بعد عام من نقل السفارة.. كيف رسّخ ترامب مبدأ المقاومة؟!

بعد عام من نقل السفارة.. كيف رسّخ ترامب مبدأ المقاومة؟!
السبت ٠٨ ديسمبر ٢٠١٨ - ١١:٠١ بتوقيت غرينتش

بعد عام من قراره بنقل سفارة بلاده من "تل ابيب" الى القدس المحتلة لم يجن الرئيس الاميركي دونالد ترامب غير المزيد من العزلة للولايات المتحدة وخسارته لخيار المفاوضات، وصعود خيار المقاومة.

العالم - تقارير

ومنذ تلك الفترة التي اتخذ فيها ترامب القرار اضحت الدبلوماسية الاميركية مكبلة وحبيسة وعاجزة عن التحرك لتحقيق مشروعها المنحاز للكيان الصهيوني الغاصب للقدس، وفشلت واشنطن حتى بارسال مبعوثيها الى منطقة الشرق بسبب الرفض الفلسطيني الحازم لاي دور يمكن ان تلعبه واشنطن في القضية الفلسطينية.

الفلسطينيون اعتبروا قرار ترامب بانه منحاز كليا للطرف الصهيوني الذي ينتهك الحقوق الانسانية والقوانين الدولية باستمرار، وبالتالي فإن الادارة الحالية باعتقاد الفلسطينيين هي غير قادرة على لعب الوسيط في اية تسوية تحدث بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، ويؤكد هؤلاء الفلسطينيون على ان الحياد بين الاطراف المتنازعة هي اهم صفة يجب ان يتمتع بها الوسيط الدولي، وانه سيفقد صفته عندما يميل الى احد طرفي الصراع.

قرار ترامب باتخاذ القدس عاصمة للولايات المتحدة لم يحبط فقط الدور الاميركي في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي لكنه تسبب ايضا بفشل مشروع اكبر جرى التخطيط والاعداد له من قبل واشنطن والكيان الصهيوني اضافة الى بعض البلدان الخليجية وهو مابات يعرف بـ "صفقة القرن"

وبعدما كانت واشنطن اللاعب الوحيد في الوساطة بين اطراف النزاع في ازمة الشرق الاوسط اصبحت الادارة الاميركية ونتيجة لعزلتها ورفض الفلسطينيين الإلتقاء بمبعوثيها اصبحت عاجزة حتى عن طرح مشروعها الكبير المسمى "بصفقة القرن"

واصبح رفض الفلسطينيين الالتقاء باي مسؤول اميركي قبل ان تتراجع واشنطن عن موقفها بنقل سفارتها الى مدينة القدس الشريف، يمثل موقفا وطنيا ولايمكن التنازل عنه، ولايتجرء اي واحد من الشخصيات الفلسطينية تجاوزه.

في وقتها اعتبر كثير من المحللين قرار ترامب بانه يمثل ضربة مفجعة للسلطة الفلسطينية ولخيارها في التفاوض مع دولة الاحتلال الاسرائيلية، وحتى الجماهير الفلسطينية لم تكن تتوقع من السلطة سوى المزيد من الصلابة في مواجهة الانحياز الاميركي.

ومع ان خيار السلطة الفلسطينية هو خيار التفاوض مع العدو الصهيوني لكنها اصبحت في حرج من امرها وماكانت تستطيع غير اتخاذ قرار العزل تجاه واشنطن ومنع مندوبيها من الالتقاء بالمبعوثين الاميركيين، لانها حتى لو قررت الاستمرار على نهجها السابق في التفاوض مع الاميركان كانت ستفقد مكانتها التي هي بالاساس متزلزلة بسبب تعاونها وتنسيقها الامني مع اجهزة العدو الامنية.

وعلى المستوى الدولي فإن قرار ترامب لم يحظ بالمقبولية لدى المجتمع الدولي وزاد الهوة بين موقفي الادارة الاميركية وبين الدول الكبرى الاخرى الفاعلة والداعمة لحل سلمي وعادل للقضية الفلسطينية، وعلى سبيل المثال فقد اعتبرت الخارجية الفرنسية القرار الأمريكي بانه "يتناقض مع أعراف القانون الدولي"، بينما نقل المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي قولها " إننا نختلف مع قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس والاعتراف بها عاصمة (لإسرائيل) قبل التوصل لاتفاق نهائي بشأن وضع المدينة"

فموضوع القدس هو احد ابرز الموضوعات التي يتم التفاوض عليها بين الوفود المتفاوضة بشأن القضية الفلسطينية، وانفراد واشنطن باتخاذ قرار القدس عاصمة لها يعد نسفا للمفاوضات التي اصبحت عبثية وغير مقبولة بكافة المعايير.

فشل خيار التفاوض بسبب الانحياز الاميركي سيقوي الشعور لدى عامة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخرى انه لم يتبق امام الطرف الفلسطيني غير اتخاذ المقاومة سبيلا لمواجهة التعنت الصهيوني وانتهاكاته المستمرة بحق الفلسطينيين.

وهنا سيتوصل الفلسطينيون الى طريقة ليفرضوا معادلة الرعب مع الكيان الصهيوني والتي من خلالها سيجبرون العدو على احترام الارادة الفلسطينية وعلى التفكير الف مرة بعاقبة اي قرار او اي انتهاك يقدم عليه تجاه الفلسطينيين.

ونتيجة لفشل الادارة الاميركية في تسويق منطقها بان الحوار يصب بمصلحة الفلسطينيين، بدا الفلسطينيون في الضفة الغربية ورام الله يميلون اكثر فأكثر الى اتخاذ المقاومة باعتبارها السبيل الاقوم لتحقيق الاهداف العليا، مثلما فعلت غزة.

وسيصل الفلسطينيون عما قريب الى نتيجة مهمة هي انه يتوجب عليهم توحيد موقفهم لدعم المقاومة باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق الاهداف الفلسطينية، ولابد من رفع مستوى التضامن بين الاهالي في الضفة وغزة الى درجة مواجهة المعتدي بيد واحدة وعدم السماح للعدو بالاستفراد بغزة.

ان اتفاق الفلسطينيين في الضفة والداخل وغزة على خيار المقاومة لاشك انه سيكون مزلزلا ومدمرا للعدو ومثلما تمكنت المقاومة من فرض معادلاتها على العدو الصهيوني فإن القضية الفلسطينية ستحقق المزيد من النجاح في حالة اتفاق الجميع على دعم المقاومة.

فالولايات المتحدة والى جانبها دولة الاحتلال الصهيونية تحاول الاستفراد بغزة وفرض الحصار عليها واتهام حركات المقاومة هناك بالارهاب، فإن بروز موجة جديدة من المقاومة في الداخل الاسرائيلي وكذلك في الضفة الغربية اضافة الى انه سيرهق العدو باعتبار انه سيقحمه في عدة جبهات في آن واحد، فإن ذلك سيبدد الجهود الاميركية الصهيونية للاستفراد بحماس وغزة.

ولن تستطيع الولايات المتحدة بعد ذلك ان توجه اصابع الاتهام لحركات المقاومة في غزة بما تسميه "الارهاب"، لان المقاومة غير مقتصرة على غزة فقط بل هي منتشرة على كافة الاراضي الفلسطينية.

وقد كشف رفض الجمعية العامة للقرار الاميركي باتهام حركة المقاومة حماس انها منظمة ارهابية؛ ان الولايات المتحدة قابلة للكسر وان قراراتها ليست دائما هي القرارات السارية في المنظمات الدولية.

وان المقاومة يمكن ان تحقق نصرا ليس على المستوى الداخلي فقط بل حتى على المستوى العالمي، وقد كشفت الارادة الفلسطينية المجتمعة انها تستطيع ان تفشل قرار ترامب بنقل السفارة الاميركية الى القدس مثلما تمكنت من افشال مايسمى بـ "صفقة القرن"

*محمد طاهر