لبنان.. بين تسيس القضاء وقانون الدول..

المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ترهق الميزانية العامة وتزيد من أعباء الخزينة

المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ترهق الميزانية العامة وتزيد من أعباء الخزينة
الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠١٩ - ٠٢:٠٩ بتوقيت غرينتش

ثمة أسئلة تطرح نفسها على خلفية مقتضيات السلوك الذي اتبعته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي انطلقت عام 2007 للتحقيق باغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، سيما وأن المدى القانوني المتبع من خلال القضاة أضفى صبغة غير قابلة للشك حول أهدافها والسياسة التي اتبعها أكثر من قاض بالاستناد على شهود الزور وعلى رأسهم المدعو محمد زهير الصديق.

العالم - لبنان

ويهدف عمل المحكمة الخاصة بلبنان، إلى كشف حقيقة المسار السياسي والقضائي الذي سلكته هذه القضية منذ وقوع الجريمة التي هزت من مرحلة إلى أخرى.

وبحسب المطلعين فإن تجاوز المحكمة الدولية للسيادة الوطنية اللبنانية وكيف عزف قضاتها على وتر مجلس الأمن الدولي في صياغة نظام قضائي فرض على لبنان وهو غريب عنه.

والفضيحة تكمن في تقديم الدولة اللبنانية لمحكمة دولية ذات اختصاص ضيّق على المحاكم الوطنية التي تنظر في آلاف القضايا.

أضف إلى ذلك أن بند تمويل المحكمة الدولية بعشرات ملايين الدولارات بات واحداً من بنود موازنة الدولة لا يجرؤ أحد على المس به بينما يبحث السياسيون في زيادة الرسوم والضرائب على المواطنين وخفض رواتب القطاع العام. علماً أن مصاريف المحكمة الدولية الباهظة لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة، وهي تحجب تقريرها المالي عن اللبنانيين.

من هنا يسأل كثيرون عن تمويل لبنان للمحكمة الدولية الذي يثبت أن مال الخزينة سائب. والحرام قد يكون الدرس الأهم الذي يمكن أن نتعلمه كلبنانيين من هذه المحكمة، ليس فقط بما يعني التمويل، بل بما يخص إثارة النعرات المذهبية من خلال تشديد المحكمة على انتماء المتهمين إلى مذهب محدد، ومن خلال الإشارة إلى رمزية الضحية المركزية بالنسبة لمذهب آخر.

إنّ إصرار جزء من اللبنانيين على الاحتكام إلى جهات دولية للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين، خلال الفترة الزمنية التي تلت ١٤ شباط ٢٠٠٥ يحتمل تفسيرات متعددة ومتناقضة أحياناً.

لكن لا شك في أن أحد أسباب ذلك الإصرار، ضعف الثقة بالقضاء المحلي وبالضابطة العدلية التي يفترض أن تخضع له. وبالتالي، فإن المطالبة بتدخل خارجي لم تكن من أجل إحقاق الحق في قضية اغتيال رئيس سابق لمجلس الوزراء وحسب، بل كانت بمثابة نداء استغاثة لإصلاح الخلل القائم في نظام العدالة في لبنان.

التحدي الأساسي في هذا الإطار كان في تحديد ذلك الخلل. وهنا تفوقت الاعتبارات السياسية على المنهجية الموضوعية، واقتصر أسلوب تحديد الخلل على أمور هامشية، حيث إنه ساد اقتناع لدى فئة لا يستهان بها من اللبنانيين بأن الخلل الأساسي في جميع القطاعات، بما فيها قطاع تأمين الحقوق عبر القضاء، يكمن حصرياً في النفوذ الدولي المهيمن عليها. وبالتالي اقتصر تحرك المطالبين بالحقيقة والعدالة على كفّ يد السوريين عن لبنان.

لكن حتى بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان ٢٠٠٥، لم تطلق أي مبادرة وطنية شاملة لإصلاح المؤسسات القضائية في لبنان. وتزامن امتناع القيادات اللبنانية عن الإصلاح الجدي للقضاء مع استمرار جرائم التفجير والاغتيال السياسي، ومع ارتفاع صوت المطالبين بإنشاء محكمة دولية.

وفي السياق لفتت مصادر مواكبة إلى أن المحكمة الخاصة بلبنان تعتمد مزيجاً من القوانين اللبنانية (القوانين الموضوعية) والمعايير والإجراءات الدولية (القوانين الإجرائية).

لكن ذلك المزيج الذي منحت المحكمة بسببه صفة «المختلطة» تحدد من خلاله نظام خاص لمحكمة خاصّة، لا يشبه نظام الإجراءات القضائية اللبناني، بل يخالفه أحياناً ويتجاوز بعض أهم ميزاته أحياناً أخرى.

لكن قبل الشروع في التوسع في ذلك، لا بد من التوقف عند عملية صياغة النظام الأساسي للمحكمة خلال عامي 2006 و2007.

فهل فعل القانون الدولي فعله في إضعاف القوانيين اللبنانية؟ وهل ما زال التعويل على محكمة بعدها السياسي يغلب على مضمونها القانوني يجدي من يبحث عن حقيقية طمرتها تدخلات الدول في سيادة الدول الصغيرة وخاصة لبنان؟

* حسين عزالدين