هبّة القدس مستمرة

هبّة القدس مستمرة
الإثنين ١٠ مايو ٢٠٢١ - ٠٧:٢٧ بتوقيت غرينتش

تتّجه الأنظار، اليوم الإثنين، إلى مدينة القدس المحتلّة، حيث يستعدّ الفلسطينيون لمواجهة أكبر الخطوات الاستفزازية المتواصلة منذ بداية شهر رمضان في المدينة.

العالم_لبنان

كتبت صحيفة الاخبار اللبنانية اليوم الاثنين خطوةٌ بدت واضحةً أمس إرادةُ العدو التخفيف من وقعها، توازياً مع توجيهه بتهدئة ملفّ حيّ الشيخ جرّاح مؤقّتاً، خشية تدحرج الأحداث إلى انتفاضة شاملة، تجرّ بدورها تصعيداً عسكرياً مع قطاع غزة، الذي ينصبّ الاهتمام الإسرائيلي عليه، في ظلّ توثّب دقيق ومذهل تُظهره فصائل المقاومة هناك.

هكذا، تجد "إسرائيل" نفسها بين خيارَين أحلاهما مرّ: إمّا تهدئة مؤقتّة ستكون لها تداعيات خطيرة على الأمد البعيد، وإمّا اشتغال على النتائج الاستراتيجية سيكون له ثمنه أيضاً، راهناً. والظاهر، إلى الآن، أن الكيان العبري يحاول الوقوف بين بين، من دون ضمانات بأن تؤتي سياسته تلك أُكُلها

في اليوم الذي أعقب التصعيد في القدس والحرم القدسي، كما اليوم الذي يسبق تصعيداً متوقّعاً بمستوى أعلى في الأيام المقبلة، تراشُق اتهامات بينية داخل "إسرائيل" وبحث في أخطائها. بعبارة أخرى، تُعلن "إسرائيل" وتقرّ بأنها فشلت في معالجة احتجاجات المقدسيين التي تسبّبت هي بها، وباتت تبحث الآن عن تقليل مستوى خسائرها، ومنْع الفلسطينيين، إن أمكن، من تحويل هذا الفشل إلى سلاح يُرفع في وجهها، لتثبيت حقوقهم، وإفشال مساعيها التي لا تنتهي في سلبها منهم. احتجاجات القدس هي إعادة تذكير لمَن يتناسى، بأن الاحتلال، وإن علت قدرته وسطوته، يخضع لمعادلة تتكاتف فيها القوة العسكرية وإرادة استخدامها ــــ وإن لم تُستخدم فعلياً ــــ، مع الاتحاد البيني لدى الفلسطينيين ووضعهم الانقسام الجغرافي جانباً، وكذلك المثابرة في إشعال الاحتجاج للوصول إلى تفشيل المساعي الإسرائيلية. والحديث هنا عن القدس، التي تُعدّ دس أقداس الاحتلال، ويعتبر السعي إلى طرد الفلسطينيين منها بالقوة أو بالإغراء وما بينهما واحدةً من استراتيجياته المفعّلة منذ أن احتُلّت المدينة قبل عشرات السنين، وهو معنيّ بأن لا يسمح بإعلاء كلمة الفلسطينيين وعرقلة مخطّطاته، ما أمكنه ذلك.

وإن كان فشل "إسرائيل" في الجولة الحالية واضح المعالم ويمكن تقديره، إلا أن إعلان انتصار الفلسطينيين فيها لا يزال مبكراً أيضاً، على رغم أن كفّة المعركة، التي لم تنتهِ بعد، تميل إلى مصلحتهم. مع ذلك، فإن لِما يجري، كما هو إلى الآن، نتائج محقّقة، ومنها ما يمكن أن يُبنى عليه لحفظ حقوق الفلسطينيين، ومنها ما يُمكّنهم من فرض إرادتهم على الاحتلال لاسترجاع أخرى، إن أحسنوا استخدامها. وكما هو واضح، يتجاذب قرارَ "إسرائيل" اتجاهان، في ظلّ مساعيها إلى فرض الهدوء ومنع التسبّب بمستويات أعلى من التصعيد، وفي كلّ اتجاه فرصة وتهديد تختلف معقوليّتهما باختلاف القرارات التي يمكن أن تُتّخذ على أساسهما. يستند الاتجاه الأول إلى فكرة أن تمتنع "إسرائيل" عن استفزاز الفلسطينيين، عبر إجراءات تتراجع فيها عن قرارات اتّخذتها، أو تحدّ منها، سواء في ما يتعلق بإخلاء بيوت في حيّ الشيخ جرّاح، أو الحدّ من حركة المقدسيين تجاه الحرم القدسي ومداخله، وفي الاتجاه نفسه، تَمنع، أو في حدّ أدنى، تُقلّص اندفاعة المستوطنين وفعالياتهم في ما يُسمّى يوم القدس (الإسرائيلي).

قرارات كهذه، ذات طبيعة انكفائية، إنما تأتي نتيجة ضغط فلسطيني، وهي من شأنها أن تنهي أو تحدّ بمستوى كبير من التصعيد، ما يؤدي إلى تحقيق مصلحة آنية ملحوظة للاحتلال، وخصوصاً أن الأخير يجد نفسه محتاجاً إلى الهدوء في ظرف ضاغط جدّاً، سواء داخلياً أو خارجياً، بعدما استدعت الاحتجاجات سلسلة إدانات خارجية، حتى من جهات عربية خليجية اصطفّت إلى جانب "إسرائيل" في الفترة الأخيرة.

\العالم_لبنان