ما هي مواقف الحکومات المختلفة حیال الازمة الليبية؟

ما هي مواقف الحکومات المختلفة حیال الازمة الليبية؟
السبت ٠١ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٩:٥٤ بتوقيت غرينتش

منذ نحو خمس سنوات، تعاني ليبيا من حالة إنتشار كثيف للسلاح تغذّيها حالة الإنقسام وغياب أجهزة الضبط والدولة بصفة عامّة. وحتّى مؤتمر الصخيرات الذي أفرزت حكومة وحدة وطنيّة مدعومة دوليا تلقى مخرجاته رفضا من طرف كثيرين، ما أدّى إلى عجز المجلس الرئاسي ومعه حكومة الوحدة الوطنية على توحيد صفوف الليبيين.

العالمتقاریر

في الشرق حكومة وزعامات سياسية وفي الغرب أخرى تقف على نقيضها تماما، دون تصوّر موحّد لطبيعة الحلول الكفيلة بحسم صراع “الشرعيات” الذي يراوح بين الإعلام والسلاح والحلفاء الخارجيين.

مؤتمر باليرمو

إنتهى مؤتمر باليرمو "من أجل ليبيا" في نوفمبر/ تشرين الثاني، بندوة صحفيّة حضرها رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسّان سلامة ليعلنا عن مخرجات تمثّلت بالأساس في السير نحو حسم “الشرعيات” عبر إنتخابات “قد” يتم تنظيمها في الربيع القادم بعد مؤتمر وطني جامع تحضره كل الحساسيات وكل الفاعلين.

على الرغم من أهميّة المخرجات في المجمل ومن المساعي المتعدّدة للدفع نحو إيجاد حل سياسي لتجاوز الأزمة الليبية وحالة الإنقسام والإحتراب الداخلي وإنعكاساتها على دول الجوار إفريقيا ومتوسّطيا فإنّ مؤشرات سلبية كثيرة قد برزت في المؤتمر نفسه قد تكون سببا في فشله كسابقيه، أبرزها ضعف تمثيلية كثير من الدول وغياب شخصيات ليبية وازنة، إلى جانب إشكاليات أخرى تتعلّق بإختلاف وجهات النظر داخليا وخارجيا بشأن طبيعة الحل للأزمة الليبية.

تونس والجزائر ومصر

ترى كلّ من تونس والجزائر أنه من الضروري رفض التدخّل العسكري الأجنبي في الشأن الليبي وضرورة الوقوف على نفس المسافة من كل الأطراف لتسهيل عملية الحوار والبحث عن حل سياسي لأزمة مترامية الأطراف، وعلى نقيضهما ترى مصر أنّ الحل في ليبيا عسكري وأنه يمرّ عبر خليفة حفتر ضرورة. كما أن سلطات القاهرة لا تخفي وقوفها في صفّ المخطّط الإماراتي في ليبيا الذي يكرّس الإنقسام والإقصاء ويؤبّد حالة الإقتتال.

سعت تونس ومعها الجزائر كثيرا لإقناع مصر بتبنّي ورقة ثلاثية مشتركة يتم بموجبها دفع الحوار السياسي في ليبيا، غير أن مصر أصرّت بوضوح على تبنّي الموقف الإماراتي الذي لا يرى حلاّ للأزمة الليبيّة عبر الحوار أساسا.

وقد عرف الدور الجزائري تراجعا في الأزمة الليبية خلال الأشهر الأخيرة، فبعد الحراك الذي قادته دبلوماسيتها خلال العام 2017 لفتح قنوات اتصال بين أطراف الأزمة الليبية، والتوصل إلى حل ليبي ليبي بعيدا عن الضغوطات والتدخلات الأجنبية والإقليمية، توارى الدور الجزائري عن الأنظار تحت تأثير القوى الإقليمية في الساحة الليبية، وهو ما تريد إيطاليا إعادة تفعيله لإجهاض الأجندة الفرنسية.

وفي السنوات الماضية، قامت الجزائر بعدة وساطات في الأزمة الليبية إلى جانب تحركات دبلوماسية عديدة خصوصا مع دول جوار هذا البلد الذي تعتبره امتدادا لأمنها القومي.

فيما قال الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي أن تحقيق الاستقرار في ليبيا يعدّ عاملا حيويا لضمان أمن واستقرار منطقة شمال أفريقيا والبحر المتوسط و تونس لا تدخر جهدا من أجل حث الليبيين على مواصلة الحوار وتوفير الأسباب التي تساهم في إيجاد تسوية سياسية شاملة ودائمة تضمن وحدة ليبيا واستقرارها.

فرنسا وايطاليا

تبذل كلّ من فرنسا وإيطاليا جهودا في السنوات الثلاث الأخيرة على وجه الخصوص لحسم الأزمة الليبيّة باعتبارها الأكثر تضرّرا أوروبيّا من حالة عدم الإستقرار في البلاد بسبب موجات المهاجرين الذين يعبرون المتوسّط من جهة، وبسبب فقدانها السيطرة على ثروات طبيعيّة هائلة في البلاد.

لم تترجم توافقات مؤتمر باريس على الأرض وعاد الصراع المسلح بين طرفي النزاع.

حالة الصراع بين باريس وروما باتت واضحة جدّا في ظلّ مؤتمرات متتالية يتلو الواحد الآخر، تجوّل خلالها الليبيون وممثلون عن دول معنية بالملف الليبي بين البلدين كثيرا وكان الفشل مآل كل المؤتمرات تقريبا. ففي ماي 2018 وفي الوقت الذي عقدت فيه فرنسا مؤتمرا لدفع الحل السياسي للأزمة الليبية كانت إيطاليا قد قطعت أشواطا بعيدة في التخطيط لمؤتمر باليرمو.

سلطات روما أوفدت وزراء ومسؤولين كبارا إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة لإقناعها بدعم وجهة النظر الإيطالية في الأزمة الليبيّة، وظفرت بذلك حسب تصريح لنائب رئيس الوزراء في رسالة إعتبرها المراقبون موجّهة بالأساس للجانب الفرنسي الذي كان حضوره باهتا في مؤتمر باليرمو، ردّا على الحضور الباهت لإيطاليا في مؤتمر باريس.

تحاول الدبلوماسية الإيطالية، تحقيق أكبر قدر من التوافق بين الفاعلين الليبيين، مع توافق بين القوى الإقليمية المعنية بالأزمة الليبية، والذي سينعكس على الأزمة الليبية ويدفع بها في طريقة الحل.

ويشكل الوضع في ليبيا، قاسما مشتركا بين البلدين، قياسا بالعلاقات التاريخية لإيطاليا، وبالجوار الجغرافي للجزائر، خاصة وأنهما يتقاطعان في نقطة رفض التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، لتفادي تحولها إلى بؤرة توتر منتجة للإرهاب وللهجرة السرية.

ويرى مراقبون، أن إيطاليا التي تقف موقفا متناقضا مع المقاربة الفرنسية في حل الأزمة المستعرة، تحاول استغلال توتر علاقات باريس مع الجزائر في الآونة الأخيرة، لاستدراج الأخيرة إلى خندقها، واكتساب مناصرين لها في المنطقة، لإجهاض مخرجات مؤتمر باريس الذي جمع الفصائل الليبية، ووضع أجندة انتخابات في البلاد.