حراك "غضب فزان".. وإغلاق الحقول النفطية جنوب ليبيا

حراك
الثلاثاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٠٨ بتوقيت غرينتش

أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية في طرابلس، عن حالة "القوة القاهرة" على عمليات حقل الشرارة النفطي بجنوب البلاد، مشيرة إلى أنه لن يتم استئناف عمليات الإنتاج إلا بعد وضع ترتيبات أمنية بديلة. وكان محتجون ينتمون لما عُرف بـ"حراك غضب فزان"، أقدموا على إقفال حقل الشرارة النفطي للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية والخدمية في مدن الجنوب الليبي.

العالم - تقارير

مع استمرار حراك "غضب فزان" في جنوب ليبيا، يعمل المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق الوطني" على التفاوض مع أعضاء الحراك، من أجل تلبية بعض مطالبهم، مقابل إخلائهم موقع حقل الشرارة النفطي، الأمر الذي يرفضه الحراس بالموقع، ضمن محاولات اللواء المتقاعد خليفة حفتر للسيطرة على حقول النفط.

وكانت مجموعة من الشباب الليبي في منطقة "فزان" بجنوب شرق ليبيا، قد أطلقت حراكا عُرف بـ"غضب فزان"، ردا على تهميش الحكومات الليبية لمدن الجنوب، وعدم إقامة أي مشروعات تنموية في المدن الجنوبية بليبيا والتى تعاني من فقر وتهميش ومعاناة وعدم توافر سبل الحياة الكريمة، ورفع المحتجون 10 مطالب للحكومات الليبية ومؤسسة النفط الليبية التي لم تستمع لمطالب المحتجين.

وأقدم محتجو "حراك غضب فزان"، على إقفال حقل الشرارة النفطي، قرب مدينة أوباري، جنوبي ليبيا، في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري بسبب تجاهل المسؤولين لمطالبهم، قبل أن تتوسع الاحتجاجات في 12 منطقة في الجنوب، الجمعة الماضي، ما دفع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا لإعلان حالة القوة القاهرة في حقل الشرارة النفطي الذى تقوم شركة أكاكوس للعمليات النفطية بتشغيله.

ووفقا لبيان صحفي للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية فإن "المؤسسة الوطنية الليبية للنفط أعلنت يوم الاثنين الموافق 17 ديسمبر2018، حالة القوة القاهرة على العمليات في حقل الشرارة النفطي".

وأضاف البيان بأن "المؤسسة كانت قد أعلنت حالة القوة القاهرة على صادرات الزاوية من النفط الخام الذي يتم إنتاجه في حقل الشرارة يوم الأحد الموافق 9 ديسمبر 2018"، مضيفة أنه "لن يتم استئناف عمليات إنتاج النفط في حقل الشرارة إلا بعد وضع ترتيبات أمنية بديلة".

وقالت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، إنها تضع سلامة عامليها على رأس أولوياتها، موضحة أنها شرعت في مراجعة الإجراءات اللازمة لإجلاء عمال حقل الشرارة، وذلك لوجود خطر يهدّد سلامتهم نتيجة للإغلاق القسري للحقل من قبل من وصفتهم "ميليشيات" تتدعي انتماءها لحرس المنشآت النفطية.

وأكد رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله أنه "لقد تم وقف الإنتاج في حقل الشرارة قسرا من قبل مجموعة مسلحة الكتيبة 30 وسرية الإسناد المدنية التابعة لها الذين يزعمون قيامهم بتوفير الأمن في الحقل، في حين أنهم قاموا بتهديد موظفي المؤسسة باستعمال العنف"، بحسب البيان.

وأوضح بأن "من المؤكد لنا أننا لا نستطيع العودة إلى العمل بالوضع الأمني الذي كنا فيه قبل إغلاق الحقل".

من جهته قال رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان علي بوسبيحة إن إغلاق حقل الشرارة جاء نتيجة معاناة الناس وتدهور أوضاعهم المعيشية.

وأوضح بوسبيحة أن إغلاق حقل الشرارة أمر عرضي موضحا أن الحقل يمكن أن يفتح في أي وقت إلا أن حراك "غضب فزان" سيواصل المطالبة بحقوق أهالي الجنوب.

وبين بوسبيحة أن إغلاق الحقول النفطية أمر ليس محل إجماع بين أهالي الجنوب لان النفط يخص قوت الليبيين جميعا أما مطالب حراك "غضب فزان" فهي محل إجماع بين أهل فزان بالكامل مشيرا إلى أن الحراك قد يتجه إلى التصعيد في حالة عدم تلبية مطالبه.

وأشار بوسبيحة إلى عدم وجود مفاوضات بين الحراك والمسؤولين، مبينا أن حل المشكلة بيد حكومة الوفاق التي يفترض أن تستجيب لمطالب الشباب أو ترسل وفدا للتفاوض معهم.

بدوره قال مصطفى الشريف، عضو حراك غضب فزان، للعربي الجديد، إنّ "ثلاث شخصيات مقرّبة من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، أبلغت قيادات قبلية داعمة لحراك غضب فزان، بأنّ السراج على استعداد للعمل على خطة وضعت لتلبية احتياجات الجنوب من المواد الأساسية والصحية، وتحسين الظروف الخدمية، مقابل انسحاب المشاركين في الحراك من حقل الشرارة".

غير أنّ الشريف اتهم رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، بـ"محاولة عرقلة محاولات التفاوض أكثر من مرة، آخرها أمس، الإثنين، عندما أعلن عن حالة القوة القاهرة في الحقل".

وأوضح الشريف أنّ "هدف الحراك الضغط للفت نظر الحكومة ومجلس النواب للجنوب ومعاناته، ولا يسعى لوقف إنتاج النفط، لكن صنع الله يحاول تصعيد الأزمة واستثمارها لصالح طرف سياسي معيّن، وإحلال قوة مسلحة جديدة، لتحل محلّ حرس المنشآت الحالي الذي يقوم بحراسة الحقل".

وشدد الشريف على أنّ "أفراد حراك غضب فزان متضامنون مع حرس المنشآت بحقل الشرارة، ولن يسمحوا لأي قوة أخرى بالدخول إليه".

وأكد الشريف أنّ "رد حراك غضب فزان على مبادرة السراج بالتفاوض، كان أنّ حل أزمات الجنوب لا بد أن يأتي من خلال وزارات الحكومة، وعبر إنهاء الانقسام الحكومي والأمني، في الجنوب على الأقل".

وشدد على أنّ "أهالي الجنوب يرفضون وجود إدارات وممثلين حكوميين بعضهم يتبع لحكومة طرابلس، والآخر لطبرق (حفتر)"، مضيفاً أنّ "الجنوب وأهله ضحية الأزمات التي بدأت وتزايدت بسبب الانقسام والتنافس بين الحكومتين".

لكن نجم الدين البوسيفي، الناشط السياسي من مدينة سبها، وهي العاصمة السابقة لمنطقة فزان، اعتبر أنّ "الحراك جاء نتيجة مساعي الأطراف المتنافسة لتعيين شخصيات في عضوية المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، من بينها عبد المجيد سيف النصر، السفير الحالي بالمملكة المغربية والمقرّب من السراج، الذي ترفضه قبائل في الجنوب".

وقال البوسيفي، للعربي الجديد، إنّ "أطرافاً في الجنوب تلاقت مصالحها مع حفتر، فحرّكت نشطاء لإشعال فتيل الاحتجاجات من داخل حقول النفط، لتخريب مساعي توحيد السلطة التنفيذية في ليبيا".

وأضاف أنّ "القبائل في الجنوب، والمعروفة بولائها للنظام السابق، لن تقبل بأي حكومة موحدة"، محذراً من "خطر توجّه القبائل لاستغلال ورقة النفط، لتحقيق مكاسب سياسية تصبّ في مصلحة أعوان النظام السابق في الجنوب، المعروفين بتقاربهم مع حفتر".

غير أنّ الشريف ينفي هذا التوجه، مشدداً على أنّ "حراك غضب فزان مؤلف من أناس بسطاء وناشطين ينادون بحقوقهم الأساسية، ولا علاقة لهم بالتيارات السياسية".

وقال الشريف إنّ "الحراك على استعداد للتفاوض والتوصّل إلى حل جذري لأزماتهم، لكنّهم في الوقت عينه، غير مستعدين للتخلّي عن أفراد حرس المنشآت الذين ينتمون لقبائلهم (الطوارق)، واستبدالهم بآخرين قادمين من مناطق أخرى"، معللاً هذا الرفض بـ"التخوّف من إمكانية أن تستغل أي عناصر قادمة من خارج الجنوب إشعال فتيل حروب جديدة تخدم مصالح تيارات سياسية".

ويعود البوسيفي إلى أزمة حقل الشرارة النفطي، قائلاً إنّ "الأطراف السياسية التي ينتمي إليها كل من حفتر وصنع الله، عادت مجدداً للصراع على ورقة النفط، كما كانت تفعل في أزمة الهلال النفطي. والحراك، بحسب ما يعلم الجميع، مدعوم من شخصيات موالية لحفتر، تعزف على أوتار الاحتياجات الإنسانية التي يعانيها الجنوب منذ سنين".

وفي الوقت عينه اعتبر البوسيفي أنّ "قرار صنع الله بشأن القوة القاهرة في الحقل، خطوة باتجاه استثمار الأزمة لصالح حكومة الوفاق، من أجل طرد مسلحي حفتر (الكتيبة 30) من الحقل، فقراره الأخير يعني عدم عودة الإنتاج بالحقل حتى لو تم إخلاؤه من قبل المحتجين، إلى أن تُستبدل الحراسات فيه بأخرى، وهو ما يرفضه الحراك على ما يبدو".

وقال البوسيفي إنّ "حفتر لم يظهر حالياً، خلال الأزمة، كي لا يُجبر على التراجع كما تراجع مرغماً عن قراره، قبل أشهر، نقل تبعية النفط لمؤسسة نفط بنغازي، من أجل إتاحة مساحة له لممارسة الضغط"، معتبراً أنّ "كل ما يحدث حول حقل الشرارة النفطي مرتبط بالصراع والتنافس السياسي، وسط استمرار استغلال حاجات ومعاناة الناس".

وكان المتحدث باسم حراك "غضب فزان" محمد إمعيقل، اكد انه اغلق حقل الشرارة احتجاجا على تهميش الجنوب لافتا إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها أهالي الجنوب الليبي منها عدم توافر السيولة وانهيار الخدمات الصحية.

وأكد أن الجنوب الليبي تم تفريغه من محتواه وهجرة أساتذة الجامعات، اضافة إلى جرائم القتل والحرابة التى ترتكب بحق أبناء الجنوب الليبى، وهو ما دفع الحراك للخروج إلى الشارع بشكل سلمى للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية.

وقال "حراك فزان" في بيان له، إن مطالبه تتمثل في دعم المؤسسة العسكرية والأمنية بما يلزم لتأمين مقدرات الشعب الليبي وحماية الحدود وحماية الجنوب وبسط الأمن فيه، ودعم القطاع الصحي بالتعاقد مع أطباء وأطقم طبية وصيانة المرافق الصحية ومستشفيات الجنوب وجلب الأجهزة والمعدات اللازمة لتشغيلها وتوفير الأدوية والعقاقير الطبية وخاصة للأمراض المزمنة.

وطالب الحراك بضرورة توفير فرص عمل لأبناء الجنوب في القطاع النفطي بشكل خاص وباقي القطاعات بشكل عام وتمكين الراغبين بالالتحاق في المعاهد النفطية أسوة بباقي المناطق وإنشاء معاهد للنفط في الجنوب الليبي.

كما طالب الحراك بإعادة إعمار المناطق المتضررة بالجنوب الليبي، واعتبار أن مدينة أوباري مدينة منكوبة كما جاء في بيان مجلس النواب الليبي والحكومة الليبية المؤقتة وإعادة إعمارها أسوة بمدينتي بنغازى وككلة، بالإضافة إلى العمل على حل مشاكل مرتبات أبناء فزان المتعينين والمتعاقدين في كافه القطاعات بالدولة.

ويقلّص إغلاق حقل الشرارة النفطي إنتاج ليبيا من النفط الخام بنحو 315 ألف برميل يومياً (إجمالي إنتاج الحقل)، و73 ألف برميل من حقل الفيل، المعتمِد على إمدادات الكهرباء من الحقل.

كما يؤثر الإغلاق على "عمليات إمداد مصفاة الزاوية بالنفط، وهو ما سيكبّد الاقتصاد الليبي خسائر إجمالية بقيمة 32.5 مليون دولار يومياً، بحسب مؤسسة النفط الليبية.

وتوجد في ليبيا حكومتان، إحداهما مدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس في غرب البلاد برئاسة فايز السراج، وأخرى تتمركز في الشرق بقيادة خليفة حفتر، في ظل صراع على السلطة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011.

المصدر: وكالات