مع إقتراب موعد إكمال تطبيقه..

اتفاق إدلب بين الواقع السياسي والمعطيات الميدانية

اتفاق إدلب بين الواقع السياسي والمعطيات الميدانية
الإثنين ٠٨ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٩:٠٣ بتوقيت غرينتش

عندما جاء الإتفاق الروسي التركي حول ادلب السورية في سوتشي بعيد القمة الثلاثية للدول الضامنة التي احتضنتها ايران خلال الشهر الماضي، تصور البعض إنحسار الدور الإيراني في حلحلة الأزمة السورية، وبات الأمر قضية سياسية بين روسيا وتركيا.

العالم تقارير

وتفاقمت هذه التصورات عندما وافقت الجمهورية الاسلامية الايرانية على مشروع التهدئة في إدلب والسماح لمفاوضات المصالحات الوطنية، لتأخذ دورها في تقليل حدة التوتر، وبالتالي الكف عن إراقة الدماء البريئة لاسمح الله.

فسوريا التي أعدت العدة وجهزت كل قواها لحسم المعركة ضد الجماعات الارهابية والمسلحة في ادلب، حافظت على جهوزيتها، وركزت على التماشي مع قرارات الساحة، لتسحب البساط من تحت أرجل المتشدقين بالحرية والمدعين زورا بالدفاع عن حقوق الانسان والعمل على مكافحة الارهاب، في حين أنهم هم الذين أسسوا الجماعات الارهابية ودربوها وجهزوها وقدموا لها الدعم اللوجستي والعسكري والسياسي والأمني.

فعلى اية حال جاء اتفاق إدلب بين روسيا وتركيا، لتبدأ عملية فرض التهدئة والسلام في إدلب إعتبارا من الخامس عشر من تشرين اول/اكتوبر الحالي مع إكمال الجماعات المسلحة سحب سلاحها الثقيل من المنطقة العازلة المرتقبة في ادلب.

لكن ما يلفت الانتباه في هذا الخضم هو فزعة الجماعات المسلحة التي اكدت انها أضحت مغبونة بفعل الإتفاق لسببين رئيسين، أحلاهما اكثر مرارة من الآخر، الاول انه سيفرض عليها نزع السلاح، والثاني ان المنطقة ستخضع لرقابة عسكرية امنية مشتركة لروسيا وتركيا ما يمنعها للعودة لحمل السلاح مستقبلا أو الخضوع لترك إدلب الى خارج سوريا.

ولم يقتصر الأمر على هذه الهزيمة التي منيت بها الجماعات الإرهابية التكفيرية وحماتها على ارض سوريا، بل بات الأمر حديث الساحة لكافة المتضررين من الإتفاق بمن فيها الهيئة العليا للمفاوضات التي فتح كبير مفاوضيها محمد صبرا النار على أعضائها واتهمهم بالتواطؤ والتضليل والتنازل عن الإمتيازات التي منحها قرار الأمم المتحدة رقم 1254 الذي خص الهيئة بالتمثيل المعارض، نتيجة خضوعهم للتعليمات التي تملى عليهم من السفراء الأجانب والدول الخارجية.

هذه التصريحات التي كشف عنها محمد صبرا كشفت عن سلسلة الهزائم المتراكمة للمعارضة، بعد سيطرة الجيشِ السوري وحلفائه على مِساحات واسعة من سوريا، حتى اضحت المعارضة السياسية لا تمتلك أي قرار ولا حليف، للتعتيم على هزيمتها، ومحاولة استعادة حصريتها في التفاوض في أي عملية سياسيةٍ منذ انتصار القوات السورية وسيطرتها على حلب قبل عامين.

بعد هذه التصريحات أطل الرئيس السوري بشار الاسد بدوره على الشعب ليؤكد انتصار قوى الشعب والجيش السوري في مكافحة الارهاب والجماعات المسلحة والارهابية، حيث أكد خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث الذي عقد يوم امس الأحد في دمشق، أن ما شهده العالم من هستيريا غربية قبيل "معركة إدلب"، نابع من كونها تشكل أمراً مصيرياً، لأن انتصار السوريين فيها كان سيؤدي الى فشل خطط داعمي الإرهاب وأعداء سوريا، ومنعهم من تمرير مخططاتهم التي تعتبر ”صفقة القرن” أو غيرها إحدى أهم أشكالها، والتي كان من المقرر ان تغير خارطة دول المنطقة والعالم.

وبعيدا عن كل التخرصات والتحليلات فإن اتفاق ادلب كان الرئيس الأسد صريحا في كلمته اكثر من اي وقت آخر حيث أكد ان سوريا هي الرابح الاول والأخير من الإتفاق حول ادلب للأسباب التالية:

- اولا إن الاتفاق هو مؤقت وسيتم تطبيقه بعد حوالي اسبوع من الآن، ما يساعد على حقن الدماء، بل وانه سيسحب البساط من تحت ارجل حماة الإرهاب الذين كانوا يختبئون خلف عناوين الجماعات المسلحة المسيطرة على معظم مدينة إدلب.

- ثانيا إن الإتفاق ينص على نزع سلاح الجماعات المسلحة إعتبارا من الخامس عشر من الشهر الجاري، وفتح ممرات انسانية لتقديم المساعدات للمتضررين من الحرب، والسماح لمن لايريد إلقاء السلاح للخروج من المدينة إلى خارج سوريا، على ان تستمر الفترة لثلاثة اشهر وتكون تحت إشراف عسكري وأمني، من قبل روسيا وتركيا.

- ثالثا وبعد إكمال نزع السلاح وخروج الجماعات المسلحة التي لا ترضى بنزع سلاحها وخضوع المنطقة للسيطرة الروسية التركية، يتم التحضير لتسليم المدينة لسيطرة الحكومة السورية وقواتها، أي بسط السيادة السورية على كل الاراضي السورية.

- رابعا وفي نفس الفترة التي تكون القوات الروسية التركية المشتركة منهمكة في إعادة الأمن والسلام للمدينة تبقى الحكومة السورية والقوات الحليفة لها تقارع ما تبقى من الجماعات المسلحة الإرهابية والتكفيرية في باقي اصقاع سوريا، ما يؤكد ان سوريا وبعد فترة الثلاثة اشهر المقررة، ستكون مقبلة على فترة سكون وسلام، إن لم تخطط لها الإعداء أنواع اخرى من المؤامرات حسب تصريحات الرئيس السوري يوم أمس.

وفي النهاية يرى المراقبون أن الاتفاق هو اجراء مؤقت، يفسح المجال امام الدولة السورية لتحقق من خلاله العديد من المكاسب الميدانية وفي مقدمتها حقن الدماء والتخلص من مزاعم حماة الإرهاب في مكافحته، ناهيك عن ان المشاهد الحقيقية بدأت تطفو على الساحة بدءا من محاولات امريكا نقل قادة التنظيم الارهابي "داعش" من سوريا الى مناطق اخرى، وصولا الى الإنهيارات المتتالية في صفوف من كانوا يسمون انفسهم بالمعارضة السورية ويتلقون التعليمات والسلاح من القوى الأجنبية وستكشف الأيام، الغموض الذي أخفاه حماة الارهاب في الأيام الغابرة.

*عبدالهادي الضيغمي