بري وقع رفع السرية المصرفية عن حساباته

بري وقع رفع السرية المصرفية عن حساباته
الثلاثاء ١٢ نوفمبر ٢٠١٩ - ٠٤:٠٥ بتوقيت غرينتش

في اطار سياسة مكافحة الفساد في لبنان وقع بعد الظهر اليوم الثلاثاء رئيس مجلس النواب على رفع سرية المصارف على حساباته في الداخل والخارج.

العالم_لبنان

مع بدء الاحتجاجات الشعبية في لبنان واتهام المسؤولين بالفساد و نهب أموال الشعب قام عدد منهم برفع سرية عن حساباتهم و منهم الوزير الخارجية و رئيس "تكتل لبنان القوي" جبران باسيل و قال في إطار عملية مقاومة الفساد التي يقوم بها هذا التكتل من خلال تنفيذ خطة كاملة متكاملة على الصعيدين التنفيذي والتشريعي، اليوم نحن نقوم بخطوة جديدة".

وتحدث باسيل عن "اقتراح القانون المعجل المكرر الذي تقدم به إلى مجلس النواب لرفع السرية المصرفية.

اعتمد لبنان السرية المصرفية اعتبارًا من العام 1956 وكان لذلك أثر كبير في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الإستقرار الإقتصادي.

ما هو مفهوم السرية المصرفية وكيف تطبق الأحكام المتعلقة بها، وهل ما زالت اليوم ملائمة لتحقيق الغاية التي وضعت لأجلها؟

يندرج السر المصرفي بمعناه الواسع في إطار سر المهنة، وتحديدًا الموجب الملقى على عاتق المصرف بعدم افشاء الأسرار المصرفية المتعلقة بزبائنه والتي آلت إليه بحكم وظيفته أو بمعرض قيامه بهذه الوظيفة، وهذا الموجب فرضته نصوص عامة، كنص المادة 579 من قانون العقوبات اللبناني.

أما السرية المصرفية بمعناها الضيق فهي الموجب الملقى على عاتق المصرف بعدم افشاء الأسرار التي حازها بفعل وظيفته، ولكن بموجب نصوص قانونية صريحة تفرض التكتم وتعاقب الإفشاء.
وتفرض الأنظمة المصرفية المعتمدة في مختلف الدول، السرية على العمل المصرفي، ولكن بدرجات متفاوتة، كما تحرص البنوك على عدم تقديم المعلومات عن العملاء إلا لمن تحددهم القوانين، وذلك انطلاقًا من الحرص على حماية الحق الشخصي للعميل الذي يخشى المزاحمة القائمة في حقل الصناعة أو التجارة واطلاع منافسيه على حقيقة أموره. هذا بالإضافة إلى مصلحة المصرف نفسه في الإحتفاظ بسرية اعماله عن غيره من المصارف الأخرى التي تنافسه محليًا وعالميًا.

كما أن السرية المصرفية تساهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وتدعم الثقة بالإقتصاد القومي وبالجهاز المصرفي، وتشجع الإستثمار، وتوفر الثـقـة بالإئتمان المصرفي، مما ينعكس ايجابًا على مناخ الإستقرار الإقتصادي. وعلى الرغم من الإيجابيات المرتبطة بسرية الحسابات المصرفية، هناك آراء معارضة لنظام السرية المصرفية لأسباب كثيرة كالتستر على الأموال القذرة.

على أن السرية المصرفية وتقييد رفعها بحالات ضيقة جدًا، يؤديان إلى قطع الطريق أمام تتبع الأموال غير المشروعة، وبالتالي اعاقة عملية مكافحة بعض الجرائم وتبييض الأموال التي تتم عبر المصارف، الأمر الذي يجعل المؤسسات المصرفية، جنةً وملاذًا لأصحاب الأموال القذرة الذين يبحثون عن مكان آمن لإضفاء الشرعية على أموالهم من دون حسيب او رقيب.

وقد تساءل البعض، عما إذا كانت السرية المصرفية سببًا لبعض الجرائم وتبييض الأموال، بالإضافة إلى تساؤل الفقهاء عما إذا كان السر المصرفي هو تغطية لجرائم معينة! وذلك بالإشارة إلى اخفاء او تمويه المصادر غير المشروعة للأموال المشبوهة التي تودع في حسابات مصرفية.

ويعتبر بعض الفقهاء بأن جريمة تبييض الأموال تكثر وتنشط في الدول التي لها قانون صارم وحازم بشأن سرية المعاملات المصرفية. فالعلاقة عكسية، كلما كان القانون يتجه نحو السرية زادت هذه الجرائم (مثل الأمر في سويسرا)، وبالعكس كلما قلت أو تراخت هذه السرية، قلت هذه الجرائم.
وعلى الرغم من أن التحليل القانوني والمنطقي الصحيح، ينتهي إلى أن السرية المصرفية تشكل عقبة في وجه مكافحة بعض الجرائم وعمليات تبييض الأموال، فإن لبنان ما زال يتشبث بالمحافظة على السرية المصرفية ويحرص على عدم المس بها، مع تحديد الحالات التي يجوز فيها رفعها.

لقد استفاد لبنان من اعتماد السرية المصرفية في ظل الظروف السياسية والإقتصادية التي كانت سائدة العام 1956، (تاريخ اعتماد لبنان السرية المصرفية)، والتي ساهمت في جذب رؤوس الأموال الأجنبية وبخاصة الخليجية، وبات عليه اليوم أن يطور هذه السياسة وفق المتغيرات التي طرأت في الداخل والخارج، وأدت إلى نشوء انماط جديدة في المناهج الإقتصادية الدولية ومن بينها توزيع الثروات الطبيعية وبرامج التنمية والقروض والمساعدات المالية، والتعاون الدولي لمكافحة الأعمال الإرهابية ومظاهر الإستغلال والتحكم والإبتزاز والسياسة التشريعية المرنة، ومثل هذه الإعتبارات تجعل حركة رؤوس الأموال تعود إلى لبنان بصورة كبيرة في حال توافرت تدابير ملائمة وواضحة تنسجم مع مجالها الحيوي. ولا جدوى من ملاحقة المجرمين الصغار إذا تعذر ضرب منظمات الإجرام وتجار المخدرات. وبالتالي، لا بد من تمكين المحققين من بلوغ المصارف للحصول على براهين، لمنع المجرمين من ايداع اموالهم فيها من دون أن يزعجهم أحد.

و انضم لبنان الى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد (القانون رقم 33 تاريخ 16/10/2008) والتزم بموجبها بايجاد آليات مناسبة في القانون الداخلي لتذليل العقبات التي قد تنشأ عن تطبيق قوانين السرية المصرفية.