لبنان بين قوته بطوائفه وضعفه بطائفيته

لبنان بين قوته بطوائفه وضعفه بطائفيته
الجمعة ٢٤ يوليو ٢٠٢٠ - ١٢:٢٣ بتوقيت غرينتش

هل بات لبنان اسير الطائفية بعدما كانت الطوائف نعمة وجوده وتعدده.

العالم لبنان

ما ان ظهر لبنان بصيغته المدنية المعروفة بعد نيله استقلاله، حتى كان المولود الجديد "الطائفية" قد ابصر النور. بدا هذا المولود يكبر وينمو، وعمدت الدول الكبرى الى تغذيته بالسر والعلن ليتحول الى عملاق يسكن في قلب كل لبناني. ويقول الكاتب اللبناني طوني خوري ان الفكر الدولي الشرير في فعل فعله، وقد حول نعمة الطوائف الى نقمة الطائفية وجعلها سلاحا خطيرا وناجحا بالنسبة الى الخارج يستعمله عند اللزوم، ولا يحتاج الامر الى اكثر من "كبسة زر" لبدء ظهور مفعوله التدميري.

وترى المصادر ان الغريب في الامر ان الطائفية عاشت مع اللبنانيين وباتت جزءاً منهم، وعلى الرغم من انهم عانوا من مفعولها الجهنمي عليهم، لا يزالون يتمسكون بها على انها "حبل خلاصهم"، وفي حين يشتهر اللبناني في العالم اجمع بذكائه ودهائه العلمي والفكري، الا انه يتحول الى شخص آخر في حضور الطائفية التي تأخذه بسحرها وتبعده عن عالمه الواقعي.

يتابع خوري: مرة جديدة تلجأ الدول الى الطائفية لاثارة المشاكل في لبنان، ومع الاسف، مرة اخرى يتجاوب اللبنانيون معها وتمسكهم بيدهم نحو الهاوية، وهكذا يشتد التعصب فيتشتت لبنان ويضعف. ويسأل البعض عما يمكن ان يفيد لبنان الصغير الحجم وغير القادر على تغيير المعادلات الدولية او الاقليمية، ولماذا تتنافس الدول على وضع رجل لها فيه وحجز نسبة من النفوذ على اراضيه؟ الجواب واضح وصريح تقول المصادر ، ليس هناك اي بلد آخر في العالم يسهل تشتيت شعبه بزرّ بسيط وغير مكلف كالطائفية.

ولان للجميع مصالح في لبنان، فهؤلاء يخافون عليها، وحين يشد طرف ما الخيط لتحسين وضعية شروطه، يقابله الطرف الآخر بشد خيط آخر لاحباط مخططه، وهكذا دواليك حتى يفرض الجميع تسوية لمشاكلهم يستفيدون منها جميعاً، ويكون لبنان وشعبه الخاسر الاكبر في المعادلة.

هذا هو الواقع، مهما قيل ويقال من قبل اي كان، وما ان يتحول لبنان (اذا تمكن شعبه من تخطي حاجز الطائفية الذي يقف عنده منذ عقود طويلة من الزمن) الى بلد غير طائفي في ظل تعدد الطوائف فيه، حتى تنتقل المشكلة الى الدول العالمية التي ستجد نفسها دون سلاحها التقليدي، وستضطر الى التفكير بسلاح آخر بطبيعة الحال، ولكن لن يكون لبنان الخيار الاول والاسهل، بل سيتحول الى خيار صعب على غرار اي دولة اخرى.

لا يمكن لاحد ان يضمن عدم تعرض البلد للهزات والخضات والمؤامرات الدولية، الا انه سيكون ضمن لائحة طويلة من الدول، وستكون نسبة اختياره لمثل هذه الخضات اقل بكثير من النسبة الحالية التي تجعله الخيار الفائز بالتزكية.

لو قدّر لكل لبناني ان يقف لوهلة ويفكّر فيما كانت ستؤول اليه الاوضاع لو تم طرد الطائفية من الحياة اليومية لهذا البلد، الم تكن الاوضاع لتتحسن على المستويات والصعد كافة؟ هل كانت السياسة ستشكل فجوة عميقة بين اللبنانيين عند كل استحقاق انتخابي او عند التعيينات؟ هل كان الاقتصاد سيشكل جبلاً كبيراً يفصل بينهم عند الوصول الى التلزيمات وتقاسم الارباح والاحتكار في بعض الاحيان؟ هل كان الامن ليهتز في كل مناسبة ومنعطف تسير فيه المنطقة ويهدّد وحدة الشعب مع كل ما يعنيه ذلك من خطر على البلد؟ والاهم هل كان القضاء ليقف عاجزاً عن النيل من اي شخص اكان زعيماً ام مسؤولاً لمعاقبته على ارتكاباته بحق اللبنانيين؟.

لا احد يرغب في ان يكون لبنان بلداً لطائفة واحدة، فتعدّد الطوائف فيه هو بالفعل "نعمة" عليه، ويمكن له ان يلعب دوراً اساسياً في المنطقة ككل، لو قدّر لشعبه ان يقرن القول بالفعل وينبذ الطائفية ويمارس شعائره الدينية كيفما يشاء ووقتما يشاء وحيثما يشاء.

دول كثيرة تعرضت لما تعرض له لبنان عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، واستطاعت تخطّي المشاكل لانّها كانت موحّدة وغير منقسمة طائفياً، فالحلول موجودة لكل انواع الانقسامات ما خلا الانقسام الطائفي. انها نقطة الضعف الاكثر حساسيّة للبنان والتي تقوده نحو الضياع: ضياع هويته، ضياع رسالته، وضياع شعبه. والمستغلون في ازماته يمعنون تدخلا وتحريضا والهدف من كل ذلك حماية المولود الامريكي والغربي في المنطقة الكيان الاسرائيلي.

مراسل العالم حسين عزالدين

كلمات دليلية :