"رسالة بروتوكولية"من المغرب للجزائر لتجاوز الخلافات بين الجارتين

الثلاثاء ٠٦ يوليو ٢٠٢١ - ٠٥:٢٤ بتوقيت غرينتش

بعد ما يقرب من شهر من تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن استمرار إغلاق الحدود مع المغرب "المعتدي دائما" الذي يهاجم بلاده يوميا، على حد قوله، بعث الملك المغربي محمد السادس برقية لتبون، بمناسبة عيد الاستقلال.

العالم - افريقيا

هذه الرسالة هي الثانية من نوعها في أقل من عامين.

ففي الأولى دعا محمد السادس لتبون بالشفاء العاجل بعد إصابته بفيروس كورونا، ديسمبر الماضي. بينما أرسل الرئيس الجزائري، في يونيو 2020، رسالة اطمئنان على صحة العاهل المغربي بعد عملية جراحية أجراها الملك.

وينظر توفيق بوقعدة، الباحث والأستاذ في العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إلى رسالة الملك المغربي الأخيرة باعتبارها رسالة بروتوكولية ترسلها إحدى الهيئات بالقصر الملكي في كل مناسبة تحدث في الجزائر أو أي دولة أخرى، مستبعدا أنها تحمل بعدا سياسيا.

وأضاف لموقع "الحرة"، قائلا: "لا يزال التوتر وعدم الوضوح في آليات تقريب وجهات النظر يشوب العلاقات الجزائرية المغربية". ولا يعتقد بوقعدة أن تفتح هذه الرسالة باب الحوار بين الجارتين.

ومن بين نقاط الخلاف الكبرى بين المغرب والجزائر ملف الحدود البرية المغلقة، وقضية الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة إسبانية، وضم المغرب معظم أراضيها إليه عام 1975.

وتتقاسم الجزائر والمغرب حدودا برية تمتد لمسافة 1500 كيلومتر من البحر المتوسط حتى الصحراء الكبرى. وهذه الحدود مغلقة منذ عام 1994 بعد خلافات بشأن الأمن.

أما رشيد لزرق، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل المغربية، فيرى أن الرسالة تحمل بعدا تاريخيا، قائلا لموقع "الحرة": "استقلال الجزائر جاء نتيجة نضال مشترك بين الشعبين الجزائري والمغربي، وتهنئة الملك إلى الرئيس هو تذكير بوقع هذه المناسبة على الشعبين، والدماء المغربية التي اختلطت بالدماء الجزائرية في حرب التحرير".

وجاء في برقية محمد السادس أن "الشعب المغربي يشاطر شقيقه الجزائري مشاعر الاحتفاء بهذه المناسبة المجيدة، مستحضرا بكل اعتزاز صفحات التلاحم والتضامن الأخوي الصادق التي تختزنها ذكرى كفاحهما البطولي المشترك من أجل الحرية والاستقلال".

وكانت الجزائر خضعت للاستعمار الفرنسي طيلة 132 عاماً (1830 - 1962).

وتأتي الرسالة الملكية الأخيرة بعد تصريحات للرئيس الجزائري لصحيفة (لو بوان) الفرنسية، في يونيو الماضي، قال فيها إن "القطيعة تأتي من المغرب، وبالضبط من النظام الملكي وليس الشعب المغربي الذي نحترمه".

لكن في نوفمبر 2018، دعا الملك المغربي، في خطاب متلفز بمناسبة المسيرة الخضراء، الجزائر إلى حوار "مباشر وصريح" من أجل "تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التي تعوق تطور العلاقات بين البلدين".

ووصف وضع هذه العلاقات "غير طبيعي وغير مقبول"، مقترحا "آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور" مهمتها "الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات".

وجدد الملك، في يوليو 2019، دعوته للحوار مع الجزائر في الذكرى العشرين لتوليه العرش.

ويعلق لزرق قائلا: "الملكية في المغرب ليست رهينة رد فعل لتصريحات تبون الذي يبحث عن شرعية ويختنق نظامه بسبب أزمة داخلية، إذ لا يمكن لرئيس جزائري كيف ما كان أن يضع قطيعة بين شعبين لأن العلاقات أعمق".

وعما إذا كان العاهل المغربي سيواصل دعواته للحوار مع الجزائر، قال لزرق: "الملك عندما يوجه هذه الدعوات، فهي انطلاقا من مكانته الدستورية والروحية، كونه ممثل الأمة المغربية".

ويرى لزرق أن التعاطي الإيجابي مع الدعوات المغربية "مرهون بتحقيق تحول ديمقراطي في الجزائر، لكون حكم العسكر لا يعير الاهتمام للتنمية مقارنة بصناعة الحروب"، على حد قوله.

وكان تبون استبعد، في حواره مع الصحيفة الفرنسية، هجوم المغرب على الجزائر، وقال: "بلادنا لن تهاجم قط جارنا، لكنها ستنتقم إذا تعرضنا للهجوم (..) أشك في أن المغرب سيحاول فعل ذلك، ميزان القوى ليس في مصلحته".

وعلى الرغم من انتخاب تبون رئيسا للبلاد في ديسمبر 2019 خلفا لعبد العزيز بوتفليقة، والموافقة على دستور معدل في استفتاء العام الماضي، يعتقد العديد من الجزائريين أن المؤسسة الأمنية والعسكرية لا تزال بيدها السلطة الحقيقية.

حوار بدون الصحراء

وفيما يتعلق بالحوار مع المغرب يقول بوقعدة: "الجزائر كانت واضحة منذ البداية؛ يمكنها التحاور مع المغرب في جميع القضايا الأمنية والسياسية التي تهم البلدين وحدهما، دون الدخول في تفاصيل قضية الصحراء".

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أعلن اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في ديسمبر الماضي، مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وأعقب هذا الاعتراف افتتاح قنصليات لعدة دول في العيون والداخلة بالصحراء.

بينما أعلنت الأمم المتحدة أن القرار الأميركي لا يغيّر موقفها حيال الصحراء التي تعتبرها من "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".

ويطالب المغاربة بالسيادة على المستعمرة الإسبانية السابقة وكذلك جبهة البوليساريو التي تحظى بدعم الجزائر، جارة الرباط والمنافسة الإقليمية الكبرى لها. وقد توقفت المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حل للمنطقة منذ ربيع العام 2019.

ويبرر بوقعدة إبعاد قضية الصحراء عن الحوار بين الجارتين، بقوله: "هي بعيدة عن قدرة الجزائريين باعتبارها أممية، وليس من صلاحية الجزائر أن تتفاوض على حق شعب آخر يريد التحرر".

إلا أنه وفي وقت سابق من يونيو، عاد إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو إلى الجزائر، بعدما قضى أكثر من شهر في مستشفى إسباني، الأمر الذي أثار غضبا مغربيا.

كما انتقد تبون في حواره مع الصحيفة الفرنسية افتتاح قنصليات في الصحراء. وقال: "في حالة التصويت لتقرير المصير، فإن المغاربة الذين يعيشون في الأراضي الصحراوية سيصوتون من أجل الاستقلال لأنهم لا يريدون البقاء كرعايا للملك".

ويقول بوقعدة إن المغرب يحاول اختصار أزمة الصحراء الغربية باعتبارها أزمة بين الجزائر والمغرب، مضيفا "الرباط تريد حزمة كاملة من التوافقات مع الجزائر، بما فيها قضية الصحراء الغربية، وهذا ما ترفضه الجزائر، باعتبارها قضية يجب أن تبقى في أروقة الأمم المتحدة".

ويعتقد المحلل الجزائري أن تطبيع العلاقات بين المغرب والإحتلال الإسرائيلي أدى إلى تأزيم العلاقات بين الجارتين، قائلا: "تعتبر الجزائر أن وجود جهاز الموساد الإسرائيلي على حدودها سيؤثر على أمنها، وسيعمل على تفاقم تدهور العلاقات"، على حد قوله.