احتمالات ما بعد تعثر الحوار بين الحكومة الاردنية ونقابة المعلمين؟

احتمالات ما بعد تعثر الحوار بين الحكومة الاردنية ونقابة المعلمين؟
الإثنين ٣٠ سبتمبر ٢٠١٩ - ٠٢:٢٩ بتوقيت غرينتش

حق الإضراب عن العمل واحد من الحقوق العمالية التي تكفلها جميع الدساتير في الدول الديمقراطية، ونقابة المعلمين الأردنيين مارست هذا الحق، وتمسكت بمطالبها رغم الضغوط الشديدة من جهات عديدة، ولكن قرار المحكمة الإدارية العليا الذي صدرالاحد بوقف الإضراب، قد يقدم الغطاء القانوني لأي تحرك من قبل القوات الأمنية لإنهاء هذا الإضراب بالقوة.

العالم-الاردن

مطالب النّقابة التي دعَت مُنتسبيها إلى هذا الإضراب لزيادة رواتب المُدرّسين الحُكوميّة، كانت وما زالت مُحقّةً، بالنّظر إلى الوضع البائِس لهؤلاء الذين يتحمّلون مسؤوليّة إعداد أجيال المُستقبل تربويًّا وعلميًّا، في ظِل الغَلاء الفاحِش نتيجةً للضّرائب الحُكوميّة على القِطاعات كافّة، والسّلع الأساسيّة، ورفع الدّعم استجابةً “لإصلاحات” صندوق النقد الدولي.

الأردن يعيش حاليًّا حالةً من الجدل والانقِسام حول هذه المَسألة، بين مُؤيّدٍ ومُعارض، فالمُؤيّدون للإضراب يقولون إنّ رواتب مُعظم مُوظّفي الدولة ارتفعت بمُعدّلاتٍ كبيرةٍ، وآخرهم العسكريّون المُتقاعدون، مُضافًا إلى ذلك هُناك بعض الشرائح في الدولة تصِل مرتّباتها إلى خمسة أو عشرة آلاف دينار، بينما يظَل راتب المعلّم في حُدود 300 دينار، وهو الأقرب إلى الحَد الأدنى من الأُجور.

أمّا المُعارضون فيقولون إنّ هذا الإضراب الذي استمرّ لعدّة أسابيع ألحَق ضررًا كبيرًا بالطلّاب وتحصيلهم العلميّ، وخاصّةً أولئك الذين في الصّف التّوجيهي، أيّ السّنة الأخيرة من التّعليم الثانوي، مُضافًا إلى ذلك، والقول لهؤلاء الذين يقِفون في خندق المُعارضة للإضراب، ويُؤيّدون وجهة نظر الحُكومة، أنّ هُناك مدرّسين ليسوا على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة، ويتّهمون حركة “الإخوان المسلمين” بخَطف النّقابة وتوظيف الإضراب لخدمةِ أهدافٍ سياسيّةٍ.

السيّدة جمانة غنيمات، النّاطقة باسم الحُكومة، أعلنت أنّ نقابة المعلّمين رفضَت عَرضًا حُكوميًّا بزيادةٍ مقطوعةٍ في حُدود 31 دينارًا على الراتب، واعتبرت أنّ الوضع الماليّ للخزينة العامّة لا يسمَح بِما هو أكثر من ذلك.

قرار المحكمة الإداريّة العُليا رشّ المزيد من المِلح على جُرح الخِلاف المُلتهب، ربّما يقود إلى صداماتٍ دمويّةٍ في حالِ قرّرت قوّات الأمن الأخذ به، وتولّي مسؤوليّة تنفيذه بالقبضة الحديديّة، لأنّ النّقابة التي تُعتَبر الأضخَم والأكثر تأثيرًا في الأردن حسب بعض الآراء، لم تُعِر هذه الفتوى القانونيّة أيَّ اهتمامٍ وأعلَنت أنّها مُستمرّةٌ في الإضراب حتى يتم تجاوب الحُكومة مع مطالبها كاملةً.

الأردن في وضعٍ ماليٍّ صعبٍ للغاية، حيثُ يتفاقم العجز في الميزانيّة السنويّة ويقترِب من المِلياريّ دينار، في ظِل شُح، بل سببه انعدامٌ في المُساعدات الخارجيّة والعربيّة تحديدًا، مُضافًا إلى ذلك أنّ الدّين العام وصل إلى حواليّ 42 مِليار دولار بفوائد سنويّة في حُدود مِلياريّ دولار، ولكنّ الطّريقة التي أُديرت بها أزمة المعلّمين من قِبَل حُكومة الدكتور عمر الرزاز كانت أقرب إلى المُواجهة منها إلى المُرونة والتفهّم ومُحاولة إيجاد الحُلول وتجنّب ما يُمكن أن يترتّب على أيّ صِدامات بالتّالي، مثلما يُؤكّد مُراقبون مُحايدون اتّصلت بهم هذه الصّحيفة، ولكنّ هُناك في المُقابل من يتّهم نقابة المعلّمين بـ”تسييس” الإضراب، وإخراجه عن مساراته المهنيّة، والنقابيّة، وهذا أمرٌ غير مَقبولٍ في نظَر الكثيرين، حتّى في أوساط بعض داعِمي الإضراب.

حكومة الرزاز تخوض معركة عضّ أصابع مع نقابة المعلّمين، وتأمَل أن تصرُخ هذه النّقابة ويرمِش جفنها أوّلًا، ولكن ماذا لو فَشِل هذا الرّهان، هل يستطيع الأردن، وفي ظِل هذه الظّروف الصّعبة، تَحمُّل الفوضى والصّدامات في الشّارع، خاصّةً أنّ الاحتقان كبيرٌ جدًّا وينتظر “دبّوس” التّفجير؟ هل سيُؤدّي هذا الحِراك إلى الإطاحة بهذه الحُكومة مثلما أطاحت حراكاتٌ سابقةٌ بحُكومات الرفاعي والكباريتي والملقي؟

نأمل أن تتحلّى الحُكومة الأردنيّة بالمُرونة، وتتعاطى بإيجابيّة مع أزمة المعلّمين، وأوّل خطوة في هذا الإطار التوقّف عن “شيطَنة” هؤلاء الذين يُرَبّون الأجيال الجديدة التي تُعوّل عليها البِلاد للنّهوض بها، وإخراجها من كُل أزماتها، فنحنُ مع أمن الأردن واستقراره، وتعاون الجميع لإخراجه من عُنق الزجاجة الذي يعيشه، والظّرف الحَرِج الذي يَمُر فيه.

نأمَل أن يكون قرار المحكمة العُليا بعدم شرعيّة الإضراب هو أحد أوراق الضّغط التفاوضيّة من قِبَل الحُكومة وليس ورقةً لتبرير استخدام العُنف في فضِّ الاعتصام، لأنّ نتائج يوم واحد من هذا العُنف، في حالِ اندِلاعه قد يُوازي الكُلفة الماليّة لسنةٍ كاملةٍ من الزّيادة التي يُطالب بها هؤلاء.. والدكتور الرزاز أعلم.

المصدر:رأي اليوم