الازمة في السودان.. من أين سيأتي الحل؟

الازمة في السودان.. من أين سيأتي الحل؟
الإثنين ٠٧ يناير ٢٠١٩ - ٠٥:٤٤ بتوقيت غرينتش

يشهد السودان منذ ثلاثة أسابيع موجة احتجاجات شعبية غير مسبوقة يقودها تحالف أحزاب المعارضة والمستقلين، تنديدا بتردي الوضع الاقتصادي وتفشي الفساد، إلا أن الرئيس عمر البشير يحاول امتصاص الغضب الشعبي عبر وعوده بتنفيذ الاصلاحات وتحسين الاوضاع المعيشية. ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات المطالبة بتنحي الرئيس دعت أحزاب الحوار الوطني الى تظاهرة غدا الأربعاء تأييداً للنظام الحاكم، فيما تطالب مذكرة قدمتها احزاب سودانية بحل الحكومة وتكوين مجلس انتقالي.

العالم تقارير

أعلنت قوى سياسية حليفة للحكومة السودانية تنظيم مسيرة يوم غد الأربعاء للتعبير عن مساندة الرئيس عمر البشير الذي يواجه منذ ثلاثة أسابيع احتجاجات شعبية تعد الأقوى من نوعها تطالب برحيله عن سدة الحكم، ويتزامن هذا الحشد مع موكب للمعارضة تم الإعلان عن توجهه الى البرلمان للمطالبة بتنحي الحكومة.

وقال رئيس حزب التحرير والعدالة، بحر إدريس أبوقردة إن لجنة القوى السياسية لمعالجة الأزمة التي كونتها أحزاب الحوار الوطني، قررت تنظيم مسيرة "سلام السودان"، يوم الأربعاء المقبل باسم "نفرة السودان"، بالساحة الخضراء يخاطبها الرئيس البشير، وعدد من قيادات الأحزاب والقوى السياسية.

وأوضح أن الخطوة تأتي في إطار دعم تماسك الدولة وخيارات الشعب، والعمل على حل الأزمة خاصة القضايا المتعلقة بالفساد وكسر حلقات السمسرة والوقود والنقود والخبز.

وتترافق هذه المسيرة مع اعلان تجمع من القوى السياسية والمهنية المعارضة تنظيم موكب يوم الأربعاء الى المجلس الوطني في أم درمان لتسليم قيادته مذكرة تطالب بتنحي الحكومة.

وتمنع الأجهزة الأمنية أي تجمعات في الخرطوم حيث عمدت الى فض كافة المواكب التي نظمتها قوى المعارضة خلال الأيام الماضية باستخدام الغاز والهراوات والرصاص الحي في كثير من الأوقات، كما اعتقلت مئات المشاركين فيها ولا زالت تحتجز عددا من قادة الأحزاب وكوادر المعارضة.

ومنذ 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يشهد السودان احتجاجات منددة بتدهور الأوضاع المعيشية عمت عدة مدن بينها الخرطوم، وشهد بعضها أعمال عنف.

ووفق الحكومة السودانية فقد بلغ عدد قتلى الاحتجاجات 19 قتيلا، فيما أصيب 219 مدنيا و187 من القوات النظامية.

مذكرة أحزاب سودانية تطالب بحل الحكومة

الى ذلك اعلن تكتل تحت مسمى "الجبهة الوطنية للتغيير"، وتضم 23 حزبا بينها حزب الأمة، عزمه تقديم مذكرة تطالب الرئيس البشير بحل الحكومة والبرلمان بغرفتيه وتكوين مجلس انتقالي لتسيير شؤون البلاد، ما أثار جدلاً واسعاً حول جدوى تلك المذكرة في الخروج من الأزمة.

الأحزاب الموقعة على المذكرة، تعادل في عددها نحو ربع الأحزاب التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني، والذي أفضى إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني في مايو/ آيار 2017.

وأطلق البشير مبادرة للحوار الوطني 27 يناير/ كانون الثاني 2014، قالت الحكومة إن عدد الأحزاب التي شاركت فيه تجاوز 100 حزب وحركة مسلحة، فيما قاطعته قوى سياسية ذات ثقل، وحركات مسلحة أخرى.

المذكرة تقر بأزمة اقتصادية وسياسية

المذكرة التي قدمتها الأحزاب للمواطنين والقوى السياسية في السودان، في الأول من كانون الثاني/ يناير الجاري، دون أن تشير إلى موعد تسليمها لرئيس البلاد، أقرت بوجود أزمة اقتصادية وسياسية، واتهمت الحكومة بأنها تفتقر للآليات الاقتصادية لوقف التدهور الذي تشهده البلاد ما قاد لموجة من الاحتجاجات.

وأشارت المذكرة إلى أن نظام الحكم في السودان بتركيبته الحالية "معزول سياسيا إقليميا ودولياً ولا حلول أمامه إلا بقيام نظام جديد يستعيد ثقة الشعب، ويستعيد العلاقات الدولية بشكل متوازن تبنى على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل".

الأحزاب الموقعة على المذكرة قالت إنها مفتوحة للتنقيح والتعديل أمام كافة القوى السياسية الأخرى، ووجهت لها الدعوة للتوقيع عليها ودعمها.

ورغم عدم تحديد موعد معلن لانتهاء عرض المذكرة على الأحزاب السياسية، إلا أنها جاءت معنونة لرئيس الجمهورية، عمر البشير، كما أنها لم تطالبه صراحة بالتنحي عن السلطة.

تأكيد على جدوى الحوار الوطني

وعلى ضوء تلك المذكرة أعلنت "حركة الإصلاح الآن" بزعامة غازي صلاح الدين، الذي يعد أهم مفكري الحركة الإسلامية السودانية، وأحد قيادات حزب المؤتمر الوطني التاريخية سابقا، انسحابها من الحكومة.

ورغم انسحاب الإصلاح من الحكومة الثلاثاء الماضي، إلا أن "صلاح الدين" قال الجمعة، إنهم لم ينسحبوا من وثيقة الحوار الوطني.

ذلك التصريح الذي بدا مستغربا في الأوساط السياسية المحلية بالانسحاب من الحكومة دون الإقرار بفشل توصيات الحوار، جاء متسقاً مع نص المذكرة التي أعلنتها "الجبهة الوطنية للتغيير".

وأشارت المذكرة في متنها إلى أن الحوار الوطني شكل أرضية خصبة لحل مشكلات البلاد وخاطب جذور الأزمات التي عانى منها السودان لعقود، وأثمر عن رؤية شاملة وكاملة للحل.

المشكلة إذن وفق تلك الكتلة السياسية لم تكن في مخرجات الحوار نفسه إنما في آليات تنفيذه وإنزاله على أرض الواقع.

وأرجعت المذكرة، المآل الذي وصلت إليه البلاد إلى غياب الإرادة السياسية والآليات الفاعلة، التي وقفت عائقاً وفق وصفها أمام تنفيذ التوصيات.

ولا ترفض المذكرة ما خرج به الحوار، إنما ترفض الحكومة الموجودة الآن والمناط بها تنفيذ ما تم التواثق عليه.

وترى المذكرة أن السبيل الوحيد لتدارك الانهيار السياسي والاقتصادي وفق وصفها، يكمن في اتخاذ إجراءات استثنائية من خلال تشكيل مجلس سيادة انتقالي.

وتطالب الوثيقة بتشكيل حكومة انتقالية تجمع ما بين الكفاءات والتمثيل السياسي دون محاصصة ولا تستثني أحداً، لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وفق برنامج وأوليات توقف الانهيار الاقتصادي وتنهي عزلة السودان الخارجية السياسية والاقتصادية، وتحقق السلام، وتشرف على قيام انتخابات عامة تحدد الحكومة الانتقالية موعدها.

الحكومة: المذكرة تنسف الحوار الوطني

وغداة طرح المذكرة، قال رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، عبد الرحمن الخضر، إن "ما توصلت إليه أحزاب الجبهة الوطنية ينسف الحوار الوطني، وهو تصرف غير أخلاقي، كما أنه ينسف المؤسسات القائمة".

واتهم الخضر، في مؤتمر صحفي عقدته أحزاب الحوار الوطني بالخرطوم، الأحزاب بأنها دعت القوات المسلحة عبر مذكرتها إلى "الانقلاب على الحكم، ما اعتبره أمرا مرفوضا".

يشار إلى أن المذكرة تحدثت عن "دعم القوات النظامية ورفع قدرتها القتالية والنأي بها عن الاستقطاب السياسي لضمان حياديتها ومهنيتها للقيام بمهامها الدستورية في حماية الوطن".

وثمنت المذكرة "خروج القوات المسلحة لحماية المنشآت العامة"، وطالبت بأن "يمتد ذلك لحماية التظاهرات السلمية المشروعة ممن لا يتورعون عن إراقة الدماء وقتل الأبرياء من المواطنين الذين هم أثمن وأغلى من المنشآت المادية".

وفي حديثه، قلل الخضر من الحجم السياسي لذلك التكتل قائلا: "أحزاب الجبهة الوطنية التي وقعت على المذكرة هي 8 أحزاب فقط، والباقون هم أشخاص".

بدوره وصف رئيس حزب "منبر السلام العادل"، ورئيس لجنة الإعلام بالبرلمان السوداني، الطيب مصطفى مذكرة الجبهة بأنها "انقلاب على الحوار الوطني".

وقال خلال المؤتمر الصحفي إن الخروج عن الحوار الوطني قرار خاطئ، وإنهم سيمضون في تنفيذ توصيات الحوار، وصولا إلى انتخابات 2020.

تبادل اتهامات بين حزبي الامة والمؤتمر

القيادي بحزب الأمة (أحد الأحزاب الموقعة على المذكرة) ياسر جعفر، اتهم حزب المؤتمر الوطني بالتسبب في الأزمة الاقتصادية، واعتبر أن الصراعات التي تدور داخله عطلت تنفيذ بنود الوثيقة الوطنية ومخرجات الحوار عبر الحكومة السابقة؛ الأمر الذي دفعهم لسحب ممثلهم من الحكومة الحالية الأسبوع الماضي.

إلا أن الحزب الحاكم سرعان ما نفى ذلك، وقال عبد الرحمن الخضر إن حزبه لا توجد به أي صراعات داخلية، داعيا القوى السياسية لتحمل مسؤوليتها في الأزمة وإيجاد الحلول والمعالجات لها.

وأضاف الخضر أن "أي حديث عن تحمل حزب المؤتمر مسؤولية تدهور الأوضاع ليس صحيحا"، مضيفا أن "حكومة الوفاق الوطني لحزبه فيها 48% ولأحزاب الحوار الوطني 48%"‎.

نصف الحقيقة من الواقع السياسي

بدوره وصف الكاتب والمحلل السياسي أنور سليمان، مذكرة "الجبهة الوطنية للتغير"، بأنها ورقة "إجرائية" تفتقر هي نفسها للإرادة السياسية، إذ لم تقدم خطاباً سياسيا أو اقتصاديا لمناقشة الأزمة، وإنما تطرقت للإجراءات فقط دون تحديد آليات تنفيذها.

وأوضح سليمان أن "تلك الأحزاب (الموقعة على المذكرة) اكتشفت نصف الحقيقة من الواقع السياسي الذي نعيشه الآن وهو احتمال سقوط الحكومة الحالية بثورة شعبية، وتلك المذكرة ما هي إلا محاولة للابتعاد عن الحكومة".

ويتمثل النصف الثاني من الحقيقة الغائب عن تلك الأحزاب وفق سليمان في أنهم "لا يمتلكون الوزن السياسي الذي يؤثر على الحكومة بخروجهم منها، ولا يمتلكون أيضاً وزناً سياسيا لدى الشارع السوداني لتحريكه لدعم خطوتهم".

واعتبر "سليمان" اتهام الحكومة من قبل "الجبهة الوطنية للتغيير" بضعف الإرادة السياسية لتنفيذ مخرجات الحوار "ما هو إلا اعتراف بضعفهم أيضاً أو ضعف تلك المخرجات التي توصلوا إليها".

يشار إلى أن بعض القوى السياسية المعارضة في السودان قد رحبت بمذكرة "الجبهة" واعتبرتها خطوة في الطريق الصحيح لإسقاط الحكومة، فيما رأت أخرى أنها ليست سوى محاولة لإعادة إنتاج نظام الحكم الحالي لكن بصيغة جديدة.

دعوة الجيش للانقلاب إفلاس سياسي

وفي احدث التطورات في السودان هاجم مسؤول الإعلام في حزب المؤتمر الوطني إبراهيم الصديق، دعوات بعض القوى السياسية للجيش بتنفيذ انقلاب عسكري. واعتبر المسؤول في الحزب الحاكم، أن دعوة الجيش إلى الانقلاب "إفلاس سياسي".

ويأتي ذلك ردا على تصريحات من معارضين سودانيين يطالبون الجيش السوداني بـ"الانحياز" إلى الشعب السوداني وانتفاضه ضد الأوضاع الاقتصادية وحكم البشير.

وأكد الصديق أن "الحوار الوطني والوثيقة الوطنية قد حددتا كيفية تداول السلطة من خلال الانتخابات، بينما دعا الأحزاب إلى لملمة أطرافها والتوجه لصناديق الاقتراع"، معتبرا أن "ما خلا ذلك يبقى خارجا عن دائرة المنطق".

وقال الصديق إنه لم تعد هناك مبررات للاحتجاجات في الوقت الراهن، لأنها جاءت نتاج ظرف اقتصادي اتخذت الحكومة ترتيبات وإجراءات لمعالجته، حيث زالت أزمة الخبز والوقود وتجري معالجة أزمة السيولة، على حد قوله.

البنك المركزي يتوعد بانفراج ازمة النقود

وفي تطور آخر أعلن محافظ البنك المركزي السوداني، محمد خير الزبير، انفراج أزمة النقود نهاية يناير/ كانون الثاني، من خلال دخول الدفعة الأولى من الفئات الكبيرة التي تمت طباعتها داخل وخارج السودان.

وأكد الزبير، التزام البنك المركزي بتوفير النقد بكميات تفي بالاحتياج وتواكب الحركة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وذلك من واقع مسؤولية البنك عن توفير النقد، بجانب مراقبة أداء الجهاز المصرفي.

وأشار محافظ المركزي السوداني، إلى أن مشكلة استقرار سعر الصرف تحتاج إلى وقت لمعالجتها، موضحًا أن 2019 ستشهد استقرارا اقتصاديا من حيث نجاح الموسم الزراعي، وبدء دخول رسوم عبور نفط جنوب السودان خزينة الدولة.

ويعاني الاقتصاد السوداني، من نقص حاد في السيولة المحلية والأجنبية، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم لمستويات قياسية، وهو أدى إلى زيادة كبية في أسعار السلع، مما تسبب في خروج المواطنين إلى الشارع للاحتجاج على تردي الأوضاع المعيشية والذي تحول فيما بعد الى المطالبة بتنحي الرئيس.