ازمات كبيرة تخيم على قمة الناتو السبعين.. فما هي؟

ازمات كبيرة تخيم على قمة الناتو السبعين.. فما هي؟
الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠١٩ - ١٢:٣٢ بتوقيت غرينتش

تنطلق اليوم في العاصمة البريطانية لندن، القمة السبعين لأعضاء حلف شمال الأطلسى "الناتو"، التي تسعى إلى تجاوز أجواء التوتر السائدة بين ألاعضاء والانطلاق نحو مرحلة جديدة. ومن المقرر أن تناقش القمة، ملف عودة اللاجئين السوريين وقضية العدوان التركي على سوريا.

العالم - تقارير

يجتمع جميع أعضاء حلف الشمال الأطلسي"الناتو" في العاصمة البريطانية لندن، اليوم، للاحتفال بالذكرى الـ 70 لتأسيس الحلف، إلا أن قمتهم تخيم عليها نزاعات حول الغاية من تأسيس الحلف واتجاهه الاستراتيجي، خاصة بعد وصفه من قبل الرئيس الفرنسي إمانوئل ماكرون بأنه يعاني من "موت سريري".

وشعلت الأحداث الأخيرة في شمال شرق سوريا نار الجدل بين أعضاء الحلف؛ عندما أقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على سحب قواته من شمال شرقي سوريا من دون التشاور مع الحلفاء في الناتو؛ وأعطى لتركيا الضوء الأخضر لشن هجوم على قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، ولاقت خطوة أنقرة التدخلية في سوريا موجة من الانتقادات الدولية.

إثر هذه الأحداث في شمال شرق سوريا، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقابلة مع مجلة «إيكونيميست» في 9 نوفمبر / تشرين الثاني المنصرم، الناتو بأنه في حالة "موت سريري".

كما أوضح نقطة مفادها أنه أيا كان الرئيس الذي سيدخل البيت الأبيض اعتبارا من العام المقبل، هناك حقيقة واحدة جلية هي أن أوروبا لم تعد ذات أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وبالتالي، ووفقا لرأي الرئيس الفرنسي: «لا بد أن نعيد تقييم واقع حلف شمال الأطلسي في ضوء التزامات الولايات المتحدة إزاء الحلف».

وأعرب الرئيس الفرنسي عن أسفه الشديد أن أصبحت أوروبا غير متواكبة ولا متزامنة مع التاريخ، مع حالة بائسة من الرضا عن الذات، وفقدان القدرة بشكل خطير على مواجهة تحديات منطقة اليورو المنهكة، مع مشكلات الهجرة، وصعود الأنظمة السلطوية، ومخاطر التغييرات المناخية أو احتمالات تهميش الاتحاد الأوروبي في خضم الصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين.

وأصر ماكرون على حاجة الأوروبيين إلى تعزيز مواقفهم إزاء «الاستقلال الاستراتيجي»، بمعنى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في القدرات الدفاعية، وعلى «السيادة التكنولوجية»، بمعنى ضرورة مواجهة التوغل الصيني الواضح فيما يتعلق بشبكة الجيل الخامس فضلا عن احتكار الشركات الأميركية التقنية الأربعة العملاقة لأسواق التكنولوجيا حول العالم.

تصريحات ماكرون أزعجت الحلفاء الى حد كبير، لا سيما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي هاجم ماكرون وقال إن سيّد الإليزيه هو في حالة "موت دماغي"، مستعيراً العبارة نفسها التي استخدمها ماكرون لوصف الناتو.

واستغل أردوغان خطابًا متلفزاً لمهاجمة ماكرون قبل أيام فقط من انضمامهما إلى قادة آخرين في حلف شمال الأطلسي للمشاركة في قمة في بريطانيا تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى الـ70 لتأسيس الحلف. وقال أردوغان "أتوجه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسأكرّر ذلك له في (قمة) حلف الأطلسي. عليك قبل أي شيء أن تفحص موتك الدماغي أنت نفسك. لا تناسب تصريحات من هذا النوع إلا أمثالك الذين في حالة موت دماغي".

وفي رد فعلها على تصريحات أردوغان، أعلنت الحكومة الفرنسية أنها ستستدعي السفير التركي في فرنسا لمناقشة المسألة، في ثاني استدعاء للسفير خلال شهرين.

وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف الأطلسي "ينس ستولتنبرغ" في باريس، إنه يتفهّم المخاوف الأمنية "لدى حليفتنا تركيا التي تعرَّضت لعدة هجمات على أراضيها". لكنه أضاف "لا يمكنك من ناحية القول إننا حلفاء وطلب التضامن في هذا الصدد، ومن ناحية أخرى وضع حلفائك أمام الأمر الواقع المتمثل في عملية عسكرية تعرّض للخطر أعمال التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية الذي ينتمي إليه حلف شمال الأطلسي".

وردّا على التصريحات، اعتبر أردوغان أن ماكرون "عديم الخبرة". وأضاف "لا يعرف معنى محاربة الإرهاب. لهذا اجتاحت حركة السترات الصفراء فرنسا"، حسب تعبيره.

وأشار أردوغان إلى أن لدى أنقرة الحق بالتدخل في سوريا نظراً لوجود حدود مشتركة بين البلدين. وتوجّه لماكرون قائلاً "ما دخلك أنت بسوريا؟ لوّح بقدر ما تشاء، في نهاية المطاف ستعترف بصحة كفاحنا ضد الإرهاب"حسب زعمه.

من جهة اخرى، لا يُخفي ترامب استياءه البالغ إزاء حلف الناتو، فضلا عن استيائه الواضح حيال الاتحاد الأوروبي. وهو يعتقد أن بلاده تنفق الكثير من الأموال للإسهام في الدفاع عن البلدان الأوروبية التي يعتبرها غنية للغاية وبدرجة كافية لتولي مهام الدفاع الذاتي عن النفس مما يجعلهم – من وجهة نظره – من المنافسين غير المنصفين للولايات المتحدة على صعيد التجارة. ومعروف عن الرئيس الأميركي تلاعبه ببطاقة انسحاب الولايات المتحدة من عضوية حلف الناتو بين الحين والآخر. وفي أول قمة لبلدان الحلف بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة، قبل عامين، أبدى ترامب ترددا كبيرا في ذكر المادة الخامسة من ميثاق الحلف، وهي المادة المعنية بالتزام الولايات المتحدة الدفاع عن الأعضاء الآخرين في الحلف إذا ما تعرضوا للهجوم. وعلاوة على ذلك، شرع ترامب في حملة شعواء للحصول على زيادة في الإنفاق العسكري من الحلفاء في أوروبا – وأغلبهم على استعداد لتوفير الأموال على خلاف ألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا.

وخلال مؤتمرها الصحفي المشترك مع الرئيس التركي أردوغان في برلين الجمعة (28 سبتمبر/ أيلول 2018) أكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أنه لا تزال هناك "اختلافات عميقة" مع تركيا فيما يتعلق بحرية الصحافة وحقوق الإنسان، مشددة على أن هناك مصالح مشتركة مع تركيا كالناتو والهجرة ومكافحة الإرهاب. أما الرئيس التركي فدعا برلين لتسليم ما قال إنهم مئات من مؤيدي رجل الدين "فتح الله غولن" المقيمين في ألمانيا.

الى ذلك، كشف الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرج، الأسبوع الماضي، عن أرقام جديدة توضح أن تسعة من الحلفاء قد وصلوا الآن إلى هدف الإنفاق الدفاعي للناتو المتمثل في 2% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما من المقرر أن يزيد الحلفاء الأوروبيون وكندا الإنفاق بمقدار 130 مليار دولار خلال رئاسة ترامب.

كما أن تركيا أثارت الجدل كذلك بعد أن اختارت شراء تكنولوجيا الدفاع الصاروخي الروسية (إس 400) بدلا من شراء معدات واشنطن المتوافقة مع الناتو.

وهذه الأحداث والمواضيع، رفعت منسوب التوتر بين أعضاء حلف شمال الأطلسي والذي قد يخيّم الى حد كبير على قمة اليوم وأجواءها، بحسب الخبراء.

وبحسب مصادر ألمانية، ستطلق القمة "عملية تفكير" تهدف إلى تعزيز التعاون السياسي مع الناتو، ويأتي هذا متماشيا إلى حد كبير مع مقترح من جانب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بمعالجة المشاكل من داخل الحلف.

فهل ستتمكن قمة لندن، من نبذ الخلافات العميقة بين الدول الاعضاء في حلف الناتو والتحديات التي تواجهها، لصالح الحلف ومستقبله؟ سؤال لا يرد عليه الخبراء ايجابيا في الوقت الراهن.