طريق تركيا الى دمشق ..

طريق تركيا الى دمشق ..
الجمعة ٠٣ مايو ٢٠١٩ - ٠٨:٠٧ بتوقيت غرينتش

لا شك بأن مسار التطوّرات المتعلّقة تحديداً بإدلب، والحشود العسكرية السورية في محيط المحافظة، أربك الخيارات السياسية لأردوغان، وبات أمامه خياران، إما الانضمام صراحة للمحور السوري، أو استمرار التعنّت والوقوف إلى جانب التنظيمات الإرهابية.

العالم- سوريا

المشهد السوري وما يحتويه من تحوّلات عسكرية مُتسارِعة أفضت إلى تغيّر في ملامح جغرافية الحرب، فقد جسّدت هذه التحوّلات واقعاً أجبرت الفاعلين في الشأن السوري على البحث عن مخرجات سياسية، تُحقّق لهم أدنى المكاسب المُرتبطة بجملة الأهداف التي سارعوا إلى تحقيقها في سوريا، لكن مع تبدّل الصورة النمطية التي سادت عقب بداية الحرب على سوريا، والتي كانت تتمحور حول الرهانات الإقليمية بقرب إسقاط الدولة السورية، وما تبع ذلك من تغييرات وتعقيدات على مستوى التحالفات السياسية منها والعسكرية، تمايزت مطامع القوى الدولية التائِهة بين المُنجزات التي حقّقتها الدولة السورية، وبين حلفاء أقوياء وثابتين إزاء مواقفهم تجاه سوريا، فالإصرار الروسي والإيراني على التسويات السياسية، المبني أصلاً على الرؤية الاستراتيجية للدولة السورية، والنابع من قوّة الموقف السوري، مهَّد الطريق لإعادة صوغ التحالفات التي تُجنِّب أعداء الأمس موجات سياسية وعسكرية مرتبطة بالتداعيات التي حُقِّقت سورياً، وبالتالي باتت المُصطلحات على شاكِلة احتدام الصراع للاستفراد بمكامِن القوى، تحسّباً لأيّ تصدّع في صيغة التفاهمات التي كانت سائدة مع بداية الحرب على سوريا، باتت من الماضي، إذ أن الدولة السورية باتت في عُهدتها مسارات الحل توافقاً مع روسيا وإيران، وضمن هذه الجزئية باتت المُتغيّرات عنواناً بارزاً للسياسة التركية، وبصرف النظر عن تصريحات تركية بين الحين والآخر ضد الدولة السورية، لكن الواقع الحالي يفرض على تركيا الإبحار تجاه دمشق وبوساطة روسية إيرانية.

تذبذب السياسية الأميركية تجاه تركيا شكَّل عائقاً حقيقياً أمام طموحات أردوغان، فالهدف التركي المتعلّق باستكمال السيطرة على باقي مناطق الكرد في الشمال السوري، حمَّل أردوغان عبئاً لم يعد قادراً على حمله، خاصة وفق الرؤية الروسية الإيرانية المرتبطة بمسارات الحل في سوريا، وبالربط مع إعلان ترامب الانسحاب من سوريا والذي تسبّب بصدمة لأقرب حلفاء واشنطن لاسيما تركيا، وما ترتَّب عليه من ازدياد في الهواجس التركية تجاه الكرد، وانتفاء صِيَغ التفاهمات المرتبطة بالشمال الشرقي من سوريا، بالإضافة إلى التحوّلات المُتسارِعة في أبعاد السياسية التركية الخارجية، والتغيّرات في مدارِك الرأي العام التركي إزاء السياسيات التركية الداخلية والخارجية، وضرورة بناء واقع سياسي جديد بناءً على المُستجدات المتعلّقة بالتطوّرات الحاصلة في الإقليم، قامت تركيا بانتهاج سياسة مُغايرة في الشكل والمضمون، من أجل أن تتمكَّن من لعب دور اقليمي يُبقي أردوغان على قائمة المؤثّرين في سياسات الشرق الأوسط، من هنا بدأت تركيا تأخذ منعطفاً جديداً تمثَّل في التراجع التدريجي عن حدّة المواقف تجاه القيادة السورية، لاسيما بعد الانتكاسات السياسية التي مُنيَ بها أردوغان داخلياً وخارجياً، وهنا يحضر قوياً كلام النائب في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية الحاكِم، أحمد برات تشونكار، حيث قدَّم تقريراً عن أهداف ومواقف تركيا في الأزمة السورية، وأقرّ بأن تركيا دعمت المعارضة المسلّحة ومجموعات ما تُسمَّى الجيش السوري الحرّ منذ اندلاع الأزمة من أجل تغيير النظام السياسي السوري وإسقاط الرئيس بشّار الأسد، لكن هذا الدعم لم يصل إلى أية نتيجة مرجوَّة منه، وفي نهاية التقرير تمّ التأكيد على أن أنقرة بدأت تُغيّر مواقفها تجاه دمشق رويداً رويداً، وبدأت تتعاون مع إيران وروسيا بصورة جدية أكثر، وتغيّرت أهداف أنقرة ولم تعد إزاحة الرئيس بشّار الأسد عن السلطة من أولوياتها.

في جانب آخر، من الواضح أن تركيا لا تزال تنظر إلى سوريا على اعتبار أنها قضية أمن قومي، بالإضافة إلى أن الجغرافية السورية تُشكّل عُمقاً استراتيجياً للدولة التركية، لكن مع توالي التطوّرات وتسارعها في الشأن السوري، والمُنجزات العسكرية السورية التي جاءت مُغايرة لتطلّعات وأهواء أردوغان، يُضاف إلى ذلك هاجس كردي جعل منه الأميركي معادلة سياسية يُصعب حلّها تركياً، كل هذه المُعطيات شكّلت عاملاً ضاغطاً جدياً لابد من استثماره في توقيت سياسي، يفرض إعادة التموضع بما يتناسب والمُتغيّرات على الصعيدين الدولي والإقليمي، خاصة أن روسيا باتت قطباً فاعلاً ومؤثّراً ليس في الإقليم فحسب، بل باتت روسيا تُشكِّل بوابة للكثير من الحلول الإقليمية والدولية، لذلك وجدت تركيا في روسيا ضالّتها لتعبيد الطريق إلى دمشق، والبدء بحوار مع الحكومة السورية لبلورة الحلول السياسية المُتعلّقة بإدلب وشرق الفرات، ووضع النقاط على حروف المعادلة الكردية المرتبطة بالتواجد الأميركي في سوريا، وبالتالي فإن تركيا أردوغان بدأت في تغيير الاستراتيجية المرتبطة بسوريا، والبحث عن مجالات أكثر نفعاً تؤسِّس لعودة العلاقات مع دمشق، هذه الاستراتيجية الجديدة الباحِثة عن خارطة طريق سياسية وفي جزئياتها تُفضي تعاوناً مثمراً مع دمشق، لمواجهة الكثير من التحديات المُحدِقة بالمنطقة.

لا شك بأن مسار التطوّرات المتعلّقة تحديداً بإدلب، والحشود العسكرية السورية في محيط المحافظة، أربك الخيارات السياسية لأردوغان، وبات أمامه خياران، إما الانضمام صراحة للمحور السوري، أو استمرار التعنّت والوقوف إلى جانب التنظيمات الإرهابية، و بين الخيارين يبدو أن أردوغان لجأ إلى روسيا وإيران للتوسّط مع دمشق، من أجل البدء بالتواصل والحوار، فالمصالح التركية اصطدمت بواقع فرضته الدولة السورية وجيشها لجهة تحرير كل الجغرافية السورية من الإرهاب، وعليه باتت هناك قواسم مشتركة واضحة تجمع تركيا مع سوريا، أبرزها منع الكرد من إنشاء كيان مستقل في شرق سوريا، إضافة إلى ضرورة عودة العلاقات الاقتصادية والسياسية بين دمشق وأنقرة، كل هذا يُحتِّم على أردوغان البحث عن الطريق الذي يوصله إلى دمشق و تفكيك الألغام السياسية.

أمجد إسماعيل الآغا/ الميادين