حرب سورية لبنانية من طراز أخرس..

حرب سورية لبنانية من طراز أخرس..
الإثنين ٣٠ سبتمبر ٢٠١٩ - ٠٣:٠٦ بتوقيت غرينتش

لعلّنا دخلنا – على مستوى قطاع الأعمال السوري – في دوّامة حرب اقتصادية – نقدية الطعم واللون – مع الجار اللبناني، بل ثمة من يُجزم بذلك لأن مجريات "الأمر الواقع" هي من يؤكّد ذلك.

العالم - سوريا

الموقف يشبه إلى حد كبير، موقف رجل أقرض رجلاً آخر مبلغاً من المال في زمن وفرة، أو تغاضى عن حالة "تعيّش واضحة" كانت تجري من قبل المقترض أو المدين، لكن ضائقة حتّمت المطالبة بالدين أو العودة إلى الدفاتر القديمة "لضغط النفقات و إعادة إدارة الموارد" بما يلفح المقترض "المتعيّش"..لتكون الضربة الموجعة التي أصابت المطالبة الطرف الآخر في مقتل.

هو مثال ربما يصلح إلى حد ما لمقاربة الموقف الراهن في بعديه السوري – اللبناني، الذي لا يبدو سهلاً على الإطلاق، خصوصاً على الطرف اللبناني الذي تقوم قوته وبراعته على العامل النقدي، والذي يقوم بدوره وبدرجة غير قليلة على إيداعات السوريين بالعملات الأجنبية ولاسيما الدولار.

في الداخل السوري تفاعلت مجريات سوق العملات بشكل حاد، أدى إلى تأزيم وضع الليرة السورية، وبالتالي الاقتصاد كما كل مواطن سوري..المشهد حفّز حراكاً قوامه مبادرة كبار رجال الأعمال السوريين إلى دعم ليرتهم، عبر إيداع جزء من أموالهم بالدولار في حساب خاص مفتوح لهذا الغرض.. وكان من الطبيعي أن يتجه هؤلاء نحو إيداعاتهم في المصارف اللبنانية- وهي بأرقام كبيرة – من شأنها لو سُحبت أن تهز، بل وتعصف بالموقف النقدي والاقتصادي اللبناني..

وجاء هذا التوجّه في زمن سعي السلطات النقدية اللبنانية نحو سياسات "تجفيف الموجودات الدولارية في المنطقة" عبر معدلات فائدة هائلة تصل إلى 10 % وتصل في حسابات مصرف لبنان وعلاقته مع المصارف التي يرعاها ويشرف عليها إلى 20% كما تؤكّد مصادر مصرفية مطلعة..

نتج عن هذه السياسات إجراءات إفراج بالغة التحفظ على إيداعات السوريين، فقبل مبادرة رجال الأعمال السوريين، كانت المصارف اللبنانية "تغري" طالبي سحب الإيداعات من السوريين، بإعادتها بالعملة اللبنانية لكن بعلاوات جاذبة..المهم ألا يتم الإفراج ولا عن دولار واحد.
ربما كانت سياسة "التجفيف" هذه ممولة من قبل آخرين وبأهداف ذات منحى سياسي، لكنها كانت سياسات مؤثّرة كادت تفرغ السوق السورية من موجوداتها الدولارية، بالتالي أوقعتها في أزمة خانقة.

السؤال الآن هو أولاً: هل سيتجه أصحاب المبادرة من رجال الأعمال السوريين إلى تمويل مبادرتهم عبر سحب بعض إيداعاتهم من المصارف اللبنانية، أم سيلجؤون إلى جمعها من السوق المحلية وسيزيدون المشكلة تعقيداً لأنهم سيحققون طلباً زائداً على الدولار؟؟

ثانياً: في حال اتجه المودع السوري لسحب إيداعاته من المصارف اللبنانية، هل ستستجيب المصارف اللبنانية القلقة من اقتصاد بلدها المأزوم، و إنذارات وكالات التصنيف العالمية للبنان باحتمالات الإفلاس؟؟

المشكلة تبدو معقدة..وستكون معقدة أكثر إن دخلنا في تفاصيل العلاقة الاقتصادية البنيوية بين قطاعي الأعمال في البلدين، ولن يكون من الممكن التكهن ببساطة بأن المصارف اللبنانية ستستجيب، لأنها غير مؤهلة، وفي حال استجابت سيكون الاقتصاد اللبناني أمام حالة انهيار مؤكدة.

أمام مصرف لبنان و الحكومة هناك أيضاً خيارين اثنين..

الأول: أن يضحّيان بسمعة المصارف العريقة لديهما، واللجوء إلى ما يشبه "القرصنة" واستباق الأحداث بإعلان الاقتصاد اللبناني اقتصاداً مفلساً، وهذا احتمال غير بعيد لكنه ليس قريباً أيضاً.

الثاني: أن يتم اللجوء إلى الدول ذاتها التي يقال أنها تموّل سياسة "تجفيف موجودات المنطقة من الدولار" لتخليص السلطات النقدية والحكومة اللبنانية من الورطة التي وجدت نفسها فيها أمام الاستحقاق السوري ..أي تسديد الالتزامات تجاه المودعين السوريين الذين بادروا لدعم اقتصادهم وليرتهم، بعد طول دعم للاقتصاد اللبناني.

ولا نظن أنه من الحكمة تحويل المسألة لحوار أو مباحثات بين السلطات في البلدين، لأن الجانب السوري الرسمي ليس هو من نظّم عمليات خروج دولارات البلد لتكون ودائع داعمة للاقتصاد اللبناني.

الآن علينا أن نراقب كيف سيحل مصرف لبنان المشكلة "العويصة"..فقد عودنا رياض سلامة على أفكار خلاقة في الحل، و علينا أن نترقّب كيف سيخرج بلده من هذا المأزق.

ناظم عيد – الخبير السوري