بيع الوطن.. صفقة خاسرة يعول عليها النظام الخليفي

بيع الوطن.. صفقة خاسرة يعول عليها النظام الخليفي
الإثنين ٢٨ يناير ٢٠١٩ - ٠٣:٥٧ بتوقيت غرينتش

منذ سنوات عدة وسلطات البحرين تحاول دون جدوى ربط أزماتها الداخلية بأجندات خارجية. حل الجمعيات الوطنية والخيرية التي تضم الكثير من شرائح الشعب، لم يكن الخطوة الوحيدة التي أقدمت عليها الحكومة لكبت الحريات وتكميم الأفواه، بل تعدتها ولا تزال بخطوات تصعيدية أخرى تطال المواطنين المعارضين عبر حملات قمع واعتقالات ومحاكمات صورية ترافقها احكام قاسية بالسجن وسحب الجنسيات.

العالم- تقارير

منذ بداية الحراك الشعبي في البحرين خلال شهر شباط عام 2011 وحتى اليوم مارست السلطات البحرينية أشد سبل القمع والإضطهاد ضد قوى المعارضة التي مازالت تحتفظ بسلمية إحتجاجاتها ضد القمع الممنهج من قبل الحكومة لغالبية الشعب البحريني. وما إعتقال الشيخ علي سلمان أمين عام حركة الوفاق الوطني، إلا حلقة في مسلسل القمع والغطرسة التي تمارسها السلطات ضد الرأي العام البحريني. وقد إشتد تطبيق إسلوب القمع وتكميم الأفواه بعدما رفض النظام البحريني عام 2003، العمل بدستور البلاد الذي صادق عليه الشعب والبرلمان البحريني عام 1974.

وما ان عصفت رياح التغيير، التي عرفت فيما بعد بـ"الربيع العربي"، وأتت على الأنظمة الأكثر فسادا، حتى خشي النظام البحريني ان يكون التالي منها، في أي لحظة نتيجة للسياسات التي يتبعها إزاء تطلعات الشعب. فإنتهج سياسة القمع والإعتقال، وإستصدار أحكام ظالمة ضد المتهمين، حتى لو كانت تهمهم ملفقة وبعيدة كل البعد عن المنطق والعقلانية. الأمر الذي أدى الى إغلاق الجمعيات الوطنية والخيرية مثل جمعية "وعد" و"الوفاق" والعمل الإسلامي، وسحب الجنسيات أو تهجير أو ملاحقة العديد من الناشطين وإعتقال من تمكنوا من إعتقالهم أمثال الناشط الحقوقي نبيل رجب، وأمين عام حركة الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، والى غير ذلك من المضايقات التي فرضها النظام على الشخصيات التي لم يتمكن من إعتقالها أمثال المرجع الديني لمسلمي الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، وفرض الإقامة الجبرية عليه، رغم حاجته الماسة لتلقي العلاج المتواصل والإشراف الطبي.

وبالرغم من ان الخطوات الحكومية واجهت إنتقادات واسعة من المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، إلا ان النظام بات يتمادى في غيه، حتى اصبحت سياسته مكشوفة للقاصي والداني، وأنه لايخشى بل ويتباهى بالإفصاح عنها، ويعتبرها نوعا من الإنفتاح على العالم المتحضر، ووصولا للتقنيات والتكنولوجيات المعاصرة.

هذه النظرة المؤطرة بأطر عقلانية مكنت النظام من الإفصاح عن علاقاته السرية مع كيان الإحتلال الإسرائيلي التي إستمرت لأكثر من عقد، بحيث راح يتبجح ويتفاخر بعلاقاته المباشرة مع هذا الكيان ويستقبل وفوده تحت غطاء وفود ثقافية، او فرق رياضية، كي يتمكن من إستيعاب السخط الشعبي المتصاعد ضد التطبيع مع كيان الإحتلال.

ويرى المراقبون ان تمادي النظام الخليفي في قمع الشعب، ومصادرة حرياته يأتي في إطار استرضاء الأسياد وفي مقدمتهم امريكا وكيان الإحتلال الاسرائيلي، الأمر الذي لايدع امامه اي مجال للتراجع، حتى لو اضطر، للتجاسر على أقدس مقدسات الأمة، والنيل من رموزها.

ويعيد المحللون للأذهان صور تجاسر وتعدي النظام الخليفي على المساجد ودور العبادة وتدميرها منذ بدء الحراك الشعبي، متذرعا تشييدها دون الحصول على تراخيص رسمية، بالرغم انها مقامة منذ عشرات السنين. ولم يكتف النظام بذل بل ومنع إقامة صلاة الجمعة وصلوات الجماعة في المساجد الحاصلة على تراخيص رسمية، الأمر الذي أبقى الباب مفتوحا للمواجهة مع كل شيئ يعارض النظام.

وعلى الصعيد السياسي أصبح النظام الخليفي في طريق لايمكنه التراجع عنه، فمجرد كبت الأصوات ومصادرة الحريات قد لايرضي الأسياد وكان على المستأجرين للبقاء في إطار النظام الخليفي أن يعملوا على تلميع صورة كيان الإحتلال الإسرائيلي البغيض، ويشوهوا صورة أبطال المقاومة بل رموز المقاومة الذين باتوا محط فخر وإعتزاز لكل حر أبي دون التقيد بدين أو جغرافية او جنسية.

وفي هذا الإطار يفسر المراقبون الهجمات المتتالية لوزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة على أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بعد أن أكد في مقابلة بثتها قناة الميادين السبت الماضي، ان لا أمان لكيان الإحتلال الإسرائيلي الذي مازال يحتل الأرض الفلسطينية ويقمع شعبها. وحتى لو كشف أنفاقا ساعد حزب الله القوات الفلسطينية في حفرها، فإنه قام بعمل تكفله الشرائع الدينية والرسمية، لأي شعب يعاني من الإحتلال والإضطهاد.

فما الذي بقي للنظام الخليفي وقد اصبح مطوقا من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وفي مقدمتها العفو الدولية التي شجبت، إصدار النظام حكما بحل جمعية "وعد" وإعتبرته أحد السبل لسحق أي شكل من أشكال المعارضة السلمية. خاصة وان النظام لم يكتفي بحل الجمعية بل إقتحم مراكزها وصادر ممتلكاتها وأموالها.

اما التهم التي يوجهها النظام لأمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، يرى المراقبون أنها تهم إفتعلها النظام بعد اكثر مرور أكثر من ثلاثة أعوام على إعتقال الشيخ علي سلمان. فالنظام الذي اعتقل أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية عام 2015، وجه له تهما مختلفة منها التحريض ضد النظام الحاكم، وأصدر حكما يقر سجنه لأربعة أعوام.

لكن حتى بعد إنتهاء فترة السجن، واصل النظام إعتقال الشيخ علي سلمان، ولم يعمد لإطلاق سراحه، حتى طفحت للسطح الخلافات الدفينة بين الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي خاصة بين السعودية وقطر، الأمر الذي فرض على النظام الخليفي التابع لسياسات السعودية اقليميا ودوليا، توجيه تهمة ملفقة تحت عنوان التخابر مع دولة قطر، والتآمر معها ضد النظام!!!... في حين ان ما وصفه النظام بتواصل الشيخ علي سلمان مع دولة قطر، في الحقيقة کان عبارة عن قضية "الوساطة القطرية" التي كان النظام الخليفي على علم بها، ونفس وزير الخارجية البحريني كان على علم مباشر بتفاصيلها، وقد عرفت فی حينها بـ "المبادرة الأمريكية لمعالجة المشاكل بين الدول الخليجية"، وكانت تلك الوساطة جرت عام 2011.

وما ابقاء وتأكيد حكم السجن المؤبد للشيخ علي سلمان اليوم من قبل المحكمة البحرينية إلا خطوة على مواصلة وتأكيد النظام للخط الذي اختاره لمقارعة إرادة الشعب ومصادرة حرياته وتكميم افواه المعارضة.

فما هو المستقبل الذي يراه النظام الخليفي لنفسه مع كل هذه التصرفات التي تدمر الجسور التي يعبرها، بحيث لايمكنه العودة عن سياساته؟ وهل حقا ان النظام الخليفي وصل الى طريق اللا عودة حتى يتودد بهذه الصورة للأسياد الذين تتوالى هزائمهم في المنطقة من بلاد لأخرى؟

فظاهر الأمور يدل على ان تجاسر وتعدي وزير الخارجية على سيد المقاومة، يؤكد ان النظام بدأ يرضخ لتعليمات لاخيار ولا إرادة له في التراجع عن تطبيقها، حتى لو كانت إزاء شخصية كالسيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله لبنان، الأمر الذي يجعله يرسم مستقبله بنفسه، لأنه بات لايعي عدم جدوى الركون للقوى الإستكبارية ولم يتعظ بما جرى لأنظمة متغطرسة كرست عقودا من الزمن لخدمة الأسياد، لكن حينما حان وقت رميها في سلال مهملات التاريخ، تخلت القوى الإستكبارية عنهم بين عشية وضحاها، ولم تغب صور القذافي ومبارك وبن علي التونسي ونظرائهم عن الراي العام العالمي وبالتحدي العربي. والأيام بيننا.

*عبدالهادي الضيغمي