات الحرب السوريـة".

وفي خريف عام 2015، أي بعد بدء العملية العسكرية للقوات الجو – فضائية الروسية في سوريا، اتّفقت روسيا وإسرائيل على فتح قنوات اتصال "ساخنة" لتفادي الصِدام في أجواء سوريا، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى المزيد من الوضوح والشفافية في الخطوات التي يتّخذها كل منهما. وكل ما هناك يوجد تنبيه مُسبَق من الجانب الإسرائيلي لأي نشاط عسكري لطيرانه في الأجواء المُتاخمة للمجال الجوّي السوري من أجل استبعاد وقوع حوادث غير متوقّعة، آخذاً بنظر الاعتبار حال التأهّب القصوى لمُضادّات الطائرات الروسية المنتشرة في سوريا. 

باختصار فإن الاتفاق بين الطرفين يحمل طابع الأخطار وليس تنسيق العمل بحد ذاته، ولا توجد صيغة للتنسيق المُسبق للضربات الجوية الإسرائيلية في عُمق الأراضي السورية، التي باتت تستهدف أكثر فأكثر بالإضافة إلى "حزب الله"، مواقع الجيش السوري. 
وعلى الرغم من أن الطرفين كليهما يحاولان تجنّب الصِدام العسكري المباشر في سوريا، إلا أن الحادث الأخير الذي تمثل في قصف منطقة الكسوة في ريف دمشق الجنوبي يظهر أن القوات الروسية لا تعتزم السماح لإسرائيل بقصف حلفائها في سوريا متى ما شاءت من دون عقاب. ووفقاً لبعض المعلومات فإن روسيا أعادت نشر بعض مُضادات الطائرات الحديثة في عدد من المناطق التي كانت شبه مكشوفة لهجمات الطيران الإسرائيلي.

أن الاتصالات المتواصلة بين روسيا وإسرائيل تكشف للروس أن الإسرائيليين يبدون التخوّف الأكبر من دخول إيران بعمق استراتيجي في جميع العمليات ذات الصلة بمنطقة الشرق الأوسط. وأن اكتساب إيران صفة القوّة النووية، على الرغم من عدم حيازتها على أسلحة نووية، مكّنها من زيادة الدعم للقوى التي تسير في فلكها في جميع أنحاء الشرق الأوسط (الفصائل والحشود المقاومة في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن). وعلى الرغم من أن موسكو تعتبر الاتفاق النووي مع إيران واحداً من أبرز انتصارات الدبلوماسية الروسية، إلا أن نتنياهو لم يقتنع بموقف الكرملين بأن طهران لا تطمح إلى امتلاك السلاح النووي.

إيران فرضت نفسها طرفاً أساسياً يتمتع بعامل كفاءة جيوسياسية عال في شراكات اقليمية عديدة. فقد كبحت طهران جماح الأكراد العراقيين عن الانفصال بالتعاون مع أنقرة وبغداد. وأصبحت إيران عضواً في الشراكة الاقليمية في سوريا، حيث تشترك مع روسيا وتركيا في إدارة مناطق التهدئة. أما فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني فقد أصبح عنصراً أساسياً في غرفة العمليات المشتركة للحلفاء، بل ويشارك في هياكل القيادة في الجيش السوري على قدم المساواة مع الخبراء العسكريين الروس. 

أما "حزب الله" الذي يُعتبر رأس حربة المقاومة في سوريا فقد شارف على حسم العمليات العسكرية في آخر معاقل داعش في محافظة دير الزُّور بغطاء جوّي روسي قوّي وتخطيط ميداني إيراني روسي فعّال للغاية. وعلى الرغم من التضحيات الجِسام التي قدّمها الحزب في سوريا منذ عام 2013 إلا أنه خرج من المعركة بخبرة قتالية عالية وترسانة محدثة من الأسلحة التي لا تنفي موسكو أن جزءاً كبيراً منها روسي المنشأ، لكنها لا تعلّق على كيفية حصول الحزب عليها. إسرائيل ترتجف اليوم من "حزب الله" الذي تقف وراءه اليوم أيران بشكل مباشر وروسيا بشكل غير مباشر. وهذه الحقيقة تُداعب مشاعر الجنرالات الروس الذين لم ينسوا أنهم اشتبكوا في شبابهم مع الإسرائيليين إبان حرب الاستنزاف في نهاية ستينات القرن الماضي.

الميادين

10 - 5