من الخاسر الأكبر في قطع العلاقات بين المغرب والجزائر؟

من الخاسر الأكبر في قطع العلاقات بين المغرب والجزائر؟
الأحد ٢٩ أغسطس ٢٠٢١ - ٠٣:٣٨ بتوقيت غرينتش

قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب متهمة إياه بصلته في الحرائق التي نشبت في البلاد مؤخرا، فكيف سيوثر هذا القرار على اقتصاد كلا البلدين؟

العالم - المغرب

أجاب عن هذا السؤال المحلل الاقتصادي الجزائري، الدكتور آدم شيتر في حديثه لوكالة “سبوتنيك”: “إن قرار الجزائر قطع العلاقات هو قرار سيادي سياسي مرتبط بالأمن القومي للجزائر، ولكن سيؤثر سلبا على العلاقات الاقتصادية أيضا علما أنه لم يصدر أي قرار أو بيان رسمي يتحدث عن قطع العلاقات التجارية”.

وأضاف شيتر:”المغرب هو الأكثر تأثرا بهذه الأزمة من الناحية الاقتصادية، لأنه يستورد جميع أنواع الطاقة التي يحتاجها للأغراض الداخلية ولتمويل صناعته، وبالتالي سيتأثر الإنتاج بشكل أساسي”.

وتابع: “وهنا أريد أن أنوه إلى أن الجزائر قررت في الـ26 من أغسطس الجاري، عدم تجديد عقد إمدادات الغاز الطبيعي للمغرب الذي ينتهي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إذ يستفيد المغرب بنسبة 10% من الغاز المسال المتجه إلى أوروبا، أي مايعادل 1.5 مليار دولار سنويا”.

وأشار المحلل الجزائري إلى أن “هذا يعتبر خسارة كبيرة للمغرب إن كان من جهة المداخيل، التي هي 1.5% من العائدات أو من جهة تزويد السوق الداخلي، التأثير على مستوى الأفراد سيكون أكبر لأن الغاز الجزائري موجه للاستهلاك العائلي”.

وعن تأثر الاقتصاد الجزائري، رأى المحلل الاقتصادي، شيتر “أن الجزائر لن تتأثر كثيرا إن انقطعت الإيرادات المغربية من الحديد والصلب، لأن الجزائر وصلت للاكتفاء الذاتي به وقادرة على تصدير 50% من إنتاجها له، وهذا يعني بإمكانها الاستغناء عن صادراتها من هذه المادة من المغرب”.

أما فيما يخص إمكانية وضع المغرب لاستراتيجية جديدة لتعويض نقص الطاقة، قال شيتر:”المشاريع التي يتحدث عنها الجانب المغربي للتحول إلى الطاقة البديلة كطاقة الرياح والهيدروجين غير كافية لتحل مكان الطاقة التقليدية والغاز المسال، فحتى أوروبا بكل التقدم التكنولوجي التي تتميز به لم تستطع تلبية حاجاتها بالسوق الأوروبية ككل وبقيت تعتمد على مصادر الطاقة التقليدية”.

وأوضح شيتر بخصوص التبادل التجاري بين البلدين أنه “إذا تحدثنا عن التبادل التجاري فإنه ضعيف نسبيا بين البلدين يعني حجم التبادل التجاري بلغ 433.4 مليون دولار فقط خلال العام الماضي أي بنسبة 2% من صادرات الجزائر نحو العالم ومعظم هذه الصادرات كانت منتجات عضوية، ومحاصيل زراعية، ومشتقات الوقود والزيوت، في المقابل بلغت صادرات المغرب نحو الجزائر لنفس الفترة 133.8 مليون دولار أي بنسبة 0.5% فقط من صادرات المغرب للعالم ومعظمها كان من: الحديد والصلب ومستلزمات المراكب، وبالتالي يستطيع كلا البلدين تعويض ذلك من دول أخرى لعدم وجود تبادل قوي بينهما أصلا”.

واعتبر شيتر بالنسبة للتأثير الاقتصادي على المنطقة ككل وخاصة دول الجوار، أن “ما يعرف مجازا بــ “الاتحاد المغاربي” أي (الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا) أو “السوق المغاربي” الذي هو فقط حبر على ورق وغير مفعّل عمليّا رغم أنه يضم أكثر من 100 مليون نسمة وبإنتاج محلي يتجاوز الـ 400 مليار دولار وللأسف حجم التبادل التجاري بين هذه الدول لا يتجاوز 2.8% من حجم التبادل الكلي لهذه الدول، وبالتالي لن تتأثر كثيرا بقطع العلاقات على الأقل اقتصاديا لأنها تعتمد على دول العالم في الاستيراد والتصدير وليس على دول الجوار”.

ويبقى الاستغناء عن خط أنبوب الغاز المار من المغرب (Gazoduc Maghreb-Europe) ورقة ضغط ضعيفة حسب إفادات عدد من الخبراء الاقتصاديين المغاربة، نظراً لمحدودية تأثيره على مصالح المملكة من حيث الغاز الطبيعي، كما أن الأمر يهم إسبانيا بالدرجة الأولى، لأنها المستفيدة النهائية من الغاز المنقول.

ولم تعبر إسبانيا حتى الآن بشكل رسمي أو غير رسمي، عن موقف إزاء عدم رغبة الجزائر في تجديد اتفاق هذا الأنبوب، لكن صحفا إسبانية معروفة سبق أن أشارت إلى السلطات الإسبانية تعتبر أن الأنبوب المار من المغرب يظل ضرورياً لضمان إمدادات آمنة لإسبانيا.

ينطلق أنبوب الغاز الجزائري الممتد على 1400 كيلومتر، من آبار حاسي الرمل في الجزائر تجاه إسبانيا والبرتغال مروراً بالمغرب، على مسافة تناهز 500 كيلومتر، عبر بني مطهر وقرب تازة ووزان، قبل أن يصل إلى طنجة وجبل طارق ثم إسبانيا.

ويوفر الأنبوب الغاز لإنتاج الكهرباء في محطتين لتوليد الطاقة في المغرب، توفران 17 في المائة من إنتاج الكهرباء. كما يحتضن المغرب أربعة مراكز صيانة خاصة بالأنبوب في بني مطهر ومسون وعين دريج وطنجة، وهو خط تطلب استثمارات مالية ضخمة، ويحتاج صيانة مستمرة.

وخلال السنوات الماضية، عرفت إيرادات المغرب من هذا الأنبوب انخفاضاً ملحوظاً، ففي سنة 2018 بلغت حوالي 1.5 مليارات درهم، وفي سنة 2019 انخفضت إلى 1 مليار درهم، لتنخفض إلى 500 مليون درهم سنة 2020.

وبالنسبة لإسبانيا، فإن خط أنابيب الغاز يوفر الشروط المثلى لضمان إيصال الغاز الجزائري إليها بكلفة تنافسية لا يمكن للطرق الأخرى ضمانها، في إشارة إلى الشحن البحري أو حلول النقل عبر أنابيب بحرية.

إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي المغربي، قال إن الجزائر “تلعب بأوراقها بعد قطع العلاقات الدبلوماسية”، مردفا: “يحاول النظام الجزائري استعمال كل الأوراق المتاحة للتضييق والضغط على المغرب، ومنها أنبوب الغاز الذي يمر عبر المملكة لتزويد إسبانيا بهذه المادة الحيوية، التي يستفيد منها بلدنا كذلك”.

وأضاف الفينة في تصريح لـ”هسبريس”: “الآن وبعد قرار الاستغناء عن هذا الأنبوب تجب العودة إلى الاتفاق الذي يجمع شركة سوناطراك والأطراف المغربية، وهو الذي تؤطره التشريعات الدولية، وإذا كان هناك أدنى خرق لبنوده من حق المغرب أو الأطراف المعنية المطالبة بتعويضات لجبر الأضرار”.

كما يرى الخبير الاقتصادي أن “هذا القرار يمكن ألا يكون في صالح الجزائر”، وزاد موضحا: “شركة سوناطراك تعرف جيداً أن أنبوباً واحداً يشكل تهديداً لمصالحها، لهذا ستحاول إقناع حكام الجزائر بأن القرار الذي تم اتخاذه يمكن ألا يكون في صالح الجزائر”.

وأوضح الفينة أيضا أن “الإبقاء على هذا الأنبوب أمر ضروري لسوناطراك في حالة ما تعرض الأنبوب الذي يمر من الجزائر نحو إسبانيا لأي حادث طارئ أو توقف مفاجئ لأسباب متعددة”.

وحسب المتحدث ذاته فإن “كل الدول المصدرة للغاز عبر أنابيب تحاول استعمال أكثر من أنبوب تفادياً للأحداث المفاجئة وكل المخاطر التي لا يمكن توقعها، والتي قد تفقد فيها الجزائر الكثير مقابل ما ستجنيه من توقيف الأنبوب المغربي، خصوصاً أن 87 في المائة من مداخيلها تعتمد على تصدير هذه المادة الحيوية”.

يوضح محمد بن عياد، الاقتصادي والأستاذ الجامعي، أن الاتفاقية الخاصة بأنبوب الغاز القادم من الجزائر والمار من المغرب وصولاً إلى إسبانيا معقدة، إذ تضم عدداً من الأطراف وتشمل الشق السياسي والاقتصادي والتجاري، وتهم بالأساس كلا من إسبانيا والبرتغال.

وأضاف بن عياد، وهو مسؤول سابق في وزارة الاستثمارات والتجارة والاقتصاد الرقمي، وكان مكلفاً بالتجارة الخارجية: “في الشق السياسي من حق الجزائر اتخاذ القرار الذي تريده، لكن الشق الاقتصادي والتجاري يهم إسبانيا والبرتغال، ولا يمكن الانسحاب هكذا من اتفاقية تضم أربع دول”.

ومن الناحية التجارية، ستنتقل ملكية خط الأنبوب في 31 من شهر أكتوبر المقبل إلى المغرب، بحيث يتم استغلاله من طرف شركة برأسمال مغربي وبرتغالي وإسباني بالنسبة للشق المغربي، وشركة أخرى برأسمال جزائري وبرتغالي وإسباني تستغل الشق الجزائري.

ويرى الأستاذ الجامعي، ضمن تصريحات لجريدة “هسبريس”، أن الجزائر تلعب بالنار بخصوص مواردها بتلميحها إلى الاستغناء عن الأنبوب المار من المغرب، وزاد متسائلاً: “هل هناك دولة يتوفر لديها أنبوبان وتقرر استعمال أنبوب فقط؟”.

ويبقى نقل الغاز عبر الخط المار من المغرب أقل تكلفة لأن رأسماله تم استرجاعه، وفق إفادات محمد بن عياد، وهو ما يعني أن هذا الخط المغربي أقل كلفة للجزائر من استعمال خطها المار عبر البحر مباشرة إلى إسبانيا.

وبالنسبة إلى استفادة المغرب من هذا الخط، قال بن عياد إن الغاز الجزائري يزود محطتين حراريتين بالمغرب بالغاز لإنتاج الطاقة كريع على شكل منتوج، لكنه أشار إلى أن المملكة وضعت احتمال وقف استعمال هذا الخط منذ سنوات من خلال اللجوء إلى مصادر أخرى للطاقة.