لبنان.. محاولة لشراء الوقت حــتى الانتخابات!

لبنان.. محاولة لشراء الوقت حــتى الانتخابات!
الجمعة ٢٥ يونيو ٢٠٢١ - ١١:١٦ بتوقيت غرينتش

كلما تمدّد الوقت الضائع أصبح السؤال عن الجدوى المنتظرة من الحكومة المقبلة أكثر إلحاحاً. وليس خافياً أنّ التوقيت المناسب جزء أساسي من المعالجة، وأنّ الدواء الذي لا يؤخذ بانتظام في موعده يغدو من دون فعالية.

العالم-لبنان

من هنا، ليس معروفاً ما إذا كانت أي حكومة جديدة ستكون قادرة حقاً على اجتراح الحلول الجدية ومباشرة تطبيقها على بُعد أشهر من الانتخابات النيابية التي ستصبح متطلباتها أهم للمعنيين بها من الإصلاحات المكلفة ووصفات صندوق النقد الدولي، المعروف بأنها مؤلمة وقاسية.

والأرجح أنّ الحكومة المقبلة، إذا تشكّلت، ستكون عملياً حكومة انتخابات وحسابات انتخابية، ومهمتها المضمرة ستنحصر في تقطيع المرحلة حتى أيار المقبل (تاريخ انتهاء ولاية المجلس الحالي) بأقل الخسائر الممكنة، وصولاً إلى محاولة استبدال الارتطام القاسي بالارتطام الناعم.

حتى لو استأنفت الحكومة الجديدة - التي لا تزال "افتراضيّة"- المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلا أنها لن تتجرأ على التجاوب مع كثير من طلباته التي تشكل ممراً إلزامياً للحصول على المساعدات المالية، ذلك أنّ قوى وازنة عدة لن تقبل باتخاذ قرارت صعبة وغير شعبية في عام التحضير للانتخابات النيابية، من قبيل خفض حجم القطاع العام والاستغناء عن آلاف الموظفين على سبيل المثال.

ومن الشائع أنّ القرارات الصعبة كهذه تُتخذ عموماً بعد الانتخابات وليس قبلها، حتى في البلاد الطبيعية، فكيف إذا كان وضع غالبية القوى السياسية هشّاً على المستوى الشعبي كما هي حالها في لبنان بعد الانهيار، بحيث إنها لا تستطيع أن تتحمّل وزن خيارات مخالفة لكل النمط الاقتصادي والمالي الذي كان معتمداً على امتداد عقود من الاقتصاد الريعي.

بناء عليه، سيكون الهمُ الأساس للأفرقاء المحليين من الآن وحتى موعد الانتخابات في الربيع المقبل، الصمود وبالتالي الاستمرار في التنفس، عبر اعتماد سياسة الترقيع والرَتق سعياً إلى تفادي الانفجار الاجتماعي الكبير الذي قد يحصل في أي لحظة إن استمر غياب الحد الأدنى من صمامات الأمان، علماً أنّ التجربة أظهرت حتى الآن أن معظم اللبنانيين تلقّوا نوعاً من "البنج العمومي" الذي دفعهم إلى الاستسلام أمام الأمر الواقع والرضوخ للضغوط الاقتصادية والمعيشية من دون إبداء أي رد فعل مضاد على رغم كل مظاهر الإذلال اليومي، إلا في حال انتهى مفعول البنج قريباً وانتفض الناس لكرامتهم المنتهكة التي رُفع عنها الدعم كلياً وصارت ضحية التفلّت في السوق السوداء.

وهناك من يلفت إلى أنّ المحاولة المتجددة للهروب إلى الأمام ستستند إلى قاعدة "جود بالموجود" على ضآلته، ما دام أنّ أحداً لا يملك شجاعة اتخاذ القرارت الإصلاحية الكبرى والجذرية، أقله في القريب العاجل. وبالتالي، فإنّ الطبقة السياسية - المالية المُمسكة بزمام الأمور تفترض أنه قد يكون بالمستطاع احتواء تداعيات الرفع التدريجي للدعم من خلال إقرار البطاقة التمويلية بالدولار والبدء في تسديد دفعات شهرية للمودعين عملاً بتعميم مصرف لبنان، بحيث يهتزّ البلد ولا يقع.

ويشير أصحاب هذا الاستنتاج إلى أنّ الجهات السياسية والبنك المركزي والمصارف ستجد نفسها مضطرة، كلٌ من موقعه، لفِعل شيء أو لتقديم شيء حتى تنجو من مفاعيل الهبوط الاضطراري في الهاوية، وهذا ما يفسّر على سبيل المثال صدور التعميم 158 عن مصرف لبنان وتجاوب المصارف معه على رغم أنّ بعضها سيجد صعوبة في إعطاء المودع 400 دولار "فرش" كل شهر.

كذلك، فإنّ الطبقة السياسية التي تستشعِر بخطر على مصالحها وتتخوّف ممّا يمكن أن تحمله لها صناديق الاقتراع من مفاجآت غير سارة، ستسعى إلى إرضاء المواطن المسحوق بفتات البطاقة التمويلية.

ولكن ماذا لو استمر تدحرج المعاناة بإيقاع أسرع من سلحفاة التدابير الرسمية؟ وماذا لو أنّ إحدى شرارات الأزمة فجّرت برميل البارود على حين غرّة؟

إنها مغامرة اللعب مع "ثعابين" النفق المظلم والمسدود، فهل من يفتح كوة فيه للخروج منه قبل استفحال الخطر؟